كتب : د/ ياسر حمدى  - استاذ الدرسات الإنسانية 

لقد كانت الهجرة مليئة بالجهاد والتضحية في سبيل الله، وكيف لا، وقد كان منهم ترك داره وماله كصهيب، فلما وصل المدينة استقبله الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: “ربح صهيب، ربح صهيب . 

كما كان منهم من فرقت الهجرة بين وبين زوجه وولده كأبي سلمة، وظلت زوجه لمدة عام تبكي حتى جمع الله شملهم بعد عام . 

نعم لقد كانت الهجرة مرحلة جديدة من الجهاد والتضحية في سبيل الله، وكان لهم من الأجر عند الله بقدر ما كانوا عليه من إخلاص النية: “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه” . 

المرأة المسلمة ودورها العظيم في صنع التاريخ: 
كان للمرأة في هذا الحدث العظيم دور كبير ومهمة عظيمة، حيث كان لها دور في التمهيد للهجرة، فكانت ممن بايع على النصرة والدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم وقد وفت بيعتها، وما خبر نسيبة بنت كعب عنا ببعيد. . كما وقفت على سر الهجرة، وشاركت في الإعداد لها. 
فحين أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخبر أبا بكر رضى الله عنه بأمر الهجرة قال له: أخرج عنا هاتين، فإذا أبو بكر يقول: إنما هما ابنتاي، وكأن أبا بكر بذلك يقول: لا تخف منهما، فلديهما من الشجاعة والكتمان والفطنة ما لا يدع لهذه المخاوف مكان. 

وصدق أبو بكر رضى الله عنه حيث أتى أبو جهل لأسماء ؛ ليعرف مكان المهاجرين فأنكرت، وتأبت عليه، مما أغضبه، ودفعه إلى أن يلطمها، فتتحمل ولم تضعف. 

ولما جاء جدها ليطمئن عليهم، تحايلت عليه، ووضعت حجارة، وغطتها، وقالت له: لقد ترك لنا أبونا مالا كثيرا، وامسكت بيده – وكان كفيفا – ووضعتها على هذه الحجارة، ولما جهزت الزاد لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيها، ولم تجد ما تعلق به السفرة، شقت نطاقها، فربطت بنصف، وانتطقت بالآخر، فسميت بذات النطاقين .

ولعل في ذلك حجة دامغة على الذين يقولون: إن الإسلام أهمل المرأة، أو انتقصها حقها، أو حرمها من المشاركة في صنع التاريخ. . . 
إن على المسلمة أن تلم بتاريخ المسلمات الأوائل، وأن تسير على دربهن، وأن تكون على مستوى الحدث الذي تعيش فيه في ظل النظام العالمي الجديد، وتقف على ما يحاك حولها من مؤامرات، وينسج لها من شباك لصيدها، والإلقاء بها في حمأة الحضارة، التي لم تبق للمرأة شيئا عزيزا إلا وسلبته، ولم تترك دنية ومهانة إلا وأردتها فيها. 

إنها بذلك يتسنى لها أن تشارك في صنع التاريخ، كما شاركت أسماء ونسيبة وأم سلمة، وأم حرام، ومن قبلهن أم المؤمنين خديجة، وغيرهن كثير – رضي الله عنهن أجمعين. 

 ليس في الإسلام استحلال لأموال غير المسلمين ولا دماءهم: 
إن في أمر النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضى الله عنه أن ينام مكانه في ليلة الهجرة، وأن يمكث بمكة، حتى يرد الودائع التي كانت لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم دليل دامغ لهؤلاء الذين يستحلون أموال غير المسلمين، بل وأموال المسلمين الذين يخالفونهم الرأي، ويفعلون ذلك باسم الإسلام، ولو كان ذلك جائزا في الإسلام لجاز لرسول الله صلى الله عليه وسلم التي أهدرت قريش دمه ودفعوه لأن يترك وطنه وداره. 
لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يحفظ عليهم أموالهم ويعمل على رد الأمانات إلى إهلها، وليس ذلك خاصا بالرسول صلى الله عليه وسلم ولا بالمسلمين، ولكنه حكم الإسلام العام الذي يأمر به الله في قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل.. . 
وعن يوسف بن ماهك المكي  قال: كنت أكتب لفلان نفقةَ أيتام كان وليهم، فغالطوه بألف درهم فأدّاها إليهم، فأدركت لهم من مالهم مِثليها، قال: قلت: أقبض الألف الذي ذهبوا به منك ؟ قال: لا؛حدثني أبي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك” .
ويروى أن أبا العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم من الشام، ومعه أموال المشركين، فقيل له: هل لك أن تسلم، وتأخد هذه الأموال، فإنها أموال المشركين؟ فقال أبو العاص: بئسما أبدأ به إسلامي أأخون أمانتي” ثم حملها وردها عليهم، ثم قال: يا معشر قريش، هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه. قالوا: لا فجزاك الله خيرا، فقد وجدناك، وفيا كريما. قال: فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، والله ما منعني من الإسلام عنده إلا تخوفي أن تظنوا أني أردت أن آكل أموالكم، فلما أداها الله إليكم، وفرغت منها أسلمت . 
وهكذا نرى عظمة الإسلام في حفظه لحقوق غير المسلمين، وصيانته لحرماتهم وأموالهم وأعراضهم، وليس فيه استباحة ولا استحلال لمال إنسان أو حرماته، أو دمه، طالما أنه في ذمة الإسلام، وكنف دولته. . . 
عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما ” .