م/ أشرف فريد
خبير التنمية البشرية وتطوير الذات
إن أشرف البقاع على ظهر الأرض هى المساجد لأنها بيوت الله -عز وجل- مصداقا لما رواه عبد الرزاق بسنده عن عمرو بن ميمون الأودى قال: أدركت أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- وهم يقولون: “إن المساجد بيوت الله وإنه حق على الله أن يكرم من زاره فيها” .
وأكد القرآن الكريم فضل المساجد بنسبتها إلى الله -عز وجل- وذلك فى قول الله تعالى: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا)
ولهذا كانت العناية بالمساجد عمارة وتشييدا وبناء وصلاة وذكرًا لله –عزوجل- علامة على الإيمان وسبيلا الى الهداية؛ يقول الله تعالى:(إنما يعمرمساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) (التوبة:18)
وحين هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة وشرع فى وضع الأسس الراسخة لإقامة الدولة الاسلامية .
كان بناء المسجد فى مقدمة تلك الأسس، وبهذا أصبح المسجد محور حياة الدولة الاسلامية وسر قوتها.
فهو أول مدرسة فى الإسلام تبنى الأجيال و تصنع الأبطال، يقول الله تعالى: (لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه، فيه رجال).
والمجتمع الإسلامى هو مجتمع النظافة والصفاء والنقاء ولا تكتسب هذه الصفات إلا من خلال التربية فى المساجد.
وهذة الآية الكريمة تشير إلى الطهارة والمعنوية لأن المسلم مطالب فى صلاته بأن يكون طاهر الثوب والبدن والمكان وأن يكون طاهرا من الحدث الأكبر والأصغر، وحين يصلى فإن الصلاة تطهره من الذنوب والآثام بل وتحفظه من ارتكابها.
مصداقا لقول الله تبارك وتعالى: “وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر“.
وفى بيوت الله يتطهر المسلم من الأثرة والأنانية وحب النفس ويصبح محبا للناس يسعى فى الخير لعباد الله جميعا ولهذا أثنى الله تبارك وتعالى على رواد المساجد، فقال:“فى بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال“.
“رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والآبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب“. (النور: 36-38 )
وإذا كان المسلمون قد أنشاوا المدارس والجامعات ووضعوا لها مناهج الدراسة التى تشمل جميع العلوم والمعارف كما أنشاوا العديد من المؤسسات كالمحاكم وغيرها فإن روح المسجد ورسالته التربوية والأخلاقية والتوجيهية
ينبغى أن تسرى فى المدارس والجامعات والمؤسسات كلها توجيها وتعليما ومناهج وسلوكا لأن الإسلام لايعرف الفصل بين الدين والدنيا أو بين العبادة والتعليم أو بين العقيدة والسياسة أو بين مطالب الروح ومطالب الجسد.
وقد ثبت أن الرجال الذين تمت صناعتهم فى المسجد كانوا دائما على مستوى المسئولية صدقا فى الكلام والفعل ونظافة فى اليد وطهارة فى القلب ونقاء فى السريرة ووفاء بالعهد وشجاعة فى الحق ولهذا منحهم الله نصره وتأييده لأنهم جنوده وهم الذين أشار إليهم قول الله تعالى:(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا). (الأحزاب:23).
وقد كان المسجد على عهد رسول الله دارا للفتوى وكثيرا ما كان يأتى الناس إلى الرسول وهو فى المسجد يستفتونه فى شئون دينهم ودنياهم فيفتيهم كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلقى الوفود والسفراء فى المسجد، ومن المسجد كانت تنطلق غزوات المجاهدين فى سبيل الله وإليه تعود بعد أداء مهمتها ولهذا حالفها نصر الله وتأييده.
وقد كان المسجد دارا للقضاء والفصل بين المتخاصمين حيث يأمن فيه كل إنسان على نفسه ويطمئن على آخذ حقه يقول الله تعالى:(وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب * إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لاتخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولاتشطط واهدنا إلى سواء الصراط). (ص:22،21)
قال الإمام القرطبى فى تفسيره: (ليس فى القرآن ما يدل على القضاء فى المسجد إلاهذه الآيات ولهذا استدل من قال بجواز القضاء فى المسجد ولو كان ذلك لايجوز كما قال البعض لما أقرهم داود -عليه السلام- على ذلك ولقال لهم انصرفا إلى موضع القضاء).
وقد كان النبى والخلفاء من بعده يقضون بين الناس فى المسجد.
وقد كان المسجد دارا لتوثيق عقود الزواج لما رواه الترمذى وغيره عن عائشة –رضى الله عنها– أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “أعلنوا هذا النكاح واجعلوه فى المساجد واضربوا عليه بالدفوف“.
وكان رسول الله يعتكف فى المسجد بضعة أيام مشتغلا بالعبادة وبهذا يكون الاعتكاف مأثورا.
وقد وردت الإشارة إلى الاعتكاف فى قول الله تعالى: “والمسجد الحرام الذى جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد“. (الحج:25)
وفى قوله تعالى:“وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتى للطائفين والعاكفين والركع السجود“. ( البقرة:125)
وقد ورد أن سعد بن معاذ لما أصيب يوم الخندق ضرب عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيمة فى المسجد ليعوده الناس من قريب.
والمسجد كان ولا يزال أفضل مكان للتشاور بين المسلمين فى كل شأن من شئون دينهم ومعيشتهم لأن المسلم فى المسجد يكون بعيدا عن هوى النفس ونزعات الشيطان.
ولكى يعود للمسجد دوره الريادى فى الأمة وتقديمها واستعادة مجدها فإنه ينبغى أن يُمَكَّنَ للمسجد كى يؤدى رسالته الروحية والتعليمية والاجتماعية دون قيود لكى يعود كما كان محورا للعديد من المجالات النافعة للأمة .
كان يلحق به مستوصف طبى لمعالجة المرضى ورعاية الجرحى ونادٍ للشباب يمارسون فيه رياضة بدنية خفيفة ويقومون بأنشطة ثقافية وترفيهية بريئة وأن يضم مكتبة للقراءة والمطالعة يتزود فيها رواد المسجد بالثقافة الرفيعة.
وكما كان المسجد على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موئلا للفقراء والمساكين وأهل الصفة فينبغى أن يعود له هذا الدور فى رعاية الفقراء والمساكين وتقديم العون لهم.
والحرص على صلاة الجماعة وسيلة ممتازة للتعرف على ظروف هؤلاء وأحوالهم وهذا فى الواقع يعد هدفا من أهداف الإسلام حين رغب فى صلاة الجماعة وحث عليها.
عن معاذ بن جبل –رضى الله عنه – أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ الشاة القاصية والناحية فإياكم والشعاب وعليكم بالجماعة والعامة والمسجد“.
وينبغى كذلك أن يقوم المسجد بدوره فى رعاية الطلاب وتقديم العون لهم كى يتفوقوا فى دراستهم تخفيفا عن كاهل أولياء أمورهم، ولكى تتوثق علاقة الشباب بربه عن طريق ارتباطه بالمسجد.
فالمساجد بيوت الله التى يقصدها الصالحون من عباد الله لكى يتطهروا من الذنوب والآثام ولكى يتزودوا بكل نافع من الثفافة والعلم والمعرفة ولكى يزدادوا إيمانا على إيمانهم ولأن الأمة فى حاجة ماسة إلى هذه النوعية الممتازة من الرجال الأطهار الذين تربوا فى بيوت الله فإنه يجب أن يشجع أهل الخير على الإكثار من المساجد والعناية بها وأن تقام المساجد فى كل المؤسسات بشكل عام وفى المدارس والجامعات والمصانع بشكل خاص.
كما يجب أن يشجع أولاد المسلمين بكل الوسائل غلى ارتياد المساجد والتردد عليها بانتظام حتى يألفوها وتتعلق قلوبهم بها ضمانا لحسن تنشئتهم وتربيتهم على طاعة الله والبعد عن معصيته وتوجيههم إلى أن يراقبوا الله فى أقوالهم وأفعالهم ولكى يكونوا من السبعة الذين قال فيهم رسول الله:“سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل الا ظله“، منهم: شاب نشأ فى طاعة اللة تعالى ورجل قلبه معلق بالمساجد.
ولهذا فإنه ينبغى أن تفتح المساجد أبوابها فى كل وقت لكى يترددعليها زوار الله وضيوفه دون أن يحول بينهم وبين ذلك حائل مادى أو معنوى.
ولا يجوز بحال من الأحوال أن يتعرض ضيوف الرحمن لأية مضايقات أو إهانات أو إيذاء أو تشويه لصورتهم أو تشكيك فى مقاصدهم ونواياهم.
وعجبا لقوم يسيئون إلى رواد بيوت الله بعد أن شهد لهم الله بالإيمان فقال –سبحانه-: “انما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر“. (التوبة: من الآية 18).
هذا قليل من كثير مما يقوم به المسجد لكى تنهض هذه الأمة من عثرتها وتسترد مكانتها بين الأمم قائدة ورائدة كما يريد الله لها وعلى نحو ما كان عليه حال السابقين ومن تبعهم بإحسان.
يقول الله تعالى: “وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التى كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم“. (البقرة:143)
وقال أيضا: “إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين“.
اعلم – أخى المسلم – أن المسجد فى الإسلام من أهم الدعائم التى قام عليها تكوين الفرد المسلم وبناء المجتمع الإسلامى فى جميع العصور السالفة عبر التاريخ ولا يزال المسجد من أقوى الأركان الاساسية فى بناء الفرد والمجتمع فى حاضر المسلمين ومستقبلهم؛ إذ بغير المسجد لا يمكن أن يتربى ولدك روحيا وإيمانيا وأن يتكون خلقيا واجتماعيا، وبغير المسجد لا تسمع أنت ومن بكنفك صوت النداء العلوى: “الله أكبر” يجلجل فى سماء الدنيا فيهز المشاعر ويحرك أوتار القلوب.
وبغير المسجد لا ينصت المسلم إلى سماع كلمة الموعظة والحق فتتفاعل بها روحه ونفسه وتتأجج بتاثيرها مشاعره وأحاسيسه.
وبغير المسجد لايتعلم المسلم أحكام الدين وتنظيم الدنيا وأمور الحلال والحرام ومناهج الحياة ودقائق التشريع.
وبغير المسجد لايتلقن المسلم تعليم القرآن الكريم ويعرف أسباب النزول ويفهم لطائف التفسير.
وبغير المسجد لايمكن لعامة المسلمين أن يعرفوا شيئا عن أحوال المسلمين وآلآمهم وآمالهم فى أنحاء الدنيا.
وبغير المسجد لايمكن للمسلم أن يتعاطف مع أخيه المسلم وأن تتفاعل نفساهما على أسس من المحبة والرحمة والتعاون والتكافل.
وبغير المسجد لايجد المسلم موئل عزاء إذا أصيب وموطن طمأنينة وسلوى إذا جزع.
هذه هى بعض وظائف المسجد كما كان عليه فى بعثة النبى -صلى الله عليه وسلم- وفى عهود من جاءوا بعده من خلفائه وحكامه على مر العصور
وهكذا ينبغى أن يظل المسجد أبد الدهر إذا أراد المسلمون أن يبنوا فى مجتمعاتهم الإسلامية فى كل مكان القاعدة الصلبة المتينة وأن يظلوا على المحجة البيضاء وأن يكونوا خيرالأمم قوة وعلما وحضارة وأن يبنوا فى
الآخرين ما حققه الأوائل من عز ورفعة ودولة وكيان.
أتعلم – أخى المسلم – أن من مهام المسجد اطمئنان القلوب بذكر الله؟.
اسمع إلى ما يقوله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الترمذى: “إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا” قالوا: يا رسول الله: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر“.
أتعلم – أخى المسلم – أن من مهام المسجد مدارسة القرآن الكريم؟ اسمع إلى ما يقوله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم: “ما اجتمع قوم فى بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده“.
أتعلم -أخى المسلم- أن من مهام المسجد صلاة الجماعة؟
اسمع إلى ما يقوله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم: “ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط “.
انظر-أخي المسلم- إلى ما أُعِدَّ لمن يرتاد المساجد ويسعى إليها من رفع للدرجات وحط للخطيئات، اسمع إلى ما يقوله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم : “من تطهر فى بيته ثم مضى إلى بيت من بيوت الله ليقضى فريضة من فرائض الله كانت خطواته إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة“.
انظر-أخي المسلم- إلى ما أُعِدَّ للمسلم من البشارة بالنور التام يوم القيامة، واسمع الى ما يقوله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو داود والترمذى: “بشر المشائين فى الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة“.
انطلاقا من التوجيهات النبوية فى فضل المشائين إلى المساجد والساعين إليها اعقد الهمة واشحذ العزم لتربط أولادك ببيوت الله -عز وجل-.