بقلم : د.سيد فضالي 

 

رغم غياب أو تغييب الديمقراطية في أغلب الدول العربية والإسلامية- في ظل خضوعها لنظم حكم دكتاتورية- يحلو للبعض أن يتهم الإخوان المسلمين أنهم ضد الديمقراطية، وأنهم لا يمارسونها في أعمالهم وأنشطتهم وداخل جماعتهم، كما يحلو لفريق من كتبة السلاطين وغيرهم من أصحاب الآراء الرافضة لتحكيم شرع الله- جهلاً أو خوفًا أو حمقًا- أن يزعم أن الإخوان يشكلون خطرًا على الديمقراطية، وأنهم إذا وصلوا إلى السلطة في ظلها فسيكون أول عمل لهم هو إلغاءالديمقراطية.

وكلها مزاعم تدعو إلى السخرية؛ لأنها تُجانب الحقائق والوقائع، وتجافي الواقع الذي صودرت فيه الحريات تمامًا لعقود ربما زادت على الخمسين سنة في بعض الدول العربية، صودرت فيها حقوق الإنسان كافةً، وانتهكت فيها حرماته وآدميته، وغُيب الإخوان في أقطار عربية عشرين عامًا في السجون، وربما مثلها في المعتقلات، ومن ثمَّ خلَت الساحة للدكتاتوريات، فلا مشاركة في انتخابات، ولا وجود للديمقراطية أصلاً إذْ تمَّت مصادرتها، إلا أن هناكَ أربعَ حقائق لا يستطيع المروِّجون للمزاعم والادعاءات الكاذبة أن ينكروها:

الحقيقة الأولى:

أن الساحة في أكثر أقطار العرب والمسلمين قد أفسحت منذ الاستقلال- بل وقبله- وحتى اليوم للتوجهات العلمانية ودعاة التغريب، فتولَّوا السلطة والحكم، ونَحّوا كل ما هو إسلامي في التعليم والإعلام والثقافة، ثم بدأت الدكتاتوريات العسكرية وغير العسكرية تتربَّع على مقاعد السلطة؛ لتؤكد التوجُّه العلماني، وتصبّ القهر والتنكيل على دعاة الإسلام، الأمر الذي يعني أنه لم يكن ثمَّةَ منافسةٌ في السلطة أو مزاحمة على مقاعد الحكم، أو تهديد للدكتاتوريات يمكن أن يُتَّخذ حجة أو ذريعة لتغييب الديمقراطيات والقضاء على الحريات وانتهاك كافة حقوق الإنسان، وتهميش الشعوب والتذرُّع بحجة مزعومة تقول إن الإخوان يهددونها، ومن ثمَّ فقد تم حجبها ومصادرتها!!.

الحقيقة الثانية:

أنه مع انفراد الدكتاتوريات بالسلطة، وإعلانها الحرب على الإسلام ودعاته، وقهرها للإنسان العربي والمسلم وتحطيم وجوده وفكره ومصادرة رأيه وحريته، وإغلاق النوافذ والأبواب في وجْه الإبداع والابتكار... حلَّت بالعالم العربي والإسلامي أقسى الكوارث وأسوأ الهزائم، كما حلَّ التأخر وسادت الفرقة والتشرذم، وتمَّ تغييب الشعوب أو تهميشها.
حلت هزيمة 1967م، وعُقدت المعاهدات مع الكيان الصهيوني، وانتشرت شعارات (السلام خيار إستراتيجي لا رجعة عنه)، وأسفر الكيان الصهيوني عن أطماعه التوسعية، وصار يعلن في سفور أنه ماضٍ في طريق التوسع حتى يصل إلى الفرات والنيل، وواصل إشهار السلاح في وجه العرب، كما أبانت أمريكا عن وجهها الاستعماري، وأسفرت في الإعلان عن سياستها في السيطرة على العالم؛ مما يحتم عليها ابتلاع عالم العرب والمسلمين وثرواته، والسيطرة على مواقعه وطرقه ومواصلاته، وإحكام القضية حول بحار بتروله، وحلَّت نكبة بأفغانستان ثم بالعراق، وليعلن الأمريكيون أن ما يجري في العراق إنما هو النموذج الذي سيسود المنطقة، الأمر الذي يعني أنه في غياب أو تغييب الحريات ومصادرتها- مع تهميش الشعوب وقهرها، ومع ملاحقة الإخوان المسلمين وتغييبهم في السجون والمعتقلات- كان الجو مهيئًا لاجتياح الأجنبي للساحة، فحلت النكبات والكوارث- التي مازالت ثمرة من ثمار الدكتاتوريات-، وغابت الحريات وصودرت الديمقراطيات، وغاب الأحرار الشرفاء في السجن، وتسلطت وسائل التعذيب والقهر لسلخ ظهورهم، مع تسخير وسائل وإمبراطوريات الإعلام لتشويه صورتهم.

أما الحقيقة الثالثة:

فهي أن الإخوان أعلنوا التزامهم بالإسلام عقيدةً وشريعةً ونظام حياة، وأكدوا الالتزام بالقول والفعل، كما سجَّلوا في كافة أدبياتهم مفهومهم وإيمانهم بالحرية فريضةً من فرائض الإسلام، وحقًا فطريًّا منحه الله عبادَه كافَّة، لا تجوز مصادرته أو الافتئات عليه أو الانتقاص منه، كما لا يجوز السكوت أو الرضا عن مصادرته أو التلاعب فيه، كما أكدوا من خلال مفهومهم للإسلام وإيمانهم بالحرية والأمن- حقًا لكل إنسان- أن الحرية تعني حرية الاعتقاد، والعبادة، والرأي، والعمل، والانتقال، والسفر، كما أكدوا على التعددية واحترام الرأي الآخر وتداول السلطة، وحرية الانتخابات ونزاهاتها، وحق الشعب من خلال الانتخابات النزيهة في اختيار ممثليه ومسئوليه، وحقِّه في المحاسبة والمراجعة والتقويم والمشاركة في القرار، وقبل ذلك كله اعتماد الحوار وسيلةً حضاريةً إسلاميةً للوصول إلى الحقِّ والحقيقة.
كما شارَكوا (في مصر مثلاً) في التنسيق مع الأحزاب الأخرى- وإن كانت جرت محاولات لإقصائهم من جهات محدودة الحجم والوزن ترفض وجود حزبللإخوان-، كما ترفض رفع القيود الجائرة التي تُصادر حقهم في العمل، في الوقت الذي أعلن الإخوان على لسان مسئولين بارزين أن من حق الأحزاب كافةً أن تسعى للوصول إلى السلطة، ولتطبيق برامجها من خلال انتخابات حرة نزيهة، وتعدُّدية حزبية، وتداولٍ للسلطة يؤكده الدستور والقانون، وأنهم يحترمون ويلتزمون رأي الشعب؛ لأنه وحده صاحب القرار في الانحياز لهذا الحزب أو رفضه لذاك.
وقد صدر منذ سنوات كُتيبٌ للإخوان المسلمين سجَّلوا فيه أنهم يرون أن الإصلاح السياسي هو المدخل الحقيقي والأساسي لكل أنواع الإصلاح الأخرى، ويتلخص هذا الإصلاح في ضرورة إجراء انتخابات حرة نزيهة تكفل لها ضمانات النزاهة والحيدة، وتشرف عليها السلطة القضائية إشرافًا تامًا وكاملاً، بدءًا من إعداد كشوف جديدة للناخبين، ومرورًا بتوقيع كل ناخب أمام اسمه في كشوف الإدلاء بالأصوات، وانتهاءً بفرز الأصوات وإعلان النتائج.
الجدير بالذكر أنه منذ سنوات نشرت إحدى المجلات التابعة للحكومة المصرية أوراقًا ذكرت أنها تخصُّ الإخوان المسلمين، حَوَت من بين ما حوت تسجيلاً لانتخابات جرت لاختيار مسئولين في الجماعة، وقد أبانت عن أسلوب ديمقراطي تمَّ اتِّباعه في إجراء هذه الانتخابات مع نزاهة وعدالة تامتين، الأمر الذي قال بخصوصه معلقون كثيرون: إن الإخوان يمارسون الديمقراطية في انتخاب مسئوليهم، بينما غابت أو غُيبت الديمقراطية في انتخابات الجِهات الحزبية الأخرى، ومنها حزب الحكومة.

الحقيقة الرابعة:

أن الحكومة- وحزبها ومعها- جهات علمانية، جاهلة بالإسلام أو خائفة من الإسلام أو معارضة لتحكيم شرع الله، فهم يأبَون الاحتكام إلى الشعب، رغم أنه صاحب ومصدر السلطة؛ خشية أن يجهر بالقول الفصل في شأن الإخوان المسلمين أو غيرهم -قبولاً أو رفضًا- عن طريق صناديق الانتخابات الحرة النزيهة!!، فهل هناك استهزاء بالديمقراطية واستخفاف بالعقول أكبر وأدهى من هذا؟! سؤال يوجَّه للجهات المذكورة، ليْتَها تلتزم الحقَّ والمِصداقية في الإجابة عنه!!.
 
المصدر : إخوان ويكي