فاجأت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الاحتلال الإسرائيلي بعملية عسكرية أطلق عليها قائد أركان المقاومة محمد الضيف اسم "طوفان الأقصى".

وفي ساعة مبكرة من صباح اليوم السبت 7 من أكتوبر، وهو يوم إجازة رسمية في إسرائيل، استيقظ سكان قطاع غزة على أصوات إطلاق رشقات كثيفة من صواريخ المقاومة، سرعان ما اتضح أنها للتغطية على حدث أكبر تمثّل في اقتحام عشرات المقاومين السياج الأمني من عدة محاور، واجتياح مستوطنات ومواقع عسكرية فيما تعرف بـ"مستوطنات غلاف غزة".

وبشكل كثيف، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورًا ومشاهد عدة تُظهر رجال المقاومة وهم يجتاحون المستوطنات الإسرائيلية المحيطة بغزة برًا بالسيارات والدراجات النارية، وجوًا من خلال المظلات، وتمكّنهم من قتل وجرح وأسر أعداد -غير معلومة بعد- من جنود الاحتلال ومستوطنيه.

ومن جهته، قال الناطق باسم "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة “حماس” أبو عبيدة، إن النمر الورقي الذي يستقوي على الشعب الفلسطيني منذ سنين، يتهاوى أمام مجاهدي القسام، ليدفع ثمن تدنيس المسجد الأقصى.

وبين، في تصريحات لقناة الأقصى الفضائية، أن الاحتلال الإسرائيلي سيُتابع بذهول حينما يستفيق من صدمته ويدرك حجم خيبته، مؤكدًا أن قادة الاحتلال لا تعلم شيئا عن نتيجة المعركة حتى الآن.

ويرى “أبو عبيدة” أن هذا كشف حساب مفتوح مع الاحتلال، مُطالبًا أبناء الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية المشاركة في هذا الحساب، مُعتبرًا أنها فرصة تاريخية لتركيع هذا الاحتلال.

ودعا أبو عبيدة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية ومدينة القدس إلى التحرك في كل المحاور لضرب الاحتلال الإسرائيلي. وفي رسالته مُخاطبًا أبناء الضفة، قال إن معركة "طوفان الأقصى" فرصة بدأتها غزة وعليكم التحرك واستهداف المستوطنات والطرق الالتفافية.

وتابع: "يا أهل الضفة يا مفجري الثورة وأهل القدس والداخل اليوم هي فرصتكم من كل المحاور وعليكم التحرك الآن إلى كل أماكن تواجد الاحتلال، واخرجوا بطوفان الأقصى الذي انطلق".

دلالة التوقيت

ووفقًا لـ"الجزيرة"، فقد قارنت أوساط فلسطينية وإسرائيلية بين هذه العملية وحرب أكتوبر 1973 من حيث التوقيت وعنصر المفاجأة، باختيار كتائب القسام يوم السبت، وهو يوم إجازة رسمية لدى إسرائيل وآخر أيام ما يسمى "عيد العُرش"، لشن هذه العملية المباغتة.

ووضع الناطق باسم حماس في غزة، حازم قاسم، هذه العملية من حيث توقيتها وما حققته حتى اللحظة في سياق "القدرة الكبيرة للمقاومة على الإبداع في اختيار التوقيت المناسب والفعل المباشر لأخذ زمام المبادرة".

وقال قاسم إن توقيت العملية مرتبط بـ"التكتيكات العسكرية للمقاومة في سياق الرد الطبيعي على جرائم الاحتلال بحق الأقصى والمسرى، فلم يعد مقبولًا السكوت عن المشاهد اليومية لإجرام الاحتلال وقطعان المستوطنين في القدس وباحات المسجد الأقصى المبارك".

ومن شأن هذه العملية -وفقا لقاسم- أن "تغير من قواعد الاشتباك مع الاحتلال وتفرض قواعد جديدة، بالنظر إلى حجم الإنجازات التي حققتها المقاومة وستتضح تباعًا، وحجم الخسائر الكبيرة لدى العدو".

ولا يستبعد قاسم ردودًا عنيفة لدولة الاحتلال إثر الضربة "الموجعة" التي تلقتها من المقاومة، وقال إن "الاحتلال لم يتوقف يومًا عن ارتكاب الجرائم بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، والمقاومة سيكون لها كلمتها".

وكرر قاسم ما ورد على لسان محمد الضيف، في كلمته الصوتية، بأن قيادة كتائب القسام "قررت وضع حد لكل جرائم الاحتلال، وانتهى الوقت الذي يعربد فيه دون محاسبة".

Palestinians take control of an Israeli tank after crossing the border fence with Israel from Khan Yunis in the southern Gaza Strip on October 7, 2023. - Barrages of rockets were fired at Israel from the Gaza Strip at dawn as militants from the blockaded Palestinian enclave infiltrated Israel, with at least one person killed, the army and medics said. (Photo by SAID KHATIB / AFP)

نتائج مبهرة لـ"طوفان الأقصى"

في هذا السياق، استخدم الخبير في الشؤون العسكرية، اللواء المتقاعد يوسف شرقاوي، لفظة "مذهلة" لوصف عملية كتائب القسام، وقال إنه يتفق مع مراقبين إسرائيليين شبهوها بمصيبتهم في "حرب أكتوبر" 1973 من حيث التوقيت وعنصر المفاجأة، ونجاح الجيش المصري في تدمير واجتياح ما كان يسمى بـ"خط بارليف" الحصين على امتداد قناة السويس.

وقال شرقاوي، في حديثه لـ"الجزيرة نت"، إن المقاومة في غزة حققت الكثير من النتائج المبهرة، ومنها:

1 - أعادت في الذكرى الـ50 لانتصار أكتوبر 1973 مشاهد الفخر والعزة عبر التخطيط المحكم والمباغت لعملية "طوفان الأقصى".

2 – قامت بتضليل المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية عبر اختيار التوقيت المناسب، والتنوع في استخدام أساليب القوة، برا وبحرا وجوا.

3 - مشاهد المقاومين وهم يتجولون في شوارع مستوطنات غلاف غزة، ومشاهد الدبابات تحترق وجنود الاحتلال في قبضة رجال المقاومة، حدثا غير مسبوق وله ما بعده، سواء بالنسبة لإسرائيل أو المقاومة.

4 - ضرب الجبهة الداخلية للاحتلال وزعزعة الثقة في المنظومة العسكرية والأمنية، حيث أثبتت هشاشة هذه المنظومة عبر النجاح الباهر لبضع عشرات من المقاومين بأسلحة خفيفة في السيطرة على مستوطنات ومواقع عسكرية، انطلاقا من القطاع الصغير والمحاصر والمراقب على مدار الساعة بالطيران وبأحدث التقنيات.

ودعا الخبير العسكري إلى استغلال هذه اللحظة الفارقة في تاريخ المواجهة مع الاحتلال، وإلى تتحرك جبهات المقاومة الأخرى لإسناد جبهة غزة، حتى لا تنتهي عملية "طوفان الأقصى" مثل غيرها من جولات المواجهة السابقة.

وأكد أن عملية "طوفان الأقصى" سيسجلها التاريخ بوصفها واحدة من "أنجح عمليات الكوماندوز في سجل النضال الوطني الفلسطيني"، بحسب تعبير الخبير العسكري.

Cars are on fire after they were hit by rockets from the Gaza Strip in Ashkelon, Israel, on Saturday, Oct. 7, 2023. Palestinian militants in the Gaza Strip infiltrated Saturday into southern Israel and fired thousands of rockets into the country while Israel began striking targets in Gaza in response. (AP Photo/Ohad Zwigenberg)

القسام تفرض قواعد المواجهة

ويرى الخبير في الشؤون الأمنية والإستراتيجية، إبراهيم حبيب، أن من أهم نتائج عملية "طوفان الأقصى" تحقيقها للثمار الآتية:

1 - نجاح المقاومة في التمويه والمباغتة وتضليل الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.

2 - اختيار تاريخ العملية له دلالة رمزية لدى العمق العربي والإسلامي لارتباطه بانتصار أكتوبر المجيد، وكأن المقاومة تريد أن تستنهض الأمة من جديد وتذكرها بأمجادها.

3 - ويؤكد حبيب أن المقاومة فرضت قواعد اشتباك ووقائع ميدانية جديدة، وقد نجحت في أن تعكس المعادلة القائمة منذ 100 عام بأن الاحتلال وحده هو من يفرض ويحدد قواعد الاشتباك.

4 – سيظل يوم السابع من أكتوبر 2023 يومًا فارقًا في تاريخ الصراع، والمشاهد غير المسبوقة لهروب المستوطنين من غلاف غزة ستصبح اعتيادية، والمقاومة ستفاوض هذه المرة من موقف قوة ويدها هي العليا.

5 - ولفت إلى أن قائد أركان المقاومة حدد في كلمته 4 ملفات أساسية تشكل ملامح ما بعد المعركة الحالية، وهي: الأقصى والانتهاكات فيه، والاقتحامات اليومية، والأسرى، وضرورة التوصل إلى حل جذري، متوقعًا أن صفقة تبادل أسرى ستفرض بالقوة وتسفر عن تبييض السجون من الأسرى كافة.

6 – وأشار حبيب إلى أن عملية "طوفان الأقصى" ستمكن المقاومة من وضع حد لاقتحامات الضفة الغربية والتهويد والاستيطان.

7 - يتوقع الخبير الأمني والإستراتيجي أن الحل هذه المرة لن يكون بكسر الحصار المفروض على غزة، وإنما الحديث سينتقل إلى توسعة حدود القطاع على حساب أراضي في "غلاف غزة" بالداخل المحتل.