م / أشرف فريد - خبير التنمية البشرية وتطوير الذات
ارسم ابتسامة
أى ابتسامة مشرقة كانت ترتسم على محيى النبى الرحييم ؟! ..
أى بشر وأى سرور كان يفيض من قلبه على البشر كل البشر ؟!..
تلك الابتسامة التى جعلت جرير بن عبد الله البجلى
ينتبه لها ويتذكرها ويكتفى بها هدية من الرسول العظيم فيقول :-
(( ما رآ نى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسم فى وجهى ))
فهذه الابتسامة المشرقة
التى يشرق بها وجه النبى أجل عند جرير من كل الذكريات وأسمى من كل الأمنيات ..
كانت تعلو محياه تلك الابتسامة المشرقة المعبرة
فإذا قابل بها الناس أسر قلوبهم ومالت إليه نفوسهم وتهافتت عليه أرواحهم
يصف الأديب الأريب الدكتور عائض القرنى ابتسامة النبى فيقول :-
(( يبتسم عن مثل البدر فى وجه أبهى من الشمس وجبين أزهى من البدر وفم أطهر من الأقحوان وخلق أندى من الرياض وود أرق من النسيم
يمزح ولا يقول إلا حقاً فيكون مزحه على أرواح أصحابه أهنى من قطرات الماء على كبد الصادى وألطف من يد الوالد الحانى على رأس ابنه الوديع
يمازحهم فتنشط أرواحهم وتنشرح صدورهم وتنطلق أسارير وجوههم
فلا والله مايريدون الدنيا كلها فى جلسة واحدة من جلاته
ولا والله لا يرغبون فى القناطير المقنطرة من الذهب والفضة فى كلمة حانية وادعة مشرقة من كلماته ))
وها هو عبدالله بن الحارث يصف لنا قدوتنا فيقول :-
“ما رأيتُ أحداً أكثر تبسمًا من الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُحَدِّث حديثاً إلا تبَسَّم وكان مِن أضحك الناس وأطيَبَهم نَفسًا”.
فلماذا العبوس يا داعية الإسلام ؟؟
أتحمل هما أكبر من هم رسول الله ؟؟
ابسط وجهك وتذكر قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
( أنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق )
رواه مسلم
وقال الحبيب صلى الله عليه وسلم
( لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق )
رواه الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان
وهكذا كان الصحابة رضى الله عنهم فقد قيل لعمر رضى الله عنه هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكون ؟
قال : نعم والإيمان والله اثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي .
لا يكفي المال وحدة لتأليف القلوب ولا تكفي التنظيمات الاقتصادية والأوضاع المادية ، لابد أن يشملها ويغلفها ذلك الروح الشفيف ، المستمد من روح الله ، ألا وهو الحب ، الحب الذي يطلق البسمة من القلوب فينشرح لها الصدر وتنفرج القسمات فيلقي الإنسان أخاه بوجه طليق
يقول ابن القيم في أهمية البشاشة :
( إن الناس ينفرون من الكثيف ولو بلغ في الدين ما بلغ ، ولله ما يجلب اللطف والظرف من القلوب فليس الثقلاء بخواص الأولياء ، وما ثقل أحد على قلوب الصادقين المخلصين إلا من آفة هناك ، وإلا فهذه الطريق تكسو العبد حلاوة ولطافة وظرفا ، فترى الصادق فيها من أحبى الناس وألطفهم وقد زالت عنه ثقالة النفس وكدورة الطبع )
ويقول الإمام ابن عيينه :
( والبشاشة مصيدة المودة ، والبر شيء هين : وجه طليق وكلام لين )
ونحن نسأل؟
كم هو الجهد الذي تبذله والتعب الذي تعانيه لكي تبتسم في وجه أخيك؟!
لا تكلفك الابتسامة مالاً تخرجه من جيبك، ولا وقتاً تضيعه من وقتك،
ولا جهداً ترهق به بدنك.. ابتسامة كما يقال:
لا تكلف شيئاً، ومع ذلك بعض الناس يبخلوا بها، فمن بخل بما لا خسران عليه فيه فهو أشد الناس بخلاً ولا شك، ولذلك يقول بعض الذين كتبوا في ‘علم النفس والمعاملات الإنسانية’: إن الابتسامة لا تكلف شيئاً،
ولكنها تعود بالخير الكثير، إنها تغني أولئك الذين يأخذون، ولا تفقر أولئك الذين يمنحون’. فإذا لم يكن عندك مال تعطيه فأعط من بشاشة وجهك،
فهذا الذي ينبغي أن يكون من الإنسان لأخيه المسلم.
فالابتسامة مفتاح كل خير ومغلاق كل شر
لها مفعولها السحرى وأثرها العجيب
ولا يمكن أن يتجاهل الابتسامة من يرغب فى كسب محبة الآخرين والتأثير عليهم وفتح مغاليق قلوبهم
يقول الصينيون فى حكمة يرددونها :-
(( إن الرجل الذى لا يعرف كيف يبتسم لا ينبغى له أن يفتح متجراً ))
((إن الداعية الذى لا يعرف كيف يبتسم لا ينبغى له أن يمارس الدعوة قبل أن يتعلم فن الابتسامة ))
وفى كتابه الرائع فيض الخاطر يقول أحمد أمين :-
(( ليس المبتسمون للحياة أسعد حالاً لأنفسهم فقط بل هم كذلك أقدر على العمل وأكثر احتمالاً للمسئولية وأصلح لمواجهة الشدائد ومعالجة الصعاب والإتيان بعظائم الأمور التى تنفعهم ونفع الناس
لو خيرت بين مال كثير أو منصب خطير وبين نفس راضية باسمة لاخترت الثانية فما المال مع العبوس ؟! وما المنصب مع انقباض النفس؟!
وما كل ما فى الحيا إذا كان صاحبه ضيقاً حرجاً كأنه عائد من جنازة حبيب ؟!
وما جمال الزوجة إذا عبست وقلبت بيتها جحيما ؟!
لخير منه –ألف مرة- زوجة لم تبلغ مبلغها فى الجمال وجعلت بيتها جنة
النفس الباسمة ترى الصعاب فيلذها التغلب عليها تنظرها فتبسم وتعالجها فتبسم وتتغلب عليها فتبسم
والنفس العابسة لا ترى صعابا فتخلفها وإذا رأتها أكبرتها واستصغرت همتها بجانبها فهربت منها وقبعت فى جحرها تسب الدهر والزمان والمكان وتعللت بلو وإذا وإن
وما الدهر الذى لعنه إلا مزاجه وتربيته إنه يود النجاح فى الحياة ولا يريد أن يدفع ثمنه
غنه يرى فى كل طريق أسداً رابضاً
إنه ينتظر حتى تمطر السماء ذهباً أو تنشق الأرض عن كنز
ليس يعبَس النفس والوجه كاليأس
فإذا أردت الابتسام فحارب اليأس
إن الفرصة سانحة لك وللناس والنجاح مفتوح بابه لك وللناس
فعود عقلك تفتح الأمل وتوقع الخير فى المستقبل ))
فما أحوجنا إلى البسمة وطلاقة الوجه وانشراح الصدر ولطف الروح ولين الجانب
ولنا فى حبيبنا قدوة فلنسر على خطاه ..
إن انقباض الوجه والعبوس والاشمئزاز والتذمر ومرادفات هذه الكلمات مصطلحات نحذرك وننصحك بمحوها من قاموس حياتك
طلب عمال إحدى المحلات التجارية الكبرى فى باريس رفع أجورهم فرفض ذلك صاحب العمل فما كان من عماله إلا أن اتفقوا أن لا يبتسموا للزبائن كرد فعل على صاحب المحل
فكانت النتيجة أن انخفض دخل المحل فى الأسبوع الأول حوالى 60% عن متوسك دخله فى الأسابيع السابقة
فانظر أثر عبوس الوجه
وصدق الله العظيم الخبيربالنفوس حين قال
(( ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ))
وما أجمل أن نختم ونحن ندندن بهذه القطعة من الفلسفة الشعبية عن الابتسامة والتى أوردها ديل كارنيجى فى كتابه
الابتسامة .
إنها لا تكلف شيئاً ولكنها تعود بالخير الكثير
إنها تغنى أولئك الذين يأخذون ولا تفقر أولئك الذين يمنحون !
إنها لا تستغرق أكثر من لمح البصر لكن ذكراها تبقى إلى آخر العمر !
لن تجد أحد من الغنى بحيث يستغنى عنها ولا من الفقر فى شىء وهو يملك ناصيتها ؟
إنها تشيع السعادة فى البيت وطيب الذكر فى العمل
وهى التوقيع على ميثاق المحبة بين الأصدقاء
إنها الراحة للتعب وشعاع الأمل للبائس وأجمل العزاء للمحزون
وبرغم ذلك فهى لا تشترى ولا تستجدى ولا تقترض ولا تسلب !
إنها شىء ما يكاد يؤتى ثمرته المباركة حتى يتطاير شعاعا !
فإذا ما أتاك رجالنا ليبيعوك ما تحتاج إليه وألفيتهم من التعب والإرهق بحيث عز عليهم الابتسام
فكن أخا كرم وامنحهم ابتسامة من عندك ..
فوالله إن أحوج الناس إلى الابتسامة هو الذى لم يبق له شىء من الابتسام ليهبه !
هيا يا داعية الإسلام وياصانع الحياة
يا من تريد أن تمتلك مفاتيح القلوب لتغرس فيها الخير والإيمان
لترتسم على وجهك ابتسامة مشرقة ابتسامة حقيقية تنبع من أعماق قلبك
ذلك القلب الذى امتلأ بحب الناس ففاض بشرا وسرورا
ورسم على الوجه ابتسامة
ارسم ابتسامة ..