قالت صحيفة "إندبندنت" البريطانية إن الطبقة المتوسطة في مصر هي شريحة "عزيز قوم ذل"، وأن هذه المقولة تسببن لدى من استلعت رأيهم في مصر بحرج وهو يلوح بالمزيد حيث "الطبقة البعيدة عن عين الحكومة ومن ثم فهي بعيدة عن قلبها. ويتندر فريق ثالث بأن قلب الحكومة لا يتسع إلا للفقراء الذين يحظون بشبكة حماية وعين رعاية وبطاقة تموين ومعاش استثنائي، أما الطبقة المتوسطة فمعلقة حالياً بين السماء والأرض في انتظار شيء ما".
وأوضحت أن الطبقة المتوسطة حالياً معلقة بين سماء طموحاتها وأرض واقعها. مضيفة أن "أبنائها وبناتها يظنون أنهم ينتمون لشريحة اجتماعية مميزة، لكن بعض الظن يجانبه الصواب. فلا هي طبقة قادرة، ولا هي معدمة، ولا هي ثابتة عند منتصف الهرم، ولا هي ضامنة عدم الانزلاق للأسفل. كما أنها موجودة لأن أفرادها على قيد الحياة، لكنها في الوقت نفسه غير موجودة لأن مكانتها وموقعها مهددان بالانقشاع".
لا قادرة ولا معدمة ولا ثابتة
وأوضحت الصحيفة أن الطبقة المتوسطة تعاني حالياً أشد المعاناة في أهم مجالات المعيشة وعلى رأسها الصحة والتعليم والسكن وأنهم قالوا عنها إنها صمام الأمان، ووصفوها بـ"رمانة الميزان"، وأكدوا أن وجودها ضمان للتنمية الاقتصادية وتوثيق للسلم الاجتماعي ودعم لما تحتها من طبقات وحماية لما فوقها من فئات.
وأشارت إلى أنه حتى أزمنة قريبة مضت، كان أبناؤها وبناتها يزهون بأنفسهم ويعتدون بمكانتهم ويثقون في قدراتهم وإمكاناتهم التي تضعهم في بؤرة المجتمع وقلب اهتمامه وجل احترامه (عند منتصف الهرم الاجتماعي).
ولفتت إلى أنهم لم يكونوا يعانون في قاعدة الهرم حيث حلقات مفرغة من الفقر، وتشابكات معقدة من عادات ضارة وتقاليد بالية ومفاهيم تدفع بعضهم نحو مزيد من العوز، ولا هم رابضون أعلى الهرم حيث أبراج الأغنياء المخملية ومشكلاتهم المتعلقة بمستوى الرفاهية.
وتناولت الصحيفة أن نموذج "تكافل وكرامة" المنضوي تحت مظلة وزارة التضامن الاجتماعي يشهد تسللات سرية من قبل منتمين ومنتميات لهذه الطبقة على سبيل العلم بالشيء، فالأمور تسير من الصعب إلى أكثر صعوبة، وغلاء المعيشة يقفز من خانة المرتفع إلى بالغ الارتفاع.
التقرير أشار إلى عدة أسباب أثرت على الطبقة المتوسطة، وهي بحسب رأي معد التقرير، تبدأ "بأحداث يناير عام 2011، التي أثرت سلباً في اقتصاد البلاد ومواردها بشكل عام، مروراً بتوترات أمنية وحوادث إرهابية نالت من قطاعات عدة مثل السياحة والخدمات، وانتهاء بعامين من إغلاقات "كوفيد-19" ثم حرب روسيا على أوكرانيا التي نالت أكثر ما نالت من هؤلاء القابعين في منتصف الهرم.
واستدرك أنها "كانت لطيفة بحكم تكوينها وسماتها وأثرها، ثم تحولت تعيسة لأنها الأكثر والأسرع تأثراً بالتقلبات والتغيرات، ثم باتت منكوبة في الأسابيع القليلة الماضية".
ونقل التقرير عن "فيتش سولوشينز" المتخصصة في تحليل المعلومات والأرقام الاقتصادية، يتوقعه تأثيرا على الطبقة بانتعاش مقبل مع حلول عام 2025!
ووصفت الصحيفة التقرير أنه متخم بأرقام مبهجة منها أن "التضخم سيستقر، ونسبة الأسر التي يزيد دخلها السنوي على 390 ألف جنيه ستزيد إلى 11 في المئة عام 2025، مقارنة بنحو 4.6 في المئة عام 2021. والطبقة المتوسطة المصرية التي يتراوح دخلها السنوي بين 78 و156 ألف جنيه (2.82 و5.65 ألف دولار) مما يجعلها أسرع الطبقات نمواً في العالم، ستكون نسبتها في عام 2025 بمصر 58.2 في المئة مقارنة بـ34.3 في المئة عام 2021.!!
حالة يرثى لها
ولكن معد تقرير "ذي اندبندنت" عاد وأكد أن "الأسر المصرية المصنفة متوسطة في حال نفسية وعصبية واجتماعية وبالطبع مادية يرثى لها. فمن جهة ما زال أغلب هذه الأسر ممسكاً بتلابيب مستويات بعينها للحصول على خدمات تعليمية وصحية وسكنية، مع تقلص هوامش الترفيه والرفاهية مثل تجديد السيارة أو القيام برحلة أو شراء جبن شيدر أو زيت زيتون أو أكل قطط معلب، هذا التقلص مدفوع بنسبة تضخم كسرت حاجز 30 % في نوفمبر الماضي، ودفعت بأسعار السلع الرئيسة إلى زيادات غير مسبوقة وصل بعضها إلى أكثر من 50 % مثل الحبوب والخبز، ونحو 41 في المئة للألبان والبيض والجبن.
ونقلت عن م. أ (42 سنة) أنه "بعد سنوات من العمل أمام وخلف الكاميرا في عدد من القنوات الفضائية الخاصة، تقلص المشهد حتى وجد نفسه من دون دخل تقريباً، وإن ظل محتفظاً بعمله كصحافي في مؤسسة قومية لا يكفي راتبها مصاريف أسرته لمدة أسبوع"!
ولفت الصحفي إلى أنه يشتري لأبنائه من "وكالة البلح (سوق شعبية لبيع الملابس المستعملة) .. أما مصروفات المدارس واحتياجاتها فقد أمنت المتطلبات الأساسية للفصل الدراسي الحالي بما تبقى من مدخرات، وليس لدي أدنى فكرة عن وضعي ووضعهم ووضع الفصل الدراسي المقبل".
ولفت التقرير إلى أن "الأرقام تقول إن الغالبية العظمى من المصريين خسرت ما يزيد على ثلث قوتها الشرائية في الأشهر القليلة الماضية. تراجع الجنيه المصري مستمر، وارتفاع الأسعار محلياً وعالمياً يتواصل، وحرب روسيا على أوكرانيا وعزوف الاستثمار الأجنبي عن الدخول بقوة في السوق المصرية يتتابع ووضع القطاع الخاص وقدرته وإمكاناته على المساعدة في دفع الاقتصاد بعيداً من هامش الخطر غير واضحة".
وعود زائفة
وتساءل التقرير عن وعود حكومية بتحديد أسعار 15 سلعة كخطوة أولى طال انتظارها وتأخر ولكن القائمة لم تعلن بعد!
وأضاف "أن استمرار بل وزيادة برامج الدعم الحكومية المقدمة للفئات "المستحقة" يبقيها طافية". و"أن تحسين مستويات أجور ورواتب العاملين في الدولة يبقيهم في حماية "سترة النجاة"، لكن القطاع العريض من الطبقة المتوسطة التي لا يعمل أبناؤها في مصالح ومؤسسات الدولة، الذين لم تتحرك رواتبهم أو تحركت ولكن بسرعة النملة مقارنة بصاروخ الأسعار".
وخلص التقرير إلى أن "الأسعار أثرت في الجميع بمصر. وكثيرون يلمحون إلى أثر "قرض الصندوق" الأحدث الذي حصلت مصر على الموافقة في شأنه من صندوق النقد الدولي".
وأن الحديث ينصب على "عملية الهبوط الجماعي من منتصف الهرم"، حيث تتبدد أحلام وتنتقل فئات للأولى بالرعاية وأهالي طلاب المدارس الخاصة التي تضاعفت مصروفاتها والمقبلون على الزواج الذين يطالعون أسعار شبكة العروس وإيجار قاعات الأفراح ومقدم الشقق السكنية، والمتابعون لرحلة البيضة التي تضاعف سعرها أكثر من ثلاث مرات..".

