هجرة العيد: معاناة العمال بين لهيب التذاكر والزحام في رحلة العودة للوطن
الخميس 3 أبريل 2025 09:00 م
مع كل عيد، تتحول محطات القطارات ومواقف الحافلات في مصر إلى ساحات مكتظة بالحكايات والوجوه المتعبة، حيث تتكرر معاناة آلاف العمال والموظفين البسطاء الذين يسابقون الزمن والظروف للوصول إلى قراهم وبلداتهم لقضاء أيام قليلة وسط العائلة. هؤلاء الذين يكدحون على مدار العام لا يطلبون أكثر من فرصة للعودة إلى أحبائهم، لكنهم يواجهون معركة شاقة ضد أسعار التذاكر المرتفعة، الزحام الخانق، وسوق سوداء تستغل حاجتهم للقاء ذويهم.
معاناة سنوية متكررة
في كل موسم عيد، يبدأ سباق العمال والموظفين مع الزمن بحثًا عن تذكرة تضمن لهم مقعدًا في رحلة العودة. محمود السيد، 38 عامًا، عامل نجارة في الإسكندرية، يقف حائرًا بعد فشل محاولاته في حجز تذكرة إلى قريته في أسيوط. "كل عام، نواجه نفس العذاب، التذاكر الرسمية تُباع في لحظات، أما السوق السوداء فتطلب أضعاف ثمنها. هل يُعقل أن تكون تكلفة السفر إلى قريتي في العيد أكبر من أجرتي الأسبوعية؟".
ولا يختلف حال محمود عن الآلاف من العمال الآخرين الذين يواجهون ذات المعضلة، حيث ترتفع أسعار التذاكر بشكل جنوني قبل العيد، ويضطر البعض للجوء إلى وسائل نقل غير آمنة أو السفر وقوفًا لساعات في الحافلات والقطارات، فقط ليصلوا إلى قراهم قبل بدء الاحتفالات.
رحلة المشقة والفرحة
في محطة مصر بالقاهرة، يزدحم المكان بالمسافرين، وجوههم مرهقة لكن أعينهم تلمع بالشوق. محمود الصعيدي، عامل بناء خمسيني، ينتظر قطار المنيا منذ الفجر، متسلحًا بالصبر وحب العائلة. "اشتغلت طول الشهر علشان أرجع لعيالي يومين. مش مهم التعب، المهم نوصل بالسلامة"، يقول محمود وهو يمسح العرق عن جبينه.
بجواره، يجلس شاب في منتصف العشرينيات، ممسكًا بشنطة سفر صغيرة وكيس بلاستيكي يضم مقتنياته البسيطة. رغم التعب، يضحك قائلًا: "حتى مش لاقي تذكرة. هنزل البلد بأي طريقة، حتى لو اضطررت للجلوس في طرقة القطار أو بجوار الحمام". المشقة لا تثني عزيمته، ففرحة اللقاء تستحق كل الجهد.
أعباء تتجاوز السفر
ولا تتوقف المعاناة عند رحلة العودة فحسب، بل تمتد إلى النفقات المتزايدة التي تثقل كاهل العمال والموظفين، من تكاليف السفر إلى شراء الهدايا ومتطلبات العيد في ظل أوضاع اقتصادية صعبة وارتفاع مستمر في الأسعار. عبد الرحمن حسن، عامل بأحد المصانع الخاصة، يعبر عن ذلك قائلًا: "أرجع العيد علشان أفرّح أمي، رغم السفر والمصاريف. أتمنى أن أحصل على وظيفة دائمة براتب ثابت وتأمين صحي بدلًا من عملي اليومي غير المنتظم".
بعد انتهاء إجازة العيد، تبدأ معاناة جديدة؛ رحلة العودة إلى مواقع العمل التي لا تقل مشقة عن الذهاب، حيث يصطف العمال في طوابير طويلة حاملين معهم وصايا الأمهات وأكياس الطعام التي أعدتها العائلة بحب.
البعد الاجتماعي والاقتصادي للمشكلة
ترى الدكتورة سعاد ممدوح، استشارية الطب النفسي، أن العيد يمثل للعمال فرصة نادرة لتعزيز الروابط العائلية، ما يدفعهم لتحمل مشقة السفر والتكاليف الباهظة في سبيل لحظات قصيرة من الدفء العائلي. وتشير إلى أن أزمة تذاكر العيد ليست جديدة، لكنها تتفاقم مع زيادة أعداد المسافرين سنويًا دون توسعة كافية في وسائل النقل العام.
وتضيف: "الحل الأمثل هو زيادة الرحلات الاستثنائية خلال المواسم، وتطوير أنظمة الحجز الإلكتروني لمنع السوق السوداء، بالإضافة إلى تقديم دعم حكومي للمسافرين ذوي الدخل المحدود عبر خصومات موسمية"، مؤكدة أن تحسين توزيع فرص العمل بين المحافظات قد يخفف من هذه الظاهرة على المدى الطويل.