بقلم الأستاذ :عمر التلمساني - رحمه الله
مركز الدراسات التاريخية
قد يكون النقد خاصا، يتتبع عورات شخص ما في حياته الخاصة، وهذا منهي عنه شرعا، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما معناه: من يتتبع عورات امرئ، تتبع الله عوراته ليفضحه في عقر داره، والمسلم لا يتجسس على الناس فيما يستخفون، فحسابهم على الله، ولكن من جهر بمعصية فعلى ولى الأمر أن يأخذه، حدا أو تعزيرا.
وقد يكون النقد عاما، وهذا مقصود به من يتولى أمور المسلمين في أية ناحية من النواحي اقتصادية كانت أو سياسية أو غيرها، وهنا يجب على كل فرد من أفراد الأمة أن ينصح للمسئول بما يراه من خطأ لابد من تصحيحه أو من اقتراح يرى العمل به، لصالح المسلمين.. وهنا أيضًا يجب على الراعي أن يتسع صدره لكل ما يوجه إليه من نقد ونصح، ولا يصح أن تأخذه عزة السلطان، بالمضي في الخطى تعاليا على النصح.
بهذا التكامل بين الراعي والراعية تستقيم شئون الأمم، ويصلح حال الشعوب، وتمضى الدول إلى تحقيق آمالها موفقة مسدودة.
ولا يغرب عن البال أن النقد أو المعارضة له دوافع، فقد يكون تشهيرا، وقد يكون نكاية، وقد يكون إحراجا أو تظاهرا بالغيرة الدعاة، وكل هذه الدوافع لا يقرهاالإسلام ولا يرضاها .
لان الله سبحانه وتعالى يحاسب على النوايا قبل أن يحاسب على الأعمال، فما أريد به وجه الله، فهو متقبل، وما كان يراد به الناس والدنيا فهو مرفوض .
من هذه المنابع كلها جاءت معارضتنا ضد وثيقتي كامب ديفيد، لقد كانت العزة من المعترضين، وستظل على معارضتها، لا عنادا، ولا حبا في التماس الخطى، ولكن لأن واجبها الذي عاهدت الله عليه يلزمها أن تقول ما تعتقد بصوابه، أيا كان نوع العمل، وأيا كان موقع القائم به.
(الدعوة) يوم أن اعترضت كانت أمامها الحقائق الآتية:
- أولاً: إن اليهود لن يتخلوا عن عقيدتهم في أنهم شعب الله المختار، وهذه العقيدة بالغة الخطر على المسلمين خاصة وهم في هذه الظروف، فهي تدفع اليهود إلى السيطرة الشاملة على المنطقة لتتم لهم صورة شعب الله المختار.
- ثانيا: إن لدى اليهود من المكر والدهاء، ما يستعينون به على الوصول إلى تحقيق أغراضهم في جو من الهدوء والاستقرار، ساعين إلى توفير الملابسات التي تمكنهم من تحقيق محطاتهم وقد أعلنوها، في مظاهر من التمويه والتضليل تجوز على الكثيرين، فلا تصبح المنطقة ومن فيها إلا وكلمة اليهود هي الكلمة العليا النافذة، بعد أن جرد المسلمون من كل عوامل الحذر والاحتراس، بعد أن جردوا من الأرض والديار .
- ثالثا: إن السيطرة المالية اليهودية التي سخرت أمريكا وغيرها، لتحقيق أطماع اليهود هي نفسها ستمكن لهم في الشرق العربي الإسلامي على صورة لم تتوافر لها في أي مكان حتى الآن، ومن هنا يأتي الإصرار اليهودي على هدم الجدران، وفتح الأبواب، والتخطيط للمجموعة الشرق أوسطية تحت قيادة يهودية، وإسرائيل سنة 2000، والتخطيط لمشروعات مشتركة، وأيضا لاستغلال المال العربي والبترول العربي.
اليهود.. والعهود:
- رابعا: إن النكث بالعهد الذي اتسم به الخلق اليهودي والذي قرره القران يجل ما تخطط له الآن قائما على أسس من وهم أو هباء، فلن يكون لأي اتفاق قيمة اكبر من قيمة الورق الذي سطر عليه، أو الحبر الذي كتب به، ولن يكون سوى حبر على ورق أو ورق عليه حبر.. خاصة وما اتفق عليه يكفل لليهود من أسباب المد والتغلغل وتحقيق الأهداف، إضعاف ما يكفل للعرب من ضمانات أمن أو استقرار كيان.
العدو لا يطمع في أكثر من شعورنا باليأس ونزولنا على الأمر الواقع:
- خامسا: إن التاريخ المغتصب في المنطقة سيظل يحمل له صفة الاغتصاب مهما طال الزمن ما دام صاحب الحق لا يقر للمغتصب بشرعية ما اغتصبه أو استولى عليه، وهذا الموقف يكلف المغتصب كثيرا من التكاليف التي لابد أن تغيظه، لأنه سيظل مشغول الفكر باستنباط الوسائل التي تمكنه من استبقاء ما اغتصبه تحت يده، وحرمان صاحبه المتربص منه، أم الاعتراف بشرعية الاغتصاب والرضا طواعية، فانه يخفف العبء على المعتصب، ويطمكعه في المزيد من الاغتصاب، وإذا كان العجز عن رد الاغتصاب مرا، فاشد منه مرارة أن يقبله المقهور .
عقيدة ترفض التفريط:
- سادسا: إن العقيدة الإسلامية الضاربة الجذور مناعة وآباء في أعماق القلوب، يجب استغلالها وتغذيتها والمحافظة عليها وتغذيتها والمحافظة عليها وتزكيتها، بالعلم النافع والقدوة الطيبة، والتربية الصحيحة، وما كالعلم يبنى ويقيم، وما كالقدوة الصالحة تصلح وتعين، وما أظن حاكما مخلصا إلا وهو يتمنى أن يحكم شعبا أبيا، يقف صلبا عند النازلات .
- سابعا: في ظل أوضاع زالت فيها الجدران وفتحت فيها الأبواب، ستحالك المؤتمرات والانقلابات من اليهود ولكل حاكم يستعصى عليهم، وربما عن طريق أبناء الأمة الإسلامية نفسها، وقد يجدون طلبتهم في بعض فاسدي العقيدة، ونهازي الفرص، ولكن في ظل أوضاع لا يغيب فيها الحق الضائع عن الأذهان، ولا تغفل فيها العيون عن الخطر الداهم، إذا أصلح الحكام ما بينهم وبين ربهم، ثم ما بينهم وبين شعوبهم، فستكون فرص الأعداء واهية والسبل أمامهم عسيرة.
- ثامنا: إن التاريخ سيسجل على هذا الجيل، حكاما، ومحكومين، من أعطى منهم الدنية في دينه، ورضي الذلة لنفسه، طلبا للقمة العيش ورب عيش خير منه الحمام.
في التاريخ دروس وعبرة:
- تاسعا: لقد غزيت مصر أكثر من مرة، وردت مصر الغزاة، ولم تتبدل مصر ولم تتنكر لرسالتها أو كرامتها، وجاء الإسلام فأوقد في القلوب مشاعل الحمية وبث في القلوب جذور العزة، وعلى مدى القرون لم تتنكر مصر لدينها، ولم تتخل عن دورها، ولم تعزل نفسها، بل ظلت وستظل الشوكة المؤرقة في حلقوم كل من يقدم على غزوها أو اهتضام حقوقها أو حقوق أبناء جلدتها وعقيدتها .
- عاشرا: إن المسلم عراقة، وطيب أرومة، وإخلاصا للعقيدة، فليترك المسئولون كل مظاهر البذخ، التي لا تتفق وحالتنا المالية، فليتركوا القصور المشيدة، إلى المسكن البسيط، والملبس الناعم إلى الملبس الخشن، والسيارات الفاخرة إلى المراكب البسيطة، وإنفاق الملايين على الحفلات والاسيتقبلات، إلى ابسط مظهر وأضيق تصرف..
- وليتقاسم المسئولون وشعوبهم كل أنواع المعاناة .. ولو حدث هذا ونفذ، فآثاره مؤكدة النتائج، بالغة النجاح، ولسنا اقل ممن دمرت دولهم في الحرب تدميرا كاملا، ولكنهم عادوا فشيدوها وبنوا الصرح من جديد.. في اقل مما كان يتصوره أي إنسان.
- ولو اتخذنا الجد ملبسا، والدأب مركبا، والرجولة سلاحا، والعقيدة درعا، فلابد ان نحقق اكثر مما حققه غيرنا ممن أصابهم أكثر مما أصابنا .. ونصل إلى ما وصل إليه السلف السابقون بإذن الله .
- حادي عشر: لن نيأس بسبب ما نحن فيه من ضعف، وما عليه خصومنا من قوة، فأعداء الإسلام لا يتمنونا أكثر من أن يستقر هذا المعنى، معنى اليأس من اللحاق بهم أو التفوق عليهم، لا يطمعون في أكثر من أن يكون هذا منتهى ما وصل إليه حال المسلمين .. فلابد وأن نستسهل الصعب، ونعلق المر، فما تحققت الآمال إلا للصابرين.
- ثاني عشر: وقد لا يتركنا أعداؤنا نعيد بناء أنفسنا، معتمدين على ضعفنا وقوتهم، وقد يطول بنا الأمد .. ولكن، ما علينا في ذلك، أنهم يكيدون كيدا، والله يكيد كيدا، ويمهل الباغين رويدا .. وان العاقبة للمؤمنين الصادقين الصابرين، وقد أثبت التاريخ أن الأيام دول والأحوال غير، ولم تدم دولة على حالها.
الموارد وفيرة:
- ثالث عشر: إن لدينا الموارد.. وفيرة العطاء.. من زرع ومعادن، وعندنا القوة البشرية التي تتزايد، والأمر جد وما هو بالهزل، ولكنه موقف فصل، فإما إلى حياة كريمة، وإما إلى ذلة لا كرامة بعدها.
- رابع عشر: ونحن لا نقول من وهم، ولا نعيش في خيال، ولا عشنا يوما تداعب خيالنا الأحلام.. ولكن نعبر عن عقيدة، ونعيش في واقع نلمسه بالأجساد والأذهان.. وإنه ليوم رائع له جلاله وآثاره يوم أن ينام المسلمون ويصحوا على هذا العزم، وهذا التصميم، وهذا التحمل وهذا الإيمان.. وقد يكون جيل اليوم غير مهيأ لكل هذه الأعباء، ولكن على النشء الصاعد، والشباب المتفتح، أن يرسخوا الإسلام في القلوب لتحقيق أفضل النتائج، وأطيب الثمرات.
- خامس عشر: وقد يرضى بعض الناس أو أكثرهم، بما وصل إليه الحال، طلبا للسلامة، ورغبة عن إسالة الدماء، وحرصا على الراحة المأمولة إلى حين، ولكن كل مسلم يؤمن حق الإيمان بربه، سيظل منكرا للتعاهد مع اليهود، وإعطائهم حق التعامل السياسي والاقتصادي والثقافي معنا، لأنهم معتدون، وتغصبون، معتمدون على قوة من يعينهم على البغي والعدوان، وما في مثل هذه الأحوال تكون المعاهدات.
- إن القوة لا تقهر أبيا، إن الضغط لا يقهر شريفا، وان التعالي لا يستنيم كريما، وللقوة أن تفعل ما تشاء ببطشها وطغيانها، فكله مردود عليها يوما، اما الرضا بهذا المصير، إما النزول عنده طائعين، إما عدم إنكاره اتقاء المحن فلا ولن يكون.. إننا نعذر إلى الله ونرضى بقضائه.
من أجل هذا نعارض:
- سادس عشر: إننا نعود فنقول: إننا لا نعارض وننكر لمجرد المعارضة والإنكار، ولكننا ننصح بصدق وإخلاص، وان خالطت الصدق مرارة .. ثم بعد هذا كله نحن أول من يطبق رأي المسئولون الأخذ بهذا النصح، فسيجدوننا المجاهدين بأموالهم وأهليهم وأنفسهم، يطيرون إلى مواقف الروع هاشين، يستروحون نسائم الجنة لا من وراء الضفة الغربية وسيناء والجولان .. ولكن من وراء اقتلاع المعتدين من ارض المسلمين .. ليعيشوا فيها كما تعيش أي أقلية مع أي أكثرية في أي دولة.. وإلا فلا سلام ولا وئام.. ولكن جهاد وخصام إلى يوم الزحام، ﴿وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ * بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ (البروج:20- 22)
- إننا على قدم محمد علية الصلاة والسلام يوم أن قال ربه: فلذلك فادع واستقم كما أمرت، ولا تتبع أهوائهم، وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب، وأمرت لأعدل بينكم، الله ربنا وربكم، لنا أعمالنا ولكم إعمالكم، لا حجة بيننا وبينكم، الله يجمع بيننا واليه المصير .
- فإن استمع القوم فقد سلكوا الطريق الصواب، وان لازموا غرورهم واستباحوا حمى المسلمين، فليس لنا معهم إلا قول الله تبارك وتعالى: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ﴾ (الأنبياء: 19).صدق الله العظيم.