مقدمة
يقول أ.جمعة أمين عبدالعزيز:
تركزت أنشطة المرشد والمركز العام فى تلك الفترة على إعادة بناء الجماعة من الناحية التنظيمية والقانونية، كما تركزت فى إعادة البناء الداخلي للجماعة وأقسامها.
وقد ذكرنا جانبًا منها فيما سبق، وسنفرد لبقية الأقسام الباب القادم إن شاء الله، وحتى زيارات المرشد رغم استمرارها فإن أهدافها اختلفت؛ فقد زار المرشد شعب القطر كله فى تلك الفترة، ولبى دعوات إخوانه فى المناسبات المختلفة، ولكن أهداف زيارته كانت حول تركيز الفكرة فى نفوس الإخوان، وليس نشر الفكرة فى ربوع القطر كما كانت رحلاته السابقة؛
كما استهدف فى تلك الرحلات إعادة تنظيم الشعب، وذلك بالإشراف على انتخابات بعض الشعب بنفسه، والمساهمة فى حل المشكلات التى تعترض الشعب المختلفة. وقد حافظ الإمام البنا على رحلة الصيف إلى الصعيد، ولم يتخلف عنها، كما لم تتوقف زياراته للوجه البحري خلال تلك الفترة.
جهود الإخوان في هذه الفترة
في هذه الفترة أيضا تم إقرار نظام الأسر التعاونية فى ربيع الأول 1362هـ الموافق مارس 1943م، وتشكلت لجنة عامة لهذا النظام التعاوني من المرشد العام بصفته وأربعة من أعضاء مكتب الإرشاد، وقد تشكلت اللجنة بالإضافة للمرشد من الأستاذ عبد الحكيم عابدين للمراقبة العامة؛
وضمت اللجنة كلا من سالم غيث رديفًا للمراقب العام، والأساتذة أمين إسماعيل ومحمد الشريف وحلمي نور الدين وطاهر عبد المحسن مساعدين بصفة دائمة، وكلا من محمد الحلوجي والدكتور عبد المنعم أبو الفضل كمساعدين بصفة احتياطية؛
كما تولى الأستاذ حسين بدر مسئولية قسم الأسر، وكان الغرض من تأليف تلك اللجنة هو تقوية روح التعاون العملي، وتوثيق رابطة الأخوة بين الأعضاء العاملين من الإخوان المسلمين أيًا كان، مع توفير نوع من أنواع التأمين الاجتماعي لهم يتفق مع قواعد الشرع الحنيف.
ولقد تبنى مكتب الإرشاد العام مشروعًا قوميًّا لمحاربة الأمية بطريقة المعلم الجوال، وأشاروا إلى أن الغاية من هذا المشروع هو القضاء على الأمية بتجنيد أكبر عدد ممكن من الإخوان المسلمين لتعليم أكبر عدد ممكن من الأميين القراءة والكتابة، مع العمل على رفع مستواهم الروحي والثقافي، وأوضح الإخوان أماكن التدريس، وذلك في المحال العامة بمختلف أنواعها وفي المساجد والمقاهي والمنتزهات والحدائق.. إلخ.
وقد قرر مكتب الإرشاد العام الأخذ بهذا المشروع واعتماد تنفيذه من أول الأجازة الصيفية للعام الدراسي 1939-1940م.
وخلال هذه الفترة فكر الإخوان في توسيع العمل الصحي المؤسسي، ولذلك أعد مكتب الإرشاد العام مشروعًا صحيًّا عام 1939م تضمن تقسيم شعب الإخوان وفروعهم إلى مناطق، وقد أعد لكل منطقة وحدة صحية تتألف من أطباء أفاضل من الإخوان ليقوموا بالكشف الطبي العام على جميع أعضاء الإخوان المسلمين وفقًا لاستمارات خاصة تمهيدًا لتشخيص مرض كل عضو، ووصف الدواء اللازم، والإشارة للعلاج الواجب في كل حالة، وقد جعل المسئول عن هذه المهمة الدكتور محمد أحمد سليمان، وتم تحديد أول يوليو عام 1939م لبداية هذا المشروع.
كما أوفد مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين بعثتهم الطبية للمساهمة في إغاثة منكوبي سوريا أثناء غارة فرنسا عليها، وتكونت اللجنة من الدكتور محمد أحمد سليمان رئيسًا والأستاذ عبد الحكيم عابدين سكرتيرًا، والدكتور علي البرلسي والأستاذ علي محمد مطاوع والآنسة زبيدة أحمد أعضاء، وقد افتتحت البعثة في دمشق عيادة خارجية بلغ عدد الذين ترددوا عليها يوميًّا نحو مائتي شخص.
لم ينس مكتب الإرشاد العام فلسطين وقادتها فقد أعلن انه سيقيم حفلاً جامعًا لزعماء فلسطين البواسل في مساء يوم الأربعاء الموافق 20ذو القعدة سنة 1357ه 11 يناير 1939م بدار الإخوان المسلمين بميدان الملكة فريدة بعد صلاة العشاء.
بل قام باستقبال زعماء فلسطين العائدين من المنفى حيث أرسل المركز العام للإخوان المسلمين تعليماته لشعبتي السويس وبورسعيد لتتخذ الأهبة لاستقبال زعماء فلسطين الذين كانوا منفيين في سيشل، والاحتفاء بهم إثر وصول الباخرة التي تقلهم، بمناسبة رجوعهم، وتقديرًا لجهودهم في سبيل فلسطين المجاهدة.
كما أرسل مكتب الإرشاد العام برقية إلى سعادة علوبة باشا كان نصها:
"الإخوان المسلمون يؤيدون قرارات اللجنة البرلمانية لإنقاذ فلسطين، وينتظرون عملاً جديًّا، وموقفًا حازمًا قويًّا، ويضعون دماءهم وأموالهم وأوقاتهم تحت تصرف اللجنة في سبيل فلسطين العربية المجاهدة".
مكتب الإرشاد وأول انتخابات
قرر المؤتمر السادس للإخوان المسلمين المنعقد بالقاهرة في ذي الحجة 1361ه أن يشترك الإخوان المسلمون في الانتخابات النيابية، وأخذ مكتب الإرشاد العام بهذا القرار وقدم بعض الإخوان في الانتخابات، وقرر الأخذ بهذا القرار كذلك في الانتخابات المزمع إجراؤها بعد حل مجلس النواب القائم.
"وبعد" فقد اختار مكتب الإرشاد العام هذا القرار، واتخذه بعد أن درس الموضوع من كل وجوهه، وهو مع ذلك يرقب سير الأمور عن كثب، وسيرسم للإخوان طريق اشتراكهم في هذه الانتخابات على ضوء ما سيرى من ظروف وملابسات، وسيكون رائده في ذلك الحكمة التامة، ومراعاة الظروف العامة والخاصة، وأن يكتسب للدعوة أعظم الفوائد بأقل التضحيات، والأمور بيد الله، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
بعدما أعلن الإخوان خوضهم الانتخابات تقدم الأستاذ حسن البنا بأوراق ترشحه في مدينة الإسماعيلية واستعد الإخوان لهذا الحدث كما اهتمت الصحف بذلك، غير أن هذا الخير أقلق الإنجليز خاصة أن الإسماعيلية تعتبر مقر قيادتهم ومعسكراتهم، ومن ثم ضغطوا على رئيس الوزراء النحاس الباشا لحل جماعة الإخوان المسلمين غير أنه رفض لكنه أغلق الشعب ما عدا المركز العام؛
ثم طلب الإنجليز بسحب الأستاذ البنا ترشحه وإلا أعادوا احتلال القاهرة والإسكندرية، وتقابل النحاس مع البنا فأرجأه حتى يعرض الأمر على مكتب الإرشاد والذي رفض بدوره الانصياع للانسحاب من الانتخابات، غير أن الأستاذ البنا وأثناء جلوسه مع النحاس قرر الانسحاب بعدما أطلعه النحاس على نية الإنجليز؛
مما دفع مكتب الإرشاد للانسحاب من اجتماع المكتب بعدما علم بانسحاب الأستاذ البنا من الانتخابات دون مشورتهم وتحدي لرأيهم، غير أن الأستاذ البنا شرح لهم الموقف وتفهموا الأمر لكنهم ألزموه بعدم أخذ قرار منفردا بعد ذلك فاستجاب.
وحينما صدر قرار بنقل الأستاذ البنا من القاهرة لقنا فى 19 مايو 1941م ناقش مكتب الإرشاد قرار الحكومة وأصدر قرارا فى اجتماعه بعدم الاستجابة لقرار نقل المرشد إلى قنا، وأن يقدم الأستاذ البنا استقالته من وزارة المعارف، وبناء عليه كتب الإمام البنا استقالته وقدمها إلى وزارة المعارف؛
إلا أن الرد جاء من رئيس الحكومة حسين سرى باشا برفض الاستقالة مع التنفيذ الفورى وكان من سلطة رئيس الحكومة فى ظل الأحكام العرفية رفض استقالة أى موظف ونقله إلى أى جهة يريدها أو الاعتقال وما أن علم الإخوان بقرار نقل المرشد إلى قنا حتى توافدت الجموع من كل أنحاء القطر المصري على المركز العام حتى اكتظ المركز بالآلاف من الإخوان المسلمين الرافضين لقرار النقل حتى لو وصل الأمر إلى الاعتقال.
واجتمع مكتب الإرشاد ثانية فى اليوم الثانى وأصر على عدم تنفيذ قرار النقل ولو اعتقل المرشد، وبدأ الإمام البنا يستعد للاعتقال فى أى لحظة، غير ان الوسطاء نصحوا الأستاذ البنا بتنفيذ قرار النقل على ان يسعوا في إلغاء هذا القرار في أسرع وقت، وبالفعل نفذ الإمام البنا قرار النقل، وتقدم بعض نواب الشعب بطلب إحاطة للاستفسار عن أسباب نقل الأستاذ البنا، ولم يطل الحال حتى صدر قرار بنقل الأستاذ البنا مرة أخرى إلى القاهرة في يوليو من نفس العام.
________________
اخوان ويكي