وافق مجلس النواب أمس الثلاثاء، بشكل نهائي على مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، منهياً عقوداً من الجمود التشريعي في هذا الملف الحساس، ولكن على حساب الحريات والحقوق الدستورية، كما يقول منتقدوه، في خطوة اعتبرها حقوقيون نكسة جديدة لمسار العدالة.
ورغم ما وصفه رئيس البرلمان، حنفي جبالي، بأنه "إنجاز تشريعي تاريخي"، فإن القانون الجديد سرعان ما أثار عاصفة من الانتقادات من جانب منظمات حقوقية محلية ودولية، التي رأت فيه "تشريعاً للقبضة الأمنية"، و"خطوة تكرس الانتهاكات لا تقيّدها"، خصوصاً في ظل المناخ العام الذي يشهد تضييقاً واسعاً على الصحافة والنشاط المدني والمعارضة السياسية.
تمرير سريع وتعديلات شكلية
أقر البرلمان مشروع القانون بعد إعادة مداولة محدودة لعدد من مواده، بطلب من الحكومة، والتي اكتفت بإدخال "تعديلات شكلية لتحسين الصياغة القانونية"، بحسب التصريحات الرسمية.
ورغم أن القانون يُفترض أنه يُحدث تحديثاً شاملاً لقانون صدر منذ عام 1950، فإن تمريره تم دون مناقشة تفصيلية للمواد الأكثر جدلاً، وسط اتهامات بتغييب الحوار المجتمعي الحقيقي.
وقال وزير الشؤون النيابية، محمود فوزي، إن القانون "ينسجم مع نصوص الدستور ويلبي التزامات مصر الدولية"، مشيراً إلى أن التعديلات تهدف إلى تطوير منظومة العدالة الجنائية وجعلها أكثر سرعة وفعالية.
صلاحيات أمنية واسعة
لكن قراءة القانون تكشف عن اتجاه مغاير، وفقاً لما أكدته 12 منظمة حقوقية في بيان مشترك، وصفت فيه النص الجديد بأنه "كارثة حقوقية"، واعتبرت أنه "يُضفي الشرعية على انتهاكات قائمة، ويعمّق مناخ القمع"، مشيرةً إلى توسيع صلاحيات النيابة العامة والأجهزة الأمنية على حساب السلطة القضائية وحقوق المواطنين.
ومن بين المواد التي أثارت القلق، المادة 79 التي تفتح الباب أمام مراقبة الاتصالات، سواء الورقية أو الإلكترونية، بإذن من قاضٍ جزئي، وهو ما يراه حقوقيون "تفويضاً خطيراً ينتهك الخصوصية ويقنن المراقبة"، خصوصاً في ظل غياب الضمانات الكافية ضد إساءة استخدام هذه الصلاحيات.
كذلك، يمنح القانون سلطات واسعة للنيابة العامة في منع المتهمين من السفر، ووضعهم على قوائم ترقب الوصول، من دون أي سقف زمني أو اشتراط وجود حكم قضائي نهائي، ما يمثل، وفقاً لمنظمات حقوقية، "خرقاً صريحاً لمبدأ قرينة البراءة وحرية التنقل المكفولة دستورياً".
احتكار التحقيقات وتعطيل دور المحامين
وانتقدت المفوضية المصرية للحقوق والحريات ما ورد في المادة 162 من القانون، والتي تمنح النيابة العامة وحدها صلاحية البت في الشكاوى المتعلقة بانتهاكات من قبل موظفين عموميين، بما في ذلك قضايا التعذيب والانتهاكات أثناء الاحتجاز. ووصفت المفوضية هذه المادة بأنها "بوابة إفلات من العقاب"، لأنها تمنع الضحايا من التوجه مباشرة إلى قاضي التحقيق المستقل.
كما رصدت المفوضية ما وصفته بـ"تقليص دور الدفاع"، من خلال استمرار مواد تحدّ من قدرة المحامي على الدفاع عن موكله خلال مراحل التحقيق، منها حظر الحديث أثناء التحقيق إلا بإذن من عضو النيابة، ومنع الاطلاع الكامل على أوراق القضية، في انتهاك صارخ لضمانات المحاكمة العادلة.
نكسة حقوقية في زمن التقييد
ويأتي هذا القانون في وقت تعيش فيه مصر واحدة من أسوأ فتراتها في مجال الحقوق والحريات منذ عقود، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة ومنظمات العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، التي طالما حذّرت من الاستخدام السياسي للقوانين الجنائية كأداة لتكميم الأفواه وتقييد الحريات.
ورغم أن القانون الجديد يُسوّق على أنه تحديث تشريعي وتأريخ لانتهاء العمل بقانون تجاوزه الزمن، إلا أن الحقوقيين يرون أنه "استبدال نص قديم بنص أكثر قسوة"، يضفي شرعية قانونية على الممارسات القمعية، ويوفر مظلة تشريعية لمزيد من السيطرة الأمنية على الفضاء العام.