مقدمة
عاشت القضية فلسطين فى ضمير الشعب الفلسطيني والعربى، وقد قاوم الشعب الفلسطيني المشروع الصهيونى التى تكاتف كثير من الدول الأجنبية على تحقيق الوطن القومى لليهود على أرض فلسطين .
حقيقة لقد بذل الشعب الفلسطينى كل ما يملك ، وضحى أعظم تضحية ، لكن المؤامرة كانت أخطر من شجاعته ، ولعل العجيب أن يشارك فيها حكام عرب ظهروا بين الجماهير العربية بمظهر المدافع عن القضية فى ذلك الوقت ثم تكشف الأحداث عن تآمر واضح مع العدو .
لك الله يا شعب فلسطين ،فليس غريبا أن تجد نفسك تواجه أعتى القوى فى ذلك الوقت الإنجليز واليهود ، لكن الأغرب أن تطعن بيد قادة عرب وثقت فيهم ، وظننت أن قضيتك فى يد أمينة تدافع بحق عنها ، وهى فى الحقيقة تبيع الأرض بأبخس الأثمان .
وكم من الأبطال بذلوا حياتهم فى سبيل تحرير فلسطين ! ومازال الأبطال الذين يدافعون عنها دوما .. وستظل فلسطين فى ذاكرة كل مسلم فى العالم يتمنى أن يجود بنفسه فى سبيلها ، ولما لا وفيها أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم .
ومن الرجال الذين لعبوا دورا نضاليا كبيراً على ساحة المشرق العربي في النصف الأول من القرن العشرين، وارتبط اسمه ارتباطا وثيقاً بالقضية الفلسطينية ، إنه المجاهد فوزي القاوقجي .
كان مثالاً للقائد المناضل المؤمن بوحدة أمته و حقها في الاستقلال و النهوض .
و كان يرى في الاجتياح الغربي خطرا ماحقاً على كل مكونات الدولة العثمانية لا يجوز تقديم أي خطر آخر عليه .
كما اعتبر المشرق العربي ساحته فلم يلتزم بحدود سايكس بيكو .
بل إنه شد الرحال إلى كل ساحة قتال دعاه الواجب لها ، فتارة تجده مناضلا ثائرا فى سوريا ثم تجده كذلك فى العراق ثم أخيرا فى فلسطين التى خاض على أرضها كثيرا من المعارك .
وقد عينته الجامعة العربية قائدا لجيش الإنقاذ فى فلسطين ، فأبلى أحسن البلاء .
عاش فوزي القاوقجي 87 سنة ميلادية قضى أكثر عمره فى ميدان الجهاد فى سوريا والعراق وفلسطين حتى إذا ما اتضحت لديه المؤامرة وتم تفاوض الدول العربية مع اليهود فى رودس سنة 1949 أعلن استقالته واعتزل حتى وفاته ، ولعل من المناسب أن نقدم تاريخه الجهادى فى مراحله المختلفة .
عصر فوزى القاوقجى
ارتبطت حياة فوزى القاوقجى فى النصف الأول من القرن العشرين بالدولة العثمانية وصراعاتها مع الإنجليز والفرنسيين ، وارتبطت كذلك بما يحدث فى سوريا والعراق والأردن والحجاز من أحداث خاصة ثورة الشريف حسين بمساعدة الإنجليز على الدولة العثمانية ، وكانت له مواقف من تلك الأحداث ، ومن أهمها :
الحجاز
نشبت الحرب العالمية الأولى سنة 1332هـ / 1914، ونمت روح النقمة على العثمانيين في بلاد الشام والعراق والحجاز، وانتهز البريطانيون الفرصة، بعد أن علموا بالتفاف العرب حول الشريف الحسين بن علي ، وهم في حرب مع دولة الدولة العثمانية والألمان، فاتصلوا بالشريف حسين ، وعرضوا عليه خدماته، فأعلن الثورة العربية الكبرى بالطائف في 9شعبان 1334هـ / 1916م، وتمكن أفراد القبائل الحجازية الذين انضموا إلى الحركة من تفجير خط سكة قطارات الحجاز بمساعدة ضابط المخابرات البريطاني لورنس ، وحاصر من كان في بلاد الحجاز من العثمانيين، وأمده حلفاءه الإنجليز بالمال والسلاح، ونُعِت َ بالملك المنقذ.
واشتد التوتر بينه وبين ابن سعود، فأقبلت جموع ابن سعود وجيوش حلفائه ، واستطاع الانتصارعلى جيش الشريف حسين الذى انتقل من مكة إلى جدة سنة 1343هـ / 1924م، ثم ركب مدرَّعة بريطانية ، وهو ساخط إلى جزيرة قبرص سنة 1925 م، وأقام فيها ست سنين، ثم إنه مرض فعادإلى عمّان بصحبة ولديه فيصل وعبد الله، وبقي في عمان حتى توفي ودفن في القدس.
أما ابن سعود ،فقد أعلن عن قيام المملكة العربية السعوديةعام 1932 م .
سوريا
بعث الشريف حسين ابنه فيصل إلى سورية ليقيم فيها دولة عربية هاشمية حديثة ، ودخلت قوات الجيش الحجازي إلى مدينة دمشق بصحبة الأمير فيصل بن الحسين في مطلع تشرين الأول /أكتوبر من عام 1918، وقد قوبل دخول فيصل إلى دمشق بحماسة كبيرة، واستقبل استقبالاً شعبياً وعسكرياً عظيماً، وأيدت جموع الشعب الثورة غافلة عن خطر الاحتلال البريطاني، واستجابت لأوامر القيادة العربية.
ولكن الإنجليز عمدوا إلى تقسيم سوريا إلى ثلاث مناطق: غربية تقع تحت الإدارة الفرنسية، وشرقية داخل سورية والأردن، وجنوبية تشمل فلسطين، وقد وضعت تحت الانتداب البريطاني.
ثم اتجه الفرنسيون لاحتلال سوريا بعد معركة ميسلون سنة شضم ، وغادر الأمير فيصل سوريا إلى لندن انتهت الملكية في سورية لتبدأ حقبة الانتداب الفرنسي على سورية.
واستنجد بعض زعمائها بالحسين، فوجه عبد الله ليثأر لأخيه، أو ليجمع على حدود سورية قوة تكون نواة لجيش يقلق المحتل.
واقترب منها عبد الله ونزل ببلدةعمَّان ودعاه البريطانيون إلى القدس فاتفقوا معه على أن تكون له إمارة شرقي الأردن، فأقام بعمَّان.
العراق
ولما استفحلت ثورة العراق على البريطانيين ، أعلنت بريطانيا عن رغبتها في إقامة ملكية عراقية، ورشحت فيصل بن الحسين ليكون ملكا للعراق،وتشكل المجلس التأسيسي من بعض زعماء العراق وشخصياته السياسية المعروفة يضمها نوري السعيد باشا، ورشيد عالي الكيلاني باشا، وجعفر العسكري، وياسين الهاشمي وعبد الوهاب النعيمي .
وأنتخبت نقيب أشراف بغداد السيد عبد الرحمن الكيلاني النقيب رئيسا لوزراء العراق والذي نادى بالأمير فيصل الأول ملكاً على عرش العراق.
بعد مبايعته ملكا على العراق وفي عام1930 عقد معاهدة مع بريطانيا، سميت بمعاهدة 1930أقرت بموجبها بريطانيا استقلال العراق عن التاج البريطاني وإنهاء حالة الانتداب، وضمنت الاتفاقية أيضا بعض التسهيلات لبريطانيا في مجال تسهيل مرور القوات البريطانية في أوقات العمليات الحربية، والتعاون في المجالات الاقتصادية.
فلسطين
لم يكد القرن التاسع عشر يطوى صفحاته حتى نشأت الحركة الصهيونية التي تعتبر المسؤول الرئيسي عن ظهور المشكلة الفلسطينية.
وعقدت الحركة الصهيونية مؤتمرهم العالمى فى بال (Bâle) بسويسرا سنة 1897.
دخلت بريطانيا في مساومات سياسية مع الحركة الصهيونية كان من نتيجتها أن أصدرت بريطانيا في 1917 وعد " بلفور " الذي التزمت من خلاله ببذل الجهود من أجل تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين.
ومنح صك الانتداب البريطاني الموقع سنة 1920 للصهاينة عدة امتيازات من أهمها :
ضمان إنشاء الوطن القومي اليهودي ، والاعتراف بالوكالة اليهودية ، وتسهيل هجرة اليهود،وتخويل الجنسية الفلسطينية لليهود، واتخاذ العبرية لغة رسمية في فلسطين .
حصل اليهود على عدة امتيازات في فلسطين من بينها:
إقامة المستوطنات الزراعية ، وتأسيس صناعات جديدة، وحماية هذه الصناعات من المنافسة الأجنبية ،وتشجيع الاستثمارات اليهودية في مختلف المجالات، بالإضافة إلى احتكار اليهود لعمليات التصدير والاستيراد.
وتم إصدار الكتاب الأبيض الأول سنة 1922 بشأن الدولة اليهودية المرتقبة وتنظيم الهجرة اليهودية .
ثم تلاه إصدار الكتاب الأبيض الثاني سنة 1930 ، وتقديم مشروع تقسيم فلسطين سنة 1937 وأخيرا إصدار الكتاب الأبيض الثالث سنة 1939، وتم في هذا الكتاب الأخير التخلي عن فكرة تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية و فلسطينية لصالح تأسيس دولة فلسطينية مستقلة تكون محكومة من قبل العرب الفلسطينيين واليهود بناء على نسبة كل منهما لإجمالي سكان فلسطين في سنة 1949وتناول الحديث عن تنظيم الهجرة اليهودية .
ولم يصمت الشعب الفلسطينى فقاوم المشروع الصهيونى ، وتمثلت في عدة ثورات من أبرزها ثورة البراق لسنة 1929 وثورة 1933 وثورة القسام سنة 1935 ، والثورة الكبرى في الفترة 1936-1939 حيث قام الفلسطينيون بإضرابات عامة وقاطعوا المنتجات الصهيونية والإنجليزية ودخلوا في مواجهة مسلحة ضد الصهاينة والإنجليز .
وفى أعقاب الحرب العالمية الثانية تبنت أمريكا المشروع الصهيونى حتى إعلان دولة إسرائيل فى 15مايو 1948، وتعلن الدول العربية الحرب عليها ثم تخرج منها خاسرة وينتهى الأمر بعقد إسرائيل اتفاقية رودس سنة 1949 مع الدول العربية كل منها منفردة .
نشأة وتعليمه
ولد فوزي القاوقجي في فى طرابلس بلبنان عام 1890 .
وتخرج القاوقجي سنة 1912 ضابطاً في سلاح الخيالة العثماني ، وكان مقره أولاً في الموصل.. وهناك بدأت مواهبه بالبروز فصار بعد وقت قصير معلِّماً للفروسية في كتيبته ثم محاضراً لضباط الفيلق وقواده مما أتاح له فرصة كبيرة للتعرف على أكبر عدد ممكن من الضباط العرب في وقت كان العراق في طليعة المناطق العربية التي تأججت فيها المشاعر القومية حتى بدا وكأنه يعيش على فوهة بركان تحسباً وحذراً من المخططات الأوروبية.. ورفضاً للنزعة ذات الصبغة التركية التي كانت تعمل للقضاء على الحركة الثورية العربية وعلى فكرة القومية العربية للإبقاء على البلاد العربية مستعمرات تخضع بقوة السلاح للحكم التركي ونفوذه، كما ورد في مذكرات القاوقجي نفسه... وكما أكدته الأحداث والتطورات اللاحقة..
بدأ حياته المهنية في الموصل ، وهناك بدأ يظهر تميزه الاجتماعي و العسكري ، فقام برد منهوبات من قبائل شمر أكبر قبائل المنطقة إلى قبائل الجبور بعدد قليل من الرجال - وكان النهب من العادات الشائعة بين القبائل في ذلك الوقت - مستعملا الحيلة والدهاء ، وأدى ذلك إلى لجؤ القبائل إليه لرد حقها حتى ذاع صيته في الموصل .
وبالرغم من رؤيته لمظالم الأتراك للعرب لا سيما بعد انقلاب جمعية الاتحاد و الترقي على السلطان عبدالحميد واستلامهم السلطة في استنبول ومحاولتهم تتريك العرب وهضم حقوقهم السياسية واتباع سياسة تمييز عنصري .
ويسهب القاوقجي في مذكراته بوصف المظالم هذه خاصة من طرف جمال باشا الذي كان يشك بكل ما هو عربي إلا أنه ظل على ولائه للدولة العثمانية وبقي يرى أنها الخيار الحضاري و السياسي الأنسب للعرب في تلك المرحلة .
إذ كان يرى الأطماع الغربية بمنطقة المشرق العربي، لذلك رأى ضرورة إصلاح الدولة العثمانية فتعطي العرب حقوقهم لتتفرغ لمجابهة الاجتياح الغربي .
وعندما نشبت الحرب العالمية الأُولى كان القاوقجي قد أصبح مرجعية هامة ليس للضباط والجنود العرب فقط... وإنما أيضاً لمختلف القبائل شمال العراق التي صارت تكنُّ له مشاعر التقدير والاحترام .
وقام بتدريب الأهالي وتنظيمهم وتسليحهم بمختلف السبل والوسائل... مما يدل على أنه كان يحسب لكل شيء حسابه... ويتوقع سلفاً ما حصل فعلاً عندما نشبت الحرب العالمية الأُولى.
واشترك القاوقجي في المقاومة الشعبية والرسمية ضد الانكليز عندما احتلوا البصرة، وأُصيب سنة 1914في معركة " القرنة" فأُدخل المستشفى للعلاج.. ثم غادره سراً بالتنسيق مع رفاقه ليتصل بزعماء الحركة القومية في سورية ولبنان.. فوجد معظمهم قد سيقوا إلى السجون والمشانق، وهو في هذه الفترة صار يلعب دوراً مزدوجاًُ: فمن جهة يهادن الأتراك، ومن جهة أُخرى يبذل قصارى جهده علناً في محاربة الانكليز ومقاومتهم محاولاً في الوقت نفسه تخليص ما استطاع من المجاهدين العرب من قبضة الأتراك ومعتقلاتهم .. متواصلاً مع عدد كبير منهم بسرية مطلقة، الأمر الذي جعل صديقه الضابط فرج عمارة (محافظ حلب) يمزِّق الرسائل والأوراق التي يحملها القاوقجي حفاظاً على حياته.. ولكن القاوقجي أصرّ على متابعة مهمته فحفظ عناوين الذين يجب أن يتصل بهم غيباً.. وتابع اتصاله بهم شفوياُ.. ثم قصد بلدة صوفر فى لبنان القريبة من (عالية) حيث مقر المجلس العرفي التركي الذي أقامه جمال باشا وفيه حكم على الزعماء والثوار بالإعدام.. وقد بلغت الشجاعة بالقاوقجي أنه قابل جمال باشا مباشرة في الفندق الذي كان يقيم فيه بصوفر.
ولكنه بدل أن يصل إلى هدفه بإطلاق سراح القوميين العرب... فقد صدر إليه الأمر من جمال باشا بتعيينه في فرقة الخيَّالة في شهر مايو / أيار عام 1916 في بئر السبع وفيها اكتسب خبرة عسكرية واسعة ونال شهرة واسعة بعد أن اشتبك مع الإنجليز بمعارك ضارية تمكن من خلال الكمائن التي كان ينصبها من أسر عدد من ضباطهم وجنودهم.. فحصل على أوسمة عديدة، وقويت صلته بالقادة الألمان الذين كانوا حلفاء الأتراك ضد الانكليز.
موقف فوزى القاوقجى من الثورة على الدولة العثمانية
عندما قامت ثورة الشريف حسين فى الحجاز نظر بشك وريبة إليها ،فقد وجد معاونة معاونة الإنجليز في الحجاز للشريف حسين ، فأدرك أن الإنجليز لا يساعدون الشعوب العربية حرصا على مصلحتهم فى الوقت الذى يساعدون اليهود على انتزاع فلسطين ، يقول في مذكراته :
(...أما الثورة التي طربنا لخبر نشوبها فلم تكن أخبارها تشجعني على الانضمام إليها لعدة أسباب : فقد علمت مع الأسف أن الأسطول الإنجليزي هو الذي أسقط ثغر جدة بقنابله ، كما أن قلعة الطائف قد سقطت أيضاً بمدافع انجليزية أرسلت إلى الأمير عبد الله، وأن جنوداً انجليزية و فرنسية قد أنزلت في ثغور جدة ورابغ وينبع والوجه وغيرها من سواحل الحجاز ، وأن الأسطول الإنجليزي هو الذي يحمي هذه السواحل ، كما أن ثغر بورسودان ( تحت سيطرة الإنجليز في ذلك الوقت ) كان القاعدة التي تمد الجيش الشريفي بالذخائر والأسلحة ، وأن هناك بعض الضباط من الإنجليز والفرنسيين يقودون بعض الفصائل الفنية ... ولقد تحقق فيما بعد كل ما ذهبنا إليه في شكوكنا و مخاوفنا ففي الوقت الذي كانت فيه بريطانيا تعاهد الشريف حسين على تحقيق الإمبرطورية العربية كانت تعاهد الصهاينة على إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين .
وتبرم في الوقت عينه اتفاقية سايكس بيكو التي تخصها فيها بسورية .
هذه المخاوف والاعتبارات جعلتني أرجح البقاء في صفوف الترك ، وأعتقد أنه أهون شراً .
وبالرغم من كرهي العظيم للأتراك كنت أبغض الحركة الشريفية الإنجليزية و بقيت كذلك حتى سقطت دمشق) .
لقد أدرك بحس ساسي أن العرب هم أكبر الخاسرين من انهيار الدولة العثمانية ؛ لأنه ليس لديهم ما يكفي من القوة والمنعة لصد العدون الغربي .
وإن استحصال حقوق العرب من الأتراك أسهل ؛ لأنهم ممثلين داخل الدولة بضباط و قضاة و نواب ... الخ .
لكن هذا لا يمنعه أن يفاخر بالجيش العربي الصغير الذي شارك بهذه الثورة .
لذلك بقي على ولائه للدولة العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى فنراه ينتقل من معركة إلى أخرى. من التصدي إلى البريطانيين الذين اجتاحوا العراق عام 1914 ، حيث نزلوا في البصرة في واحتلوها في 22 نوفمبر ثم تقدموا نحو القرنة واستولوا عليها في 8-9 ديسمبر عام 1914 .
وجرح فوزي القاوقجي في منطقة الروطة شمال القرنة في المعركة الضخمة التي جرت هناك .
و بعدها نجده على جبهة فلسطين في بئر السبع و غيرها ،وهناك يشهد نهاية الدولة العثمانية ..... و بعد انهيار الدولة العثمانية يقرر بألم هذه الحقيقة :
" احتلت بريطانيا البلاد بأسرها ، وتقلص ظل الراية العثمانية التي خفقت على البلاد طيلة قرون امتزجت العناصرالإسلامية فيها في وقت من الأوقات امتزاجا تاما أضحت معه كأنها شعب واحد .غير أن الأهواء والنزعات والدسائس لعبت دورها الرهيب ، فإذا بالكيان العثماني الإسلامي شعوب متنافرة متناحرة متباغضة متعادية ،وفعلت الحرب فعلها فيهم ، وأقام يوم الهدنة بينهم سداً حاجزاً ما بين شعب و شعب تمهيداً لافتراسها شعباً بعد شعب " .
كفاح وجهاد فوزى القاوقجى فى البلاد العربية
كان انتماء القاوقجى للبلاد العربية وقضاياها ، فلم يعرف التعصب لبلده التى ولد فيها ، فالبلاد العربية كلها بلده وقضيتها قضيته ، لذا نراه يجاهد فى سوريا والعراق ويدرب جيش آل سعود ويجاهد فى فلسطين أثناء ثورتها الكبرى سنة 1936 وفى الحرب سنة 1948. .
1 ـ القاوقجى يثورعلى الفرنسيين فى سوريا 1925
عاد القاوقجي فور انتهاء الحرب إلى مسقط رأسه طرابلس عام 1918، وأقام هناك إلى أن زارها الملك فيصل بن الحسين ودعاه إلى العمل في خدمة الدولة العربية الجديدة فقبل الدعوة، (وكان الملك فيصل تولى ملكا على سورية فى الفترة من مارس 1920حتى يوليو 1920، ثم أول ملوك المملكة العراقية فى الفترة من1921 حتى 1933، وتوفى فى 8 سبتمبر 1933).
وقد عُين في الشعبة الثالثة في ديوان الشورى الحربي، وهناك تكشف له غدر الحلفاء، فطلب نقله إلى إحدى الوحدات العاملة، فعُين آمر السرية الأولى من لواء الخيالة الهاشمي، ولدى دخول الفرنسيين دمشق سنة 1920كان القاوقجي يتولى حراسة قصر الملك فيصل وقلعة دمشق.
وعندما وقعت هزيمة ميسلون واستشهد قائدها المجاهد يوسف العظمة عام 1920م.
فآلمه ذلك وحزّ في نفسه دخول الفرنسيين دمشق مستعمرين.. فصمَّم منذ تلك اللحظة على التخطيط للثأر والتحرير مهما بلغت التضحيات.. فهو قريب من الفرنسيين الذين عيَّنوه آمراً لسرية الخيّالة في حماه ثم معاوناً للمستشار الفرنسي.. ومن جهة أخرى .
كان على تواصل مع ثورة الشيخ صالح العلي في الساحل السوري وثورة إبراهيم هنانو في حلب وضواحيها، وثورة سلطان باشا الأطرش في جبل العرب، ومع مختلف الانتفاضات الشعبية في لبنان وسورية وفلسطين والتي ما كانت لتهدأً الواحدة منها حتى تشتعل الأخرى.
وهكذا كان شأن القاوقجي مع كل المدن والمناطق في مختلف بلاد الشام. حتى حكم عليه الفرنسيون بالإعدام... دون أن يتمكنوا من الإمساك به.
بدأ القاوقجي يعد الثورة ويدعو لها وينظم الخلايا، ثم أطلق الشرارة في 5/10/1925 في جبل العرب ثم في حماة و تتحول إلى ثورة سورية شاملة .
و ينتقل من حماة إلى الغوطة إلى القلمون على مدى ثلاث سنوات خاض عشرات المعارك و كبد الفرنسيين خسائر فادحة مغتنماً فرصة ثورات صالح العلي وإبراهيم هنانو وسلطان الأطرش، وكاد يستولي مع من معه على مدينة حماه لولا قصف الطائرات.
واشتعلت الثورات في كل أنحاء سورية ولبنان ، فأعلن القاوقجي من جهته الثورة في حماه وضواحيها... وكاد أن يستولي على المدينة لولا قصف الطائرات العنيف للأحياء الشعبية.. فخرج إلى البادية لاستشارة القبائل ضد الفرنسيين وتخفيف الضغط عن الثوار في المناطق الأخرى، وقد حقق انتصارات مهمة على القوات الفرنسية وحامياتها وثكناتها وأنزل بها خسائر فادحة... حتى أسند إليه مجلس الثورة الوطني قيادة الثورة في منطقة الغوطة ومنحه سلطات واسعة .
وفي حين كان المقدم وكرامي يتواصلان بشكل أو بآخرمع الإنجليز في مواجهة الفرنسيين... كان القاوقجي وعبد اللطيف البيسار ومعهما مفتي فلسطين، يتواصلون مع الألمان في مواجهة الانكليز والفرنسيين معاً.
وكان أبرز آثار حركته تخفيف الضغط على الثوار في جنوبي سورية ، ووصلت أصداؤها إلى طرابلس وجرود عكار والضنية.. إلى درجة أن الفرنسيين جمعوا أعيان طرابلس وهددوا بقصف المدينة من البحر بعد أن نفوا عبد اللطيف البيسار وعبد الحميد كرامي وآخرين إلى جزيرة أرواد.
وقد ظل القاوقجي يقاوم من موقع إلى موقع ومن منطقة الى أُخرى.. حتى اضطره النقص الهائل في العتاد والسلاح إلى اللجوء الى جبل العرب، وبعد أن استشهد عدد كبير من المجاهدين معه ، فاستدعته اللجنة الثورية إلى عمّان والقدس سنة 1927، وكلف بالسفر إلى تركية لإقناعها بمساعدة الثورة السورية.. وأمام عدم تلقيه أي دعم أدرك أن الثورة لن يكتب لها النجاح فى ظل هذا الوضع العربى المتردى حيث الخلافات قد اشتدت بين الزعماء السياسيين للثورة ، وقلة أو انعدام الدعم للثوار.
وكان فوزى القاوقجى يرى هذه الحقائق المرة التي ما زالت أمتنا تعاني منها حتى اليوم و هي :
شعب مستعد للتضحية إلى ما لا نهاية مقابل نخب و قيادات مناورة تبحث عن منافع شخصية أو عن زعامات أو تحقيق أهواء مما جعل كل الثورات تنكسر في لحظة معينة و تضيع التضحيات هباءً ،فيقول في مذكراته :
" لا ريب أن في سواد هذه الأمة من الحيوية ما يكفي لإتيان المعجزات و دفع كل الأخطار الممكن نزولها فيها ، إذا وجد من يعرف كيف يستثمر و يستخدم هذه الكنوز الثمينة ".
و حول فشل الثورة السورية الكبرى يحلل بعد اجتماعه بقادة هذه الثورة و إطلاعه على تفرقهم و خلافاتهم و تصارعهم على الزعامة يقول :
" فخرجت من هذا الاجتماع موقنا أن صفحة الثورة قد انتهت ، و أنه لم يعد في وجه الفرنسيين أي عقبة تحول دون تنفيذ خططهم في البلاد .
و لقد أيدت الحوادث اللاحقة ما كنت ألمسه وأشعر به من أن الخير كله في طبقة الشعب الساذجة ، وأن البلاء كل البلاء من المتزعمين من رجالنا المتفانين في حب الظهور .وإن الثورات الحقيقية التي سوف تضطرنا أعمال المستعمرين لخوضها يجب أن ترتكز على طبقة الشعب الشريفة وحدها ."
2ـ مساهمة فوزى القاوقجى فى بناء جيش آل سعود 1928
عقب فشل الثورة السورية انتقل إلى الحجاز عام 1928م، ليساهم في بناء جيش آل سعود ، وهو يعتبر نفسه يؤدي مهمة قومية حيث كان الملك عبد العزيز محط أنظار الراغبين في وحدة العرب في ذلك الوقت بسبب جهده التوحيدي الهائل في جزيرة العرب .
وأثناء تواجده فى ظل آل سعود لم ينس هموم القضية الفلسطينية ، فقد غادر القاوقجي بلاد الحجاز سراً إلى مصر عقب اندلاع أحداث ثورة البراق لسنة 1929 فى فلسطين ،والتقى أعضاء الوفد الفلسطيني المسافر إلى لندن لمفاوضة الإنجليز محاولاً إقناعهم بعدم جدوى المفاوضة، وأن لا بد من العمل والإعداد العسكري كما يفعل الصهاينة، ولكنه أخفق في سعيه وعاد إلى السعودية.
وقد تمكن بمساعدة الأمير فيصل بن عبد العزيز من إقناع الملك عبد العزيز بن سعود من تكوين جيش نظامي مدرَّب واستطاع المساهمة في بناء قواته العسكرية المنظمة والمدربة رغم العراقيل التي وضعت في طريقه من قبل الإنجليز، والدور الذي لعبه "فيلبي" ، فلم يستطع الاستمرار فى عمله ، واضطر إلى الاستقالة فى نهاية الأمر.. غير أنه بقي مستشاراً للأمير فيصل.
3ـ مشاركته فى ثورة رشيد الكيلاني فى العراق 1941
أـ القاوقجى فى العراق 1932
ترك القاوقجي السعودية بعد سنتين ونصف ثم التحق بخدمة الملك فيصل بن الحسين بن على الهاشمى في بغداد أواخر سنة 1932، وعين معلماً للفروسية وأستاذاً للطبوغرافيا في المدرسة الحربية الملكية برتبة نقيب ، ونفاه بكر صدقي رئيس الحكومة إلى كركوك لتقييد حركته استجابة لطلب الإنجليز.
ومن ناحية أخرى لم يكن فوزي مرحبا به في بغداد ولا سيما بعد تدخل الأتراك بسبب موقفه من قضية الاسكندرونة الذي كانت تركيا تحاول فصله عن سوريا ، و هذا ما رآه فوزي القاوقجي مسألة حياة أو موت لسوريا التي لا يمكن لها أن تعيش بدون الإسكندرونة ، وهو رأي بالغ الأهمية من الناحية الاستراتيجية.
وفى منفاه بقي تحت الإقامة الجبرية ، وأخذ يتصل بعدد من الشخصيات السورية والأردنية والفلسطينية لتجهيز حملة تعيد تفجير الثورة، ولاسيما بعد إعلان مشروع التقسيم الذي أوصت به اللجنة الملكية ، وقد أُفرج عن القاوقجي بعد مقتل بكر صدقي .
ب ـ تأييد ثورة رشيد الكيلاني فى العراق1941
شارك القاوقجي في ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941م في العراق ولعب فيها دوراً بارزاً.. وقاد القاوقجي فريقاً من المتطوعين السوريين والفلسطينيين والعراقيين وتصدى لقوافل الإنجليز العسكرية القادمة من الأردن عند الرطبة وخاض عدداً من المعارك الناجحة، ثم أصيب بجراح خطرة حين سارع إلى صد هجوم إنجليزي على تدمر، ونجا بأعجوبة من الموت.. ولذلك اضطر للسفر إلى برلين للعلاج ، فأُجريت له عدة عمليات جراحية لاستئصال الرصاص والشظايا من مختلف أنحاء جسده فنقل إلى مستشفى دير الزور ثم مستشفى حلب حيث تم تدبير نقله إلى برلين، وقد أُجريت له عدة عمليات جراحية استخرجت فيها 19 رصاصة وشظية من جسده وظلت رصاصة واحدة تسكن رأسه حتى أواخر حياته دون أن تعيقه عن مواصلة الحركة في ميادين العمل والجهاد.
وفي خضم الحرب العالمية الثانية وسقوط باريس ومجيء حكومة "فيشي" الموالية للألمان، وحاول القاوقجي الاستفادة من الظروف الدولية الجديدة فاتصل بالجنرال "دانتز" ممثل حكومة "فيشي" في الشرق، وعندما دعا الألمان القاوقجي إلى العمل معهم أصر على أخذ اعتراف رسمي بحقوق العرب واستقلالهم قبل الالتزام بالعمل فوافق "دانتز" على ذلك.. في وقت كانت خلايا القاوقجي لا تزال تقاوم في فلسطين والعراق .
وبعد فشل ثورة الكيلاني ولجوئه إلى إيران ، وأمام اتساع شعبية القاوقجي في كل المشرق العربي، فقد صارت بريطانيا تنظر إليه على أنه عدو لها.. حتى لقد سُئِل تشرشل حينها في مجلس العموم البريطاني عن مصير القاوقجي إذا ما وقع في الأسر فأجاب : الإعدام ،الأمر الذي جعل أحرار العالم كله ينظرون إليه على أنه بطل قومي تحرري لا يساوم ولا يهادن..
وبعد علاجه فى ألمانيا تلقى دورات متعددة " كوماندوس " ، واتصالات ،ولاسلكي ، وتدرب على جميع أنواع المتفجرات والألغام ، وكانت الدورات علمية ونظرية وعملية.
وعمل في إذاعة عربية في ألمانيا كان يبث عن طريقها الأخبار ويرسل المعلومات للأهل في فلسطين. وشعر أنهم يحاولون استغلاله واستغلال غيره من الزعماء العرب الموجودين هناك.
وقد اتهم القاوقجي الألمان النازيين بتسميم ابنه مجدي (وكانت أسرته قد لحقت به إلى ألمانيا) .
وبقي في ألمانيا إلى أن أصبحت الجيوش الغربية على أبواب برلين عام 1945 ، فغادرها إلى النمسا ، واجتمع بالحاج محمد أمين الحسيني ، ثم توجه إلى فرنسا ومنها إلى بيروت ودمشق على متن باخرة متخفياً كعامل .
ووصل إلى القدس ، والتقى بعبد القادر الحسيني وراحا يعملان معاً في تدريب الشباب على فن المتفجرات والألغام .
جهاد فوزى القاوقجى فى فلسطين
1ـ جهاده فى الثورة الفلسطينية (1936-1939)
وأثناء تواجده فى العراق كانت الثورة العربية فى فلسطين قداشتعلت سنة 1936وعمت فلسطين ، فلم يستطع التخلف عنها ، وهو وطيلة تلك الفترة الماضية لم ينقطع عن التفكير فى فلسطين، وتم تكُلف القاوقجي من قبل زعماء الثورة الفلسطينية لتجهيز قوة من المتطوعين لنجدة فلسطين. وقد طلب المفتي الحاج أمين الحسيني من عادل العظمة و( أبو صلاح الشوربجي) شراء الأسلحة للمجاهدين مع القاوقجي.
فبدأ الاتصال بالأردن وسورية ولبنان لاختيار الشبان العرب المجاهدين وتزويدهم بالسلاح وإرسالهم إلى جبهة الثورة في فلسطين، وعاد القاوقجي إلى سورية على رأس فرقة من الجيش العراقي ومجموعات من المجاهدين المتطوعين العرب الذين هبوا من كل حدب وصوب لنصرة إخوانهم ثوار فلسطين.
وفي 25/8/1936 وصل القاوقجي على رأس حملة من العراق واتخذ من مثلث نابلس ومنطقة جنين خاصة ساحة لنشاط حملته مع رفقيى دربه صبحي أبو غربية ، وداود العلمي ، وعندما وصل القاوقجي ، أصدر البلاغ الأول بوصفه أحد قادة للثورة منشوراً ثورياً يدعو فيه الثوار إلى الالتفاف حوله والانضمام إليه ويقرر ميثاقاً له ، ويدعوإلى الاستمرار في النضال إلى أن تتحرر فلسطين وتستقل وتلتحق بقافلة البلاد العربية المحررة. ومما جاء فيه :
" عن قيادة الثورة العربية العامة في سوريا الجنوبية ( فلسطين) بدأه ببسم الله الرحمن الرحيم، باسم العرب نحيا وباسم العرب نموت وضمنه بالآيات القرآنية حيث ذكر بأن فلسطين بلد الشهداء ومجمع الأمجاد ووطن الآباء والأجداد ، دعوت فلبينا وناديت فأجبنا وأنهم الدفعة الأولى من المتطوعين العرب من أجل تحرير فلسطين من اليهود والإنجليز " .
ودعا الجميع إلى حمل السلاح ومشاركة المجاهدين في الثورة حتى قيام حكومة عربية ثورية وسحب الجيوش البريطانية ووقف الهجرة اليهودية تماماً وإجلاء اليهود الذين قدموا إلى فلسطين، وإنشاء مجلس تأسيسي، وحكومة وطنية مسؤولة أمام مجلس نيابي تنتخبه الأمة.
وأنهى بلاغه بالآيات القرآنية كذلك .
ولقد أبلى القاوقجي بلاء حسناً في تلك الثورة حتى حاز ثقة الثوار، وصار له مكانة خاصة في نفوسهم.
وقام مجموعة فدائية ، بالتخطيط والتنفيذ لمجموعة من العمليات في الأحياء اليهودية ، كإلقاء القنابل ، وحرق المخازن والمصانع .
وقد خاض القاوقجي ضد القوات البريطانية معارك ناجحة امتازت بكفاءة عالية جداً .
وقد اعترف بيرس في ذلك بتقريره حيث ذكر أنه " طرأ تحسن على تكتيك الثوار وظهرت على العصابات دلائل تشير إلى وجود قيادة وتنظيم فعالين فيها .
فهي الآن مزودة تزويداً جيداً بالأسلحة والذخائر كما أن امتداد عملياتها إلى المناطق التي إعتادت النضال المسلح من قبل ، يدل على أن عدد أفراد هذه العصابات قد ازداد ازدياداً كبيراً " ، ومن تلك المعارك التى اشترك فيها فوزي القاوقجى سنة 1936: معركة بلعا في 10/8 ، ومعركة عصيرة الشمالية 17/8 ، ومعركة وادي عرعرة 20 /8، ومعركة عين دور 26 /8.
ولما استشهد صديقه سامي الأنصاري ، قام بعملية قتل فيها شرطياً بريطانياً ، وأتبعه بشرطي آخر في باب العمود ..
وقد سعى الإنجليز بكل الطرق لإنهاء الإضراب ،وطلبوا من الأمير عبد الله بن الحسين أمير شرق الأردن بذل كل الجهود من أجل إنهاء الإضراب ، فما كان منه إلا أن أرسل إلى اللجنة العربية العليا يطالب بفك الإضراب صراحة وذلك من خلال رسالة وجهها إلى المفتي يوم 6/9/1936 هذا نصّها :
" عزيزي الحاج أمين أفندي الحسيني ينصره الله .
هذه رسالة أخ إلى أخيه ، أبعث بها طاهرة من أية غاية سوى رابطة الدين والعروبة.
قد سمعت بالطبع عن لقائي أمس بالمندوب السامي الذي أخبرني خلاله عن القرار الذي أصدرته الحكومة حول عزمها على إعادة النظام إلى فلسطين بواسطة قوات أعدت خصيصاً لذلك.
لذلك فقد رأيت من واجبي الكتابة لك حول ضرورة تقييم الوضع الحالي بشجاعة وعدم التمسك بالأفكار التي تنفخ بيننا الآمال التي لا ترتكز إلى الواقع .
فنحن نقف اليوم أمام خيارين ، إما أن نستمر في الوضع الحالي الذي سيؤدي إلى دخول قوى لا طاقة لنا عليها والذي سيقفل جميع أبواب الأمل ، أو أن نغير الوضع عن طريق ترك الإضراب والعمل على الإبقاء على المفاوضات مفتوحة لكي لا تغلق الأبواب في وجه الأمة .
وأقسم بالله يا أخي أنني لم أكتب لك هذه الرسالة إلاّ بعد أن تأكدت من أن لا مخرج للأمة الفلسطينية غير ذلك .
فسعينا وراء الخيال وتأثير الملوك والأمراء هو أصل أخطائنا ومصائبنا ووالله لا طائل من رجاء المساعدة من أية جهة ولا مجال لنا في التصدي لهذا الوضع إلاّ باقتناعنا وتقبلنا أقل الأمرين ضرراً.
أطلب إليك أن تذهب إلى فوزي بك ( القاوقجي ) وجماعته ، وأن تنقل لهم نصيحتي هذه ، وإذا صعب عليك ذلك فإني سأكون مستعداً لنشرها على إخواني مواطني فلسطين.
وإذا تقبلوا نصيحتي فأنا أعدك وعد الشرف بأن أدعمكم لدى اللجنة الملكية ( البريطانية ) وفي لندن وكل مكان آخر يسمع به صوتي.
كما سأقوم بتنبيه ملوك العرب إلى ضرورة دعمكم حال بدء المفاوضات إن شاء الله تبارك ذكره .
هذا ما لزم وهو المعين والنجاح بيد الله .
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته " .
في السابع من أيلول نشرت وزارة المستعمرات بياناً حول سياسة الحكومة، تحدثت فيه عن الحالة في فلسطين واعتبرتها بأنها " تحد مباشر لسلطة الحكومة البريطانية في فلسطين " ، وقد أصدر فوزي القاوقجي بياناً مطولاً على رد الحكومة البريطانية حيث بدأ بالتحدث عن صك الانتداب وكيف أن بريطانيا تنفذ سياسة الوكالة اليهودية ، لذلك قام هذا الشعب بالإضراب العام ، ومن ثم بالثورة حتى تحقيق المطالب الثلاثة الرئيسية للشعب وهي :
- وقف الهجرة اليهودية تماماً .
- منع بيع الأراضي .
- تشكيل حكومة وطنية .
إلاّ أن الحكومة اتبعت سياسة المراوغة، وقررت إرسال لجنة تحقيق ملكية لذلك، ومما جاء في البيان :
" إن حكومة الثورة العربية في سوريا الجنوبية تأسف أسفاً عميقاً لعسف الحكومة البريطانية وتماديها في أطماعها الاستعمارية.
لذلك إذا أرادت فعلاً أن تنصف العرب فعليها تحقيق مطالبهم ، ولكن بدل ذلك ترسل التعزيزات العسكرية وتصادر الممتلكات وتنسف البيوت وتروع النساء والأطفال .
وإن الانتداب غير مشروع ويجب محاربته مهما غلا الثمن " .
وبالإضافة إلى ذلك ، فقد حاول الأمير عبد الله التأثير والضغط على فوزي القاوقجي نتيجة فشل وساطته سابقاً بأن أرسل إليه رسالة للتخلي عن اللجنة العربية العليا وعن الثورة بشكل عام لأن بريطانيا جادة في قمع الثورة مهما كان الثمن.
فاعتبر القاوقجي هذه الرسالة بمثابة دعوة للإنقلاب على اللجنة ومحاولة منه لأخذ أسرار الثورة .
وأكثر من ذلك يذكر(بوراث)أن الأمير كتب إلى الوكالة اليهودية يدعوها إلى التحالف معه من أجل سحق الثورة والقضاء على المفتي إلاّ أن الوكالة رفضت العرض لاسباب خاصة بها .
وربما يكون السبب أن فوزي القاوقجي قد حاول ، وهو الذي كان لا يخلو من نزعة المغامرة و بلغ مجموع البلاغات التي أصدرها عشرون بلاغاً .
وفي بلاغه الأخير الذي رد فيه على بيان مجلس الوزراء الإنجليزي في 7/9/1936 ذكر اسم " حكومة الثورة العربية في سوريا الجنوبية " .
وهكذا حالت قرارات القيادات العربية دون استمرارالإضراب ، فقد صدرت الأوامر من القيادات السياسية العربية إلى القاوقجي بسحب قواته من فلسطين بعدما أخذوا الوعود من الإنجليز بالاستجابة لطلبات الثورة، فاضطرإلى تنفيذ الأوامر رغم اقتناعه بعدم صدق الوعود التي كان الإنجليز يقدمونها للحكام العرب والتي وعدتهم بحل عادل للمسألة بعد وقف الأعمال العسكرية.. فانسحب إلى الأردن ، وهناك سرح معظم القوات ، وعاد إلى العراق. وقد تعرض ، وهو في طريق الانسحاب لمحاولة اغتيال من كمائن بريطانية ونجا منها بأعجوبة.
وبعد التجربة المريرة فى فلسطين توصل إلى طريق حل القضية الفلسطينية ، وأنه لا بد من الاستيلاء على شرقي الأردن وإزالة الملك عبدالله، وإقامة حكومة عريية هناك و تحويلها إلى قاعدة لتحرير فلسطين.
وكان هذا جزءًًا من مشروعه لنجدة أهل فلسطين غيرأن تطورالأحداث جعله يغض النظر عن تلك الفكرة.
وللقاوقجي آراء عن شرقي الأردن بحكم خبرته العسكرية ما تزال لها أهميتها فى القضية الفلسطينية أردنا الخروج من وضعية الاحتلال و التبعية،يقول عن شرقي الأردن :
" هي المنطقة التي تجاور كافة الأقطار العربية فهي كهمزة صلة يربط بينهم جميعاً ، وبضياعها تفكك الأجزاء العربية عن بعضها البعض ويصعب تأمين وحدة بينها سياسة كانت أواقتصادية أو عسكرية ...." و في مكان آخر من مذكراته يقول :
" وشرق الأردن كانت دوماً حصناً منيعاً لعزل فلسطين عن سائر العالم العربي ،هل اختلف شيء بين الماضي و حاضرنا اليوم ."
لكن مشروعه فى الاستيلاء على شرق الأردن فشل ، ولم يكتب له أن يرى النور فيقرر القيام بحملة على سوريا ضد الفرنسين ، وفي بادية تدمر تهاجمه طائرة بريطانية فيجرح جروحاً بليغة و ينقله الألمان إلى برلين للعلاج ، ويبقى هناك حتى نهاية الحرب العالمية الثانية حيث يعود إلى سوريا ليبدأ رحلة جديدة مع جيش الإنقاذ فى فلسطين .
2ـ فوزى القاوقجى قائدا لجيش الإنقاذ فى فلسطين 1947
أ - القاوقجى يجوب البلاد دعاية للقضية الفلسطينية
تابع القاوقجي نضاله وجهاده من أجل فلسطين قبل صدور قرار التقسيم فى نوفمبر1947 فى الدعاية للقضية وضم المتطوعين ؛ فراح يجوب المدن والمناطق يهييء ويحشد وينظم إلى أن حطت به الرحال في مدينته طرابلس الشام في الثامن من مارس عام 1947م.
وهبت المدينة بأكملها لاستقباله والاحتفاء به... وإذ هو محمول على الأكتاف وسط جموع غفيرة من الرجال والنساء والأطفال.. فإذا بالرصاص يطلق على الجموع المحتشدة في ساحة المدينة المركزية بشكل عشوائي وكثيف محاولين الوصول إليه واغتياله .. مما أدَّى إلى سقوط أكثر من مئة قتيل وجريح من الأبرياء .. فاضطر القاوقجي إلى مغادرة المدينة دون أن يثنيه ذلك عن متابعة تحقيق أهدافه وغاياته.
ب - إنشاء جيش الإنقاذ
تشكل جيش الإنقاذ عام 1947 من قبل اللجنة العسكرية للجامعة العربية من المتطوعين من البلدان العربية، شارك الجيش في حرب 1948، وكان الجيش قد أطلق عليه في البداية اسم جيش التحرير ثم غير الاسم إلى جيش الإنقاذ.
وقد ضم الجيش حوالي 3,830 متطوعاً مسجلاً في وثائق الجامعة العربية وقد تولى فوزي القاوقجي قائدا أعلى لوحدات جيش الإنقاذ.
وتكونت وحدات جيش الإنقاذ من لوائين كل لواء أربعة أفواج : زيدت فيما بعد قواته لتصل إلى 7,700 منهم 5,200 من مختلف البلاد العربية وبعض الأجانب، ونحو 2500 من مجاهدي فلسطين.
وفي سنة 1947تولى فوزي القاوقجي قيادة ( جيش الإنقاذ ) للدفاع عن فلسطين ، وذلك بتكليف من جامعة الدول العربية، وفي ظل ظروف شديدة الصعوبة منها عدم التكافؤ بين قوات الشعب الفلسطيني والمتطوعين من جهة والقوات الصهيونية من جهة أخرى من حيث الإعداد والتدريب والتسليح، وقد أبلى بلاء حسناً في كل المعارك التي خاضها ضد الإنجليز والصهاينة.
تسلم القاوقجي القيادة رسمياً في 7/12/1947، وأرسل القاوقجي الفوج الأول من جيش الإنقاذ بقيادة الضابط السوري المقدم أديب الشيشكلي (رئيس جمهورية سوريا فيما بعد) إلى منطقة الجليل الغربي عن طريق البنان، ثم اتبعه بالفوج الثاني بقيادة المقدم السوري محمد صفا عن طريق شرق الأردن إلى منطقة سمخ والحولة.
ثم نقل القاوقجي مقر قيادته من دمشق إلى فلسطين في 6/3/1948، واتخذ قرية (جبع) في قضاء جنين مقراً لقيادته، وأقم فيها محطة إذاعة.
خاض جيش الإنقاذ بقيادة القاوقجي معارك عديدة ضد القوات البريطانية .
ج- من معارك جيش الإنقاذ فى فلسطين
من المعارك التى خاضها جيش الإنقاذ بقيادة فوزى القاوقجى :
ـ مهاجمة مستعمرة مشمارهاعيمق 3/4/1948.
وتكاد تجمع المصادر العبرية أن فوزي القاوقجي قائد ما اصطُلح على تسميته " جيش الانقاذ العربي " وهو باعتقادي ليس أكثر من مجرد قوات متطوعة غير نظامية أراد بهجومه على مشمار هاعيمق أن يقطع الطريق إلى حيفا ، وبالتالي الوصول بقواته إليها واحتلالها.
ويذكر القاوقجي في مذكراته أن هدفه من وراء الهجوم كان التحقق بنفسي من مناعة المستعمرات ومدى مقدرتها على الدفاع بالنسبة الى مدفعيتنا.
وليس احتلال حيفا, وهو ما يؤكد استعداد قائد قواته الميداني في مشمار هعيمق عقد هدنة مع 'المستعمرين حتى 15 أيار .
وقد أورد القاوقجى بعض المعلومات عن الهجوم على تلك المستعمرة في مذكراته .فقد قام بالهجوم الساعة الخامسة من يوم السبت في 3 نيسان موعدا للهجوم , ذلك لأن هذا اليوم , عدا أنه سبت ,كان عيدا عند اليهود, وقد نظم القاوقجي قواته وبضمنها مقاتلون من أم الفحم والقرى التركمانية في المرج وبعض المقاتلين من قرى يعبد والمنطقة , تنظموا في قرية المنسي , ومعهم الكثير من العتاد والرجال شملت :
3 مصفحات و6 مدافع ميدانية و5 مدافع هاون , حسب شهادة العرب.
و 2000 مقاتل , 3 مدافع قاذفة و 6 مصفحات و 4 مدافع ميدانية , بشهادة مردخاي بنتوب أحد المدافعين عن مشمار هاعيمق , فيما يقول بن غوريون في يومياته أنه كان لدى القاوقجي : 7 مدافع و 12 سيارة مصفحة و3 كتائب في كل واحدة منها 700-900 رجل .
نُصبت المدافع على تل الأسمر القريب من اللجون باتجاه المستوطنة وبدأت منذ الساعة الخامسة مساء نيسان 1948 قصفها الكثيف على المستوطنة وأصابت المدفعية مدرسة المستعمرة ظنا من المهاجمين أنها مقر القيادة , واستمر الهجوم والقصف مدة ثلاثة أيام وقوات القاوقجي لا تتحرك بجموعها باتجاه احتلال المستوطنة – اللهم سوى محاولة خجولة من بعض المقاتلين الذين وصلوا إلى السياج المحيط بالمستوطنة التي لم يكن بها عدد كبير من المقاتلين وكانت ضعيفة التحصين .
وقد قدم الكولونيل الإنجليزي س. أ. بيل ثلاثة اقتراحات لفك الحصار عن المستعمرة :
1-أن نتعهد بعدم مهاجمة القرى العربية في حال انسحاب قوات اليرموك- التابعة لجيش الانقاذ - منها.
2- عدم التعرض لقوات اليرموك عند انسحابها من قرية ابو شوشة والقرى المجاورة.
3- اقترح أيضا إخراج النساء والأطفال من مشمار هاعيمق .
يقول بن جوريون في يومياته عن المعركة أن :'القاوقجي ضرب كما يليق .... وأما سبب هزيمة القاوقجي حسب بن جوريون فكان:'انعدام فكر عسكري وعدم قدرة العرب على الصمود في معركة عسكرية ... وتزامنا مع بدء انسحاب القوات العربية بقيادة القاوقجي باتجاه اللجون, أخذت القوات اليهودية المعززة التي وصلت بقيادة (دان لينر)- ألماني غير يهودي – واورئيل لين وموشيه مين وحاييم أفينوعم وبقيادة عليا ليتسحاق سديه , باحتلال وهدم القرى العربية التركمانية بالأساس , وقرى أبو زريق وأبو شوشة إضافة لقرية الكفرين بعد قتال عنيف شهدته ودفاع مستميت.
كان فشل الهجوم على مشمار هعيمق مؤشرا وبداية مرحلة سقوط قرى مرج ابن عامر واحدة تلو الأخرى وكانت أولى محاولات احتلال قرية اللجون فلم يمض يوم 13-4-48 , حتى قامت قوات يهودية يقدر عددها بحوالي ألف جندي بفرض طوق وحصار حول قرية اللجون محاصرة قوات القاوقجي المنسحبة , فهب الأهالي والثوار لمساعدة قوات القاوقجى المحاصرة, ووصلوا خلف القوات اليهودية وفرضوا الطوق عليها مما اضطرهم للانسحاب على جناح السرعة , وهكذا خلص الأهالي قوات القاوقجي من الحصار .
يقول فوزى القاوقجي :
" وكان من نتائج معركة مشمار هذه أن بدأت هجرة يهودية من المستعمرات المجاورة لمشمار تحمل الذعر والفوضى لتنشرها بصورة واسعة حيث يستقر المهاجرون " .
ـ القاوقجى يقدم النجدة للقائد عبد القادر الحسيني 7/4/1948 .
وقد ساعد القائد القاوقجى فى نجده المجاهد عبد القادر الحسيني بالسلاح فى معركة القسطل التى استشهد فيها ، ففي مساء 7 أبريل عام 1948 وفد إلى مقر القائد فوزي القاوقجي في جبع النقيب العراقي فاضل العبد الله آمر حامية القدس من قبل مفتشية الإنقاذ مع نفر من قادة الجهاد المقدس طالبين المدد بالسلاح والرجال.
وكان هذا الوفد قد أتى لطلب المدد هنا بموافقة عبد القادر الحسيني الذي كان حينذاك عائداً من دمشق لتوّه بعد أن يئس هناك من الحصول على أيّة مساعدة لردّ الهجمة الشرسة للصهاينة على القدس.
وقد استجاب القاوقجي حالاً لطلب الوفد المذكور وأمر بتشكيل رتل يقوده ضابط ركنه النقيب مأمون البيطار ويتألف من سرية مشاة وثلاث فصائل مدفعية ومصفحتين، وقد سحبت كل هذه القوات من جبهة مشمار هاعمك الساخنة.
وكانت التعليمات تقضي بانضمام سرية المشاة مع فصيل المقنبلتين 75 مم إلى حامية القدس، بينما يقوم ما بقي من المدفعية، وهو فصيل 75 مم مقطور وفصيل 105 مم مقطور مع المصفحتين بمساندة الهجوم المعاكس الذي كان يقوده عبد القادر الحسيني في القسطل. ولكن هذا المجاهد البطل استشهد أثناء سير النجدة المذكورة .
عند وصول فصيلي المدافع إلى سفح مرتفع قرية "بدو" المشرفة على القسطل والقدس بعد ظهر 8 أبريل 1948 واجهتهم صعوبة وهي استحالة صعود السيارات قاطرة المدافع وحاملة الذخائر إلى ذلك المرتفع لوعورة الطريق. وكان يجب الاستعجال بوضع المدافع في مرابضها لدخول المعركة بأسرع وقت ممكن.
وتقرر ترك فصيل الـ 75 مم في السفح ريثما يتم تعبيد الطريق إلى المرتفع، وبفك مدفعي الـ 105 مم، كل مدفع إلى أربع قطع، وحمل هذه القطع مع الذخائر على سواعد الرجال.
ـ معركة المالكية6/6/1948.
المالكية قرية فلسطينية تقع فى الشمال بالقرب من الحدود مع لبنان في جبال الجليل الأعلى، على السفح الشمالي لإحدى التلال المطلة على الغرب في الطرف الجنوبي الشرقي لجبل عامل.
وكانت محور الصراع مع القوات الصهيونية سنة 1948، فقد تناقلت المدينة خمس مرات بين سيطرة المتقاتلين العرب والعصبات الصهيونية في الفترة الممتدة من مايو / أيار إلى أكتوبر/ تشرين الأول 1948، فقد احتلتها وحدات من عناصر عصابة "البلماخ" قبل نهاية الانتداب البريطاني.
كانت القرية في يد فوج اليرموك الثاني من جيش الإنقاذ العربي،وتعتبر من أهم المعارك التي خاضها القاوقجي بنفسه بفرقتين من الجيشين " اللبناني والسوري" وهي المعركة ، كما يرى المحللون الاستراتيجييون أنقذت جبل عامل (الجنوب اللبناني) من الوقوع بأيدي الصهاينة .
وأسفرت عن خسائر باهظة تكبدها الأعداء.. ومن ثم عن بدء انهيار المشروع الصهيوني في كل فلسطين بعد سلسلة الاجتياحات التي تقدمت فيها قوات القاوقجي حتى مشارف تل أبيب... وشارك فوزى القاوقجى فى الدفاع عن المالكية مع الجيش السوري واللبناني بتاريخ 6 يونيو/ حزيران 1948، وانتصروا فيها، فضمن من خلالها لجبل عامل بأسره البقاء في يد العرب.
وفوجئ القاوقجي بإبرام الهدنة بين الأنظمة يومذاك والصهاينة وأدرك أن التآمر قد فعل فعله في اللحظات الحاسمة... وإذ بقي على الأرض هو والمجاهدون فقط.. وأمام انقطاع المؤن والنقص في العتاد والذخائر فقد انسحب إلى جنوب لبنان وقدم استقالته إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية عبد الرحمن عزام.. ثم انسحب بعد ذلك عن مسرح الأحداث وهو يحمل مرارة الخيانة والتآمر ويشرب كأساً فُرضتْ عليه فرضاً.. ومن بعده على الأُمة كلها.. وما تزال.
وفاته
عاش فوزى القاوقجى الفترة الأخيرة من حياته منعزلا عن الحياة العامة لمدة تصل إلى 28 سنة عقب توقيع الدول العربية اتفاقية الهدنة فى رودس مع الكيان الصهيونى سنة 1949.
شعر القاوقجي بمرارة الهزيمة حين وقعت الدول العربية اتفاقيات الهدنة الدائمة في رودس1949، فانتقل إلى دمشق ليعيش فيها فيما يشبه العزلة، ثم غادرها إلى بيروت تحت وطأة ظروف مادية ونفسية أليمة حتى وافاه الأجل عام 1977.
وهو القائد الذى خاض كثير من المعارك فى ميدان الشرف والبطولات واقترب من الموت كل مرة ، لكن قدر الله أن البطل الذى تمنى الشهادة فى سبيل الله يموت على فراشه كما مات سيف الله المسلول خالد بن الوليد على فراشه .
أنفق فوزي القاوقجي شبابه مجاهداً مؤمناً.. ورحل بصمت الى جوار ربه بعد أن ترك بصمات واضحة في خط المقاومة وفي ميادين الوحدة والحرية والجهاد.. ثم جاءت الأحداث والوقائع لتؤكد صحة آرائه ومواقفه.. وإشراقة صورته في سجل العظماء والخالدين.
ترك فوزي القاوقجي مذكراته بعنوان (مذكرات فوزي القاوقجي) التي صارت مصدراُ هاماً من مصادر التاريخ لأَهم المحطات التاريخية في القرن العشرين بما حملته من سجلات للوقائع والأحداث، وبما كشفت عنه من أسرار أضاءت على مراحل هامة من تاريخنا المعاصر.
ولقد احتوت هذه المذكرات على العديد من الوثائق التي غنمها في جهاده الطويل وفيها وقائع خطيرة عن المستعمرين والمتآمرين كما سجلات حافلة عن المجاهدين والمخلصين لقضايا أمتهم وشؤونها
المجاهد فوزي القاوقجي قائد جيش الإنقاذ أثناء حرب فلسطين عام 1948 معركة المالكية - بشارة الخوري و رياض الصلح مجيد ارسلان و القاوقجي
المراجع
1- فوزي القاوقجي: مذكرات فوزي القاوقجي (جزءان) إعداد خيرية قاسمية، مركز الأبحاث الفلسطيني ودار القدس، بيروت، 1975م.
2- محمد عزة دروزة: القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها، المكتبة العصرية، صيدا، 1956-1959 م.
3- منير الريس: الكتاب الذهبي للثورات الوطنية في المشرق العربي. دار الطليعة، بيروت، 1969م.
4- صالح زهرالدين: موسوعة رجالات من بلاد العرب. المركز العربي للأبحاث والتوثيق، بيروت،2001 م.
5- إبراهيم أبو شقرا: الحاج أمين الحسيني و ثورة عام 1936-1939.
6- عبد الوهاب،وزهيري الكيالي وآخرون: الموسوعة السياسية،المؤسسة العربية للدراسات، بيروت، 1974م.
7- طلال المنجد: يوم القاوقجي في طرابلس. جريدة التمدن، طرابلس، 2/4/2010م.
8- الموسوعة الفلسطينية. إعداد هيئة الموسوعة، دمشق، 1984م.
9- محمد خير رمضان يوسف: تتمة الأعلام للزركلي. دار ابن حزم، بيروت ، 1418 هـ/ 1998
10-عارف العارف:نكبة بيت المقدس 1947 ـ1952 ، ج 1، ص 135 ، ج 2 ص 468، منشورات المكتبة العصرية ، بيروت،1956.
11- محمد عزة دروزة : حول الحركة العربية الحديثة ، ج 3 ، المكتبة العصرية ، صيدا ،1950 .
12- وجدي حسن جميل : فوزي القاوقجي ومعركة مشمار هعيمق ، موقع الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب ، 14/06/2012 .
13- الدكتور محمود حمد سليمان : المجاهد فوزي القاوقجي ، موقع ذاكرة طرابلس وتراثها :علماء وشخصيات من طرابلس .
14- مؤسسة القدس للثقافة والتراث : شخصيات فلسطينية » وطنية ودينية » قائد جيش الإنقاذ فوزي القاوقجي .
15- صالح زهرالدين: موسوعة رجالات من بلاد العرب،المركز العربي للأبحاث والتوثيق، بيروت،2001 .