تراجع سعر الجنيه أمام الدولار بنسبة 104% خلال العشرة أشهر السابقة، ما أسهم في تناقص العديد من السلع الأساسية من الأسواق إضافة إلى زيادة أسعار العديد منها.

واضطرت بعض الشركات الغذائية إلى تبطيء عملية إنتاجها خشية تكبدها خسائر فادحة، في الوقت نفسه الذي تستمر فيه قيمة الجنيه في التراجع، وتتكدس فيه مستلزمات الإنتاج بالموانئ منذ عدة أشهر، وإن كان تم الإفراج عن بعضها خلال الأيام السابقة.

 

زيوت الطعام تختفي من الأسواق الكبرى

يقول سعيد، إن أسرته تتكون من 5 أفراد، تحتاج إلى لترين أو أكثر من الزيت على مدار الأسبوع. كما أنه يخشى أن تكون الأصناف الرديئة معاد تدويرها مع زيادة معدلات بيع الزيوت المستعملة، خاصة أن لون الزيت داكن للغاية، ويبدو أنه ليس طبيعياً كباقي أنواع زيوت الطعام. وجد سعيد نفسه في النهاية مضطراً للحصول على زجاجة يصل سعرها إلى 50 جنيهاً دون أن يعرف أي معلومات كافية عن الشركة المنتجة وسمعتها، ومع تيقنه بسوء جودتها.

 

الأرز السائب بـ20 جنيهًا

ولاحظ أيمن عبدالهادي (موظف حكومي في منتصف الأربعينيات من عمره) اختفاء الأرز بشكل تام من أحد فروع سلسلة متاجر شهيرة بمنطقة المعادي، وأضاف أن سعر الأرز السائب وصل في محال العطارة إلى 20 جنيهاً، نتيجة اختفاء الأرز المُعلب، ورغم حديث الحكومة عن انتهاء الأزمة وتوفره بالأسواق، لكن الواقع يشير إلى عكس ذلك، لافتاً إلى أن الوصول إلى السلع الأساسية أضحى بحاجة للتسوق بالعديد من المحال والأسواق؛ أملاً في الوصول إليها، وقد لا تتوفر من الأساس، وإذا تم توفيرها فإنها تكون بأسعار مبالغ فيها.

 

قطعة واحدة من المنتج

وأشار عمر إلى ان "لافتة الحصول على قطعة واحدة من المنتج أصبحت منتشرة بشكل متكرر في العديد من السلاسل التجارية الكبرى، التي كانت بمثابة ملاذ آمن للمواطنين للحصول على احتياجاتهم بأسعار زهيدة"، وفي الأغلب يكون السبب نفاد حصة المتجر بعد ساعات قليلة من توفر المنتج الذي يأتي إليهم بكميات قليلة للغاية، مقارنة بما كان يحدث في الأيام العادية، وفقًا لـ"عربي بوست". ويؤكد أنه يحتاج الذهاب إلى أكثر من متجر حتى يتمكن من توفير ما يحتاجه من سلع، فقد يتوفر الزيت والأرز ولا يتوفر الدقيق أو السكر أو أي من المنتجات الرئيسية الأخرى، والعكس صحيح.

 

الشركات توقفت عن التوريد

وقال أحد مديري السلاسل التجارية الكبرى بالقاهرة – شريطة عدم ذكر اسمه – إن كبرى الشركات العاملة في الزيوت والأرز والسكر والدقيق والشاي توقفت عن التوريد للمحلات والسلاسل التجارية منذ الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر الماضي، وأن ما يتوفر حالياً في الأسواق أغلبه كميات قديمة جرى توريدها من قبل، وأن السبب يرجع لأن تلك الشركات تنتظر استقرار سعر الصرف. وأضاف أن غالبية الشركات أخبرت السلاسل الكبرى أنها سوف تعاود ضخ منتجاتها مع بداية العام الجديد، لكن لم توفِّ بالتزاماتها حتى الآن، ويرجع ذلك لأن سعر الصرف غير ثابت، والتوقعات تشير إلى أن التذبذب مستمر لأسبوعين أو أكثر. وفي حال استمر عدم طرح السلع، سيؤدي ذلك لأزمة اختفاء العديد من السلع بشكل أكثر وضوحاً، وستكون الأرفف فارغة بعد استهلاك الكميات التي توفرت على استحياء مؤخراً.

 

السخط الشعبي

ورفعت جهات "سيادية" تقاريرها إلى قائد الانقلاب محذرة من خطورة استمرار نقص هذه السلع على المواطنين الذين يعانون من أجل الحصول على أبسط المواد الغذائية.

كما تتخوف الجهات "السيادية" من تنامي حالة السخط الشعبي بسبب ذلك، وهو ما ينذر بتوترات اجتماعية قد تؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي. وفي مواجهة هذه الأزمة، سعت الأجهزة الأمنية إلى فرض رقابة على تجار المواد الغذائية في القاهرة والمحافظات، وهو الدور المنوط أصلاً بوزارة التموين ومفتشيها، عبر جهاز الأمن الوطني وفروعه في المحافظات.

وانتشر – تبعًا لذلك – السخط الشعبي في الشارع، وهو ما ينذر بخلق توترات اجتماعية قد تؤدي إلى حالة من عدة الاستقرار السياسي، بينما تسعى الأجهزة الأمنية إلى متابعة الأسواق والتحري عن التجار، خصوصاً تجار المواد الأساسية مثل الأرز والدقيق والسكر، لمنعهم من تخزين تلك السلع والمضاربة عليها.

 

مخاوف أمنية وحكومية

وتنتاب العديد من الوزراء والجهات الأمنية العديد من المخاوف، التي ترتكز على عائقين؛ أولهما عدم وجود تنسيق كاف بين الوزارات والمؤسسات المختلفة في الدولة، أما الثاني فيتعلق بتدخل بعض مسؤولي الأجهزة الأمنية في تسيير أعمالهم وبرامجهم التنفيذية، فضلاً عن خشيتهم من الإطاحة بهم وتقديمهم "كبش فداء"، لامتصاص غضب الشارع المكتوم من الأزمات المعيشية المتلاحقة.

وقالت مصادر إعلامية عدة إن الكثير من الشخصيات، التي تصنف كمعارضة، ترفض في كثير من الأحيان المشاركة في برامج أو مداخلات مع صحف وقنوات تلفزيونية حكومية، أو خاصة تابعة للأجهزة الأمنية، خوفاً من حالة السخط العامة التي يعيشها المواطنون، وما يمكن أن يستتبعه ذلك من تأثير سلبي عليهم، وفقًا لـ"العربي الجديد".

وترى هذه الشخصيات أن الوزراء والمحافظين هم سبب الأزمات السياسية والاقتصادية في مصر، لأنهم مجرد منفذين لسياسات خاطئة متتالية.

 

خياران لا ثالث لهما

وزاد الوضع النقدي المتأزم في مصر من تعقيد الظروف المعيشية للمواطن الذي تأثرت قدرته الشرائية بشكل غير مباشر بالتحولات السلبية في قيمة الجنيه.

وقال المحلل السياسي والخبير في العلاقات الدولية، محمد اليمني، لوكالة "فرانس برس"، إن "الوضع في مصر صعب للغاية". وله مسبباته السياسية والاقتصادية طبعًا.

بدوره، حدد الخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب، الأسباب في "ارتفاع أسعار القمح والحبوب في البورصات العالمية بنسبة وصلت إلى 40%، ما أدى إلى زيادة الطلب المصري على الدولار، حيث إن مصر من أكبر الدول المستوردة للقمح. وتبلغ الواردات المصرية من القمح ما قيمته ثلاثة مليار دولار". 

ورأى الخبير الاقتصادي عبد المطلب، أن مصر أمام خيارين لا ثالث لهما في الوقت الحالي، الأول: "دعم من الأشقاء والأصدقاء في شكل تدفقات دولارية نقدية، وأعتقد أنه لا توجد بوادر لهذا الدعم". ويحاط الغموض بإمكانية دعم عربي مقدر بـ14مليار دولار. وسيكون المسلك الثاني وهو الخيار الأصعب، "الاستمرار في سياسة التقشف وتقييد الواردات، ولا أعتقد أن مجتمع الأعمال سيتحمل هذه السياسات لفترات طويلة."