رغم إعلان برنامجه الانتخابي قبل إعدامه، بعودة الآذان للغة العربية والسماح للأتراك بالحج وعودة مدارس تحفيظ القرآن الكريم، بنحو 11 سنة، إلا أن العسكر خان رئيس الوزراء التركي "عدنان مندريس" بمجرد أول انقلاب للعسكر كان انتقاميا نقموا منه إنجازاته فأعدم الجنرال التركي "جمال جو رسل" رئيس الوزراء في مثل هذا اليوم 17 سبتمبر 1961.
تحركت القوى المعادية للإسلام بالداخل وبالخارج ضد "مندريس"، فبدأ حزب الشعب الجمهوري يصنع له الاضطرابات والقلاقل، وفي عام ١٩٦٠ جمّد الجنرال "جمال جو رسل" قائد الانقلاب العسكري حزب مندريس وقبض عليه وحكم عليه بالإعدام شنقا بتهمة الحج سرا، ورفع الأذان بالعربية وتحويل تركيا من العلمانية إلى الإسلام ومحاولة إعادة الخلافة.
الصحفي اليهودي التركي سامي كوهين قال شاهدا: "لقد كان السبب المباشر الذي قاد مندريس إلى حبل المشنقة، سياسته التي سمحت بالتقارب مع العالم الإسلامي، والجفاء والفتور التدريجي في علاقة تركيا مع "المحتل الصهيوني"، والحقيقة ما قتلوه إلا لأنه أعاد الإسلام إلى تركيا.
وتولى "عدنان مندريس" رئاسة الوزراء في تركيا بعد أن خاص الانتخابات مرشحًا للحزب الديمقراطي عام ١٩٥٠، ببرنامج غير مألوف بعد أن أطاح مصطفى كمال بالإسلام من تركيا والعالم الإسلامي، توقعت له كل المواقع الاستخبارية الأمريكية وقتئذ الفشل الذريع.
ولكن البرنامج الذي يتضمن عودة الأذان باللغة العربية، والسماح للأتراك بالحج، وإعادة إنشاء وتدريس الدين بالمدارس، وإلغاء تدخل الدولة في لباس المرأة، إعطاء الحرية للناس في ممارسة الشعائر و الإعتقادات كان الأنجح.
فكانت المفاجأة المدوية للغرب والتي هزت كل تركيا، الفوز الساحق للحزب الديمقراطي بفارق كبير عن منافسه حيث حصل على ٣١٨ مقعدا، بينما حصل حزب أتاتورك –بعد وفاته- على ٣٢ مقعدا فقط، وتسلم عدنان مندريس مقاليد الحكم رئيسًا للوزراء، وجلال بايار "رئيس الحزب" رئيسًا للجمهورية، وشرع لتوه ينفد وعوده التي أعلن عنها للشعب أثناء العملية الإنتخابية.
فاستجاب مندريس لمطالب الشعب فعقد أول جلسة لمجلس الوزراء في غرة رمضان، وقدم للشعب هدية الشهر الكريم: "الأذان بالعربية، وحرية اللباس، وحرية تدريس الدين، و بدأ بتعمير المساجد".
وفي انتخابات عام ١٩٥٤، اكتسح "مندريس"، وفاز بنتيجة أكبر من السابقة، و وهبط أعداد نواب حزب أتاتورك إلى 24 نائبًا، وواصل مندريس وعوده التي أعلنها في برنامجه، فسمح بتعليم اللغة العربية، وقراءة القرآن الكريم وتدريسه في جميع المدارس حتى الثانوية، وأنشأ ١٠ آلاف مسجد، وفتح 25 ألف مدرسة لتحفيظ القرآن، وأنشأ ٢٢ معهدًا في الأناضول لتخريج الوعاظ والخطباء وأساتذة الدين، وسمح بإصدار المجلات والكتب التي تدعو إلى التمسك بالإسلام والسير على هديه، وأخلى المساجد التي كانت الحكومة السابقة تستعملها مخازن للحبوب وأعادها لتكون أماكن للعبادة، وتقارب مندريس مع العرب ضد الصهاينة، وفرض الرقابة على الأدوية والبضائع التي تصنع في المحتل الصهيوني، وطرد السفير الصهيوني عام ١٩٥٦.
قول مايلز كوبلند في كتابه لعبة الأمم "لقد أخذ عبد الناصر في لعبتنا أكثر من تسعين في المائة، وهو أكثر جواد ربحنا فيه في الميدان: أن يضرب الحركة الإسلامية، وألا يحكم بالكتاب والسنة في أمور الدولة، وأن يفرغ الأزهر من محتواه، وأن يحفظ سلامة إسرائيل، وأن لا يمس حدودها".
وأضافت "ضربت الحركة الإسلامية سنة (1949م) لتقوم دولة إسرائيل، وضربت الحركة الإسلامية سنة (1955م) لتتقدم إسرائيل وتستولي على قناة السويس، وأعدم سيد قطب وأصحابه سنة (1966م) لتتقدم إسرائيل سنة (1967م)".