مقدمة: الإخوان والثورة
كان الترتيب يجري على قدم وساق بين قادة الضباط الأحرار وقادة الإخوان المسلمين، ولم تكن مثل هذه المقابلات تخرج للعلن، حتى لا يفشل الأمر، وحينما حانت ساعة الصفر، كان شباب وطلاب الإخوان في طليعة المشاركين فيها، حيث أن كثيرا منهم كان ينتمي للنظام الخاص بجماعة الإخوان، وأغلبهم كان أيضا في جوالة الإخوان.
يقول الدكتور القرضاوي:
- "وقد طُلب منا نحن الإخوان أن نحرس المنشآت الأجنبية من احتمال تحرك أي أيد مخربة، تحاول أن تصطاد في الماء العكر، والوضع حساس لا يحتمل وقوع أي حادث يكدر صفو الأمن، ويظهر وجود معارضة للانقلاب". (1)
لابد أن نعود للوراء بعد الشئ لنلقي الضوء على العلاقة التي جمعت بين الإخوان والضباط الأحرار حتى وصلت لحالة التنسيق في قيام الثورة.
فبعد حصار الإنجليز للملك في 4 فبراير 1942م من اجل تكليفه للنحاس باشا بالوزارة، استشعر الضباط المهانة، ومن ثم بحثوا عن عنصر القوة المنظمة فوجدوها في جماعة الإخوان المسلمين فانضم إليها عدد كبير من الضباط وبايعوا على العمل من اجلها، واستمر الحال حتى حرب فلسطين حيث زادت العلاقة بينهم، غير أنه مع صدور قرار بحل الجماعة حاول الضباط إبعاد الشبهة عنهم.
عادت الجماعة مرة أخرى لكنها عادت وقد انفصل الضباط عنها تنظيميا وشكلوا تنظيم الضباط الأحرار، لكن كان هناك جوانب من التعاون مشتركة حتى كانت ثورة يوليو 1952م.
لقد حاول بعض الكتاب اليساريين والناصريين التشكيك في مشاركة الإخوان المسلمين في ثورة يوليو حتى وصل بهم الحال أن نفوا مشاركة الإخوان فيها، وأنهم استغلوا هذه الثورة بخروجهم بعد ثلاثة أيام وإخراج بيان للشعب، لكننا نحاول جاهدين أن نحلل الحدث تحليلا موضوعيا، لنعرض جميع وجهات النظر خاصة شهود العيان من الضباط الأحرار وبعض الإخوان.
يقول جمال حماد:
- ثبت بما لا يقبل الشك أنه لم يكن لدى أحد من الأحزاب السياسية أو التنظيمات الوطنية علم مسبق بموعد حركة الجيش المنتظرة سوى قيادة جماعة الإخوان المسلمين، فلقد حرص عبدالناصر على إجراء عدة اتصالات مع بعض قادة الجماعة وأنبأهم بموعد الحركة وطلب منهم مساعدته. (2)
ويروي صلاح شادي (أحد قادة الإخوان) تفاصيل هذه اللقاءات التي تمت بين قادة الإخوان المسلمين وقادة الضباط الأحرار، حيث حضر هذه اللقاءات التي تمت في منزل القيادي الإخواني عبد القادر حلمي من الإخوان عبد القادر حلمي وحسن العشماوي وصالح أبو رقيق وصلاح شادي وغيرهم كما حضر من الضباط جمال عبدالناصر وعبد الحكيم عامر وكمال الدين حسين؛
حيث كانت المقابلة الأولى يوم 18 يوليو 1952م، حيث دار الحديث حول آلية دعم الإخوان لحركة الضباط خاصة بعدما رصد البوليس السياسي حركة هؤلاء الضباط فكان لزاما الإسراع بالثورة، غير أن الإخوان أرجأوا الرد حتى يعرضوه على المرشد العام المتواجد بالإسكندرية، ووافق الإخوان بعد ابدأ الملاحظات كما طالبوا في حال نجاح الثورة بعودة الجيش لثكناته وإطلاق الحريات وترك الاختيار للشعب.. (3)
ويؤكد جمال حماد (أحد الضباط الأحرار) على هذه الرواية بقوله: وليست لدينا أية أسباب تدعونا إلى الشك في صحة هذه الواقعة التي رواها صلاح شادي فإن الدلائل والبراهين كلها تؤيد صدقها.
ويضيف:
- لقد اعترف معظم أعضاء لجنة القيادة للضباط الأحرار بحدوث هذا الاتصال بين التنظيم والإخوان المسلمين عقب اجتماع اللجنة يوم 18 يوليو والذي استقر فيه الرأي على ضرورة الإسراع بالحركة وكان الدافع للاتصال هو التأكد من مؤازرة الإخوان للحركة ولكي يسهم متطوعو الإخوان مع قوات الجيش للسيطرة على طريق السويس والتصدي للقوات البريطانية إذا حاولت الزحف إلى القاهرة لإخماد الحركة.
- وقد ثبت أن القيام بالمؤازرة وتدعيم الحركة قد تما فعلا بدليل اشتراك عدد من الإخوان المسلمين بعد قيام الحركة في حراسة المنشآت العامة والسفارات وأماكن العبادة خشية اندساس عناصر العملاء بين الجماهير لارتكاب أعمال تخريبية، تكن ذريعة لتدخل الإنجليز كما حدث لإخماد ثورة أحمد عرابي.
- وما دام هذا التعاون قد تم بهذه الصورة فلا يمكن عقلا أن يحدث دون تنسيق مسبق وبدون الحصول على موافقة المرشد العام شخصيا. (4)
ويؤكد ذلك بقوله:
- وبعد مراجعة دقيقة لأقوال ومذكرات جميع الضباط الأحرار التي نشرت بمن فيهم أعضاء لجنة القيادة اتضح لى أن أحدا منهم لم يشر إلى أي لقاء قد تم بين عبدالناصر وبين احد منهم في الفترة التي ذكر صلاح شادي أن المقابلة قد جرت خلالها، أما ما ذكره كمال الدين حسين في مذكراته بمجلة المصور في عددها الصادر يوم 26 ديسمبر 1975م عن واقعة ذهابه مع عبدالناصر صباح يوم 22 يوليو إلى السيد صالح أبو رقيق
والتي قال فيها بالنص:
- "وأخطرناه حسب اتفاقنا المسبق بموعد الثورة بهدف كسب تأييدهم لثورتنا كما اتفقنا معه على أن تقوم قوات من متطوعي الإخوان بالمعاونة مع وحدات الجيش للسيطرة على طريق السويس لصد أي هجوم انجليزي محتمل يستهدف الوصول إلى القاهرة صباح يوم الثورة".
ولقد تأجل موعد قيام الثورة والتي كان مقرر لها يوم 22 يوليو لـ 24 ساعة أخرى حتى يصل رد المرشد العام المتواجد في الإسكندرية وقد أكد هذا الأمر عبداللطيف بغدادي. (5)
ويقول:
- ولا جدال في أن عبدالناصر قد بذل كافة جهوده لضمان وقوف هذه القوة الشعبية إلى جانب حركة الجيش بمجرد قيامها لتؤازره في الداخل ولتسهم إلى جانب الجيش في الدفاع عن العاصمة في حالة تفكير الإنجليز في ارتكاب حماقة التدخل. (6)
ويقول حسين الشافعي (أحد قادة مجلس قيادة الثورة):
- إن دعوة الإخوان وحركة الجيش ملتقيتان، وليس في ذلك شك؛ إذ إن هدف كلتيهما هو الإصلاح، وإن كان هناك اختلاف بسيط في المنهج، فالمعروف أن للإصلاح طريقين.. طريقًا قصيرًا، وآخر طويلاً، ولكلٍ مميزاته ومعوقاته، والطريق القصير مؤداه أن نضرب أولاً ثم نربِّي، والطريق الطويل مؤداه أن نُربي أولاً ثم نضرب.
- ولقد اختار الجيش الطريق القصير فضرب ضربته القاضية، موجِّهًا إياها إلى الفساد المتركز في القصر والحكم والحزبية والإقطاعية، وهاهو آخذ في تربية الشعب وتوجيهه، وينبغي الانتفاع بالوقت، ومحاولة إحياء الأمل من جديد في نفوس الشعب، بعد أن كاد يتلاشى تلاشيًا أبديًّا، وسرعة التخلص من الفساد قبل أن يستشري فيصبح لدى الشعب طبيعة مألوفة لا يفكر في التخلص منها، أما معوقات هذا الطريق فتتلخَّص في أن الإصلاح سيقوم على شعب لم ينل حظه وافرًا من التربية الصحيحة والتوجيه السليم.
- ومميزات الطريق الطويل تتلخص في أن الإصلاح يقوم على أساس سليم؛ لأن أمامه شعبًا قويًا نال حظه الوافر من التربية السليمة، وهذه التربية السليمة ستجعل الشعب يتجاوب مع صيحات الإصلاح دون تأخر أو تواكل أو مروق، وأما معوقات هذا الطريق فإنها عكس لمميزات الطريق القصير تمامًا.
- ولكن الهدف لحركة الجيش ودعوة الإخوان واحد، وهو الضربة القاضية التي تحطم طواغيت الفساد حتى تدعها هشيمًا تذروه الرياح، ولما أن ضرب الجيش ضربته كان طبيعيًّا أن تتجاوب معه دعوة الإخوان التي كانت تمهد لهذه الضربة بتربية الشعب المسلم، وثمة اختلاف وجيز، وهو أن حركة الجيش استوعبت كل أفراد الشعب، بَيد أن دعوة الإخوان قد استوعبت الغالبية الساحقة من أبناء الوطن فحسب..
- إلا أن حركة الجيش ودعوة الإخوان يلتقيان أيضًا عند الهدف من تجمعاتهما؛ إذ إن كلتيهما تسعى لتحرير الوطن وإقامة الإصلاح فيه على أسس سليمة متينة. (7)
ويقول خالد محي الدين:
- وفي هذه الأثناء كان جمال عبد الناصر منشغلا بعدد من القضايا فقد اتصل بالإخوان ليبلغهم بالحركة وليطلب مساعدتهم في حالة تحرك الإنجليز ضدنا وقبل التحرك أبلغني عبد الناصر أن الإخوان باستعدادنا للتحرك فسألته هل ردهم إيجابي؟ فهز رأسه بالموافقة (8)
ويؤكد ريتشارد ميتشل بقوله:
- وقبل وقت قصير من قيام الثورة، قام الضباط الأحرار مرة أخرى بتسليح وتدريب المتطوعين لكتائب التحرير وغالبيهم من الإخوان وهي الكتائب التي أرسلت لمنطقة القناة. وكانت الإسماعيلية هي المقر المركزي لهذا النشاط، وكان الشيخ محمد فرغلي رئيس شعبة الإسماعيلية هو أداة الاتصال الأساسية.
ويضيف:
- لكن ما هو الدور الذي لعبه الإخوان في تلك الأيام العاصفة الأولى؟ لقد أكد المراقبون الذين علقوا على فترة الأيام الأولى للانقلاب أن هناك صلة واضحة قائمة بين المجموعة العسكرية وبين الإخوان المسلمين. وهناك رواية، تعكس بوضوح معلومات صادرة من داخل الجماعة، تتطابق تماما مع الرأي السابق.
- «لولا المساندة المتحمسة من جانب الإخوان المسلمين، لكان محتما أن تلاقي حركة محمد نجيب مصير الحكومات المصرية الستة التي سبقها في عام 1952 لقد شارك الإخوان مشاركة فعالة في انقلاب نجيب في الصيف الماضي وقسط كبير من النجاح الذي صادفه منذ ذلك الوقت يمكن أن ينسب إلى.. مساندتهم». (9)
ويفند ميتشل شبهة عدم مساندة الإخوان للثورة، وظهور تأييد المستشار الهضيبي بعد ثلاثة أيام بقوله:
- لم يتطرق الضباط صراحة لمسألة إشراك الجماعة في الثورة إلا على نحو غير مباشرة من خلال إشارتهم، في وقت لاحق، إلى أنه لم يصدر أي بيان رسمي بالتأييد عن الجماعة خلال الأيام من 23 إلى 26 يوليو يوم أن طرد الملك من البلاد.
- وبالفعل لم يصدر مثل هذا الإعلان، فقد بقي الهضيبي في الإسكندرية، ملتزما الصمت. ولا يبدو صحيحا ذلك التفسير الذي فسرت به الحكومة هذه الحقيقة، والقائل بأن الهضيبي كان يناهض الثورة، منذ يومها الأول، وأنه لم يجرؤ على التحرك حتى تم تجريد «سيده» من السلطة نهائيًا، وإنما يكمن التفسير الصحيح في طبيعة الترتيب القائم والظروف التي أحاطت بتمرد ضباط الجيش، والذي ألقيت أعباؤه على «عاتق الإخوان المسلمين». (10)
ويضيف:
- تم التوصل لاتفاق معين بين المجموعتين بخصوص الدور الذي يمكن أن يلعبه الإخوان يوم الثورة. وحاول مخطط الاتفاق هذا أن يتحرى كل الإمكانات المحتملة والتي يمكن فيها استخدام «جيش مدني» جيد الانضباط والتدريب، فالخطوة الأولى كانت تتمثل في أن يتعهد الإخوان حماية الأجانب والمنشآت الأجنبية (بما في ذلك مراكز للنشاط التجاري والدبلوماسي) والأقليات (البيوت، الكنائس، أماكن عبادة اليهود) والمراكز الإستراتيجية للمواصلات بالمدينة.
- وكان القصد من ذلك إحباط أية محاولات من قبل أي مجموعة لاستغلال الاضطراب المتوقع في ذلك اليوم. وإلى جانب الخطوة السابقة، كان على الجماعة إن تنشئ شبكة من المخابرات حول تحركات المصريين المشتبه فيهم و«الخونة المحتملين».
- ثم يأتي بعد ذلك. وفي حالة عدم كفاية الحماس الشعبي لحركة الجيش، أن تبادر الجماعة إلى ملء الشوارع لتشعل حماسها ولتعلن التأييد الشعبي الفوري للانقلاب. ثم ثالثًا، في حالة فشل البوليس في التعاون مع الجيش، ستبعث الجماعة بجوالتها للانضمام لأي معركة قد تقع، ولتساعد في المحافظة على النظام والأمن.
- ورابعًا، إذا ما فشلت الحركة رغم كل إجراءات الوقاية والحذرفسيكون على الإخوان أن يساعدوا في حماية الضباط الأحرار وتوفير سبل الهرب لهم.ومن المفترض أن هذه الإمكانية الأخيرة كانت المسئولية الأساسية لحسن العشماوي.
- وهناك جزء خامس من الترتيب، وأن لم يكن مؤكدا بنفس الدرجة تلخص في التصدي لأي تدخل بريطاني محتمل الوقوع. ولقد قيل أن شادي زود بالسلاح وطلب منه أن يضع في مواضع إستراتيجية على الطريق من السويس أفرادًا (في زي مدني، حتى لا يثيروا أية شبهات) مجهزين بالعتاد وبالأوامر بالتحرش والتصدي لأي عودة محتملة من جانب القوات البريطانية من القناة لاحتلال العاصمة. وكان ضروريًا إلا يعلم بأمر الخطة ككل إلا عدد قليل من الأعضاء، وذلك ما حدث بالفعل. (11)
ويقول محمد نجيب:
- وهناك سبب آخر لهذه السرية أورده البعض هو أن الاتفاق قد ساد بين كل المعنيين بالأمر على أن الاشتراك الصريح للجماعة في الثورة قد يقضى بصورة آلية لتدخل الغرب، ومن ثم القضاء عليها. (12)
ثم يختم ميتشل عيبه على الضباط الأحرار من تنصله من العلاقة مع الإخوان في الثورة بقوله:
- وقد اعتبرت المحاولة اللاحقة للحكومة للتنصل من الارتباط بالجماعة لهذا السبب ولأسباب أخرى بمثابة خضوع ذليل منها للسفارات الأجنبية، وشكلت حجر أساس في حاجز العداء الذي ارتفع سريعًا بين المجموعتين.
- وفي ذلك الوقت، ومن الارتباط الطويل بين ضباط الجيش والجماعة (والذي أصبح الآن خاصية مشتركة، وأن لم يكن واضحًا من حيث التفاصيل للجمهرة الواسعة وغير المطلعة حتى الآن من الأعضاء) ومع الدور الواقعي والممكن للأعضاء في أحداث 23 يوليو والذي أضفي على علاقة الجماعة الفريدة بالثورة. (13)
دور الطلبة في الثورة
قامت ثورة 23 يوليو ولم يغب عنها طلاب الجامعة (خاصة طلبة الإخوان بحكم أنهم كانوا على علم بموعد الثورة)، لقد ذكرنا ان اتفاق تم بين قادة الإخوان وقادة الضباط الأحرار على مؤازرة الإخوان للثورة، وبالفعل وافق الإخوان بعد تشاور قادتهم مع المرشد العام، وجاءت مرحلة التنفيذ، فكان معظم المنفذين هم الطلبة بحكم تواجدهم في النظام الخاص وأيضا في جوالة الإخوان المسلمين.
يقول حسن دوح:
- ولما قامت ثورة يوليو سنة 1952 لأنها قامت على أنقاض عرش تداعى تحت ضربات شباب الإخوان في القناة وبعد أن وهن عظم الإمبراطورية البريطانية في مصر كنتيجة لضربات عمر شاهين والمنسي وشهداء إخوان وغيرهم.
وقد يقول القارئ:
- إنك تنسب الفضل كل الفضل للإخوان في المعكرة ضد الإنجليز أقول: إنني وإن كنت أؤكد هذا إلا أنني لا أنكر مشاركة الشعب عمالا وفلاحين وشارك رجال الجيش في شخص الضباط الأحرار، وضباط البوليس لا أنكر فضل هؤلاء، لكني أقول إن قيادة الإخوان الحكيمة الشجاعة كان لها الطول الأكبر في المعركة.
- لقد بدأ التدبير للمعركة في دار الإخوان المسلمين والمؤقتة في الضاهر، وكانت البداية في قسم الطلبة ثم اشترك الجهاز السري وكان يمثله المرحوم يوسف طلعت، واشترك جهاز البوليس والجيش وكان يمثله صلاح شادي وتولى قيادة المعركة من الإخوان الأستاذ محمود عبده، والمرحوم عبد القادر عودة، والمرحوم يوسف طلعت...وقد افتتح الإخوان العديد من مراكز التدريب في الإسماعيلية، وأبو كبير والتل الكبير واتخذوا من بيوتهم مراكز لتجميع القوات المحاربة. (14)
ولم يتوقف دور الطلبة على المشاركة في الثورة فحسب بل، قاموا بتأيدها بعد ذلك، ففي يوم الخميس 7 أغسطس 1952م أقيم مؤتمر الجامعات بقاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة فؤاد، حضره آلاف الطلاب والأساتذة وضباط الجيش، وكان الدافع لهذا المؤتمر هو (حركة يوليو المباركة)، فلا يُتصور أن تقوم هذه الحركة الكبرى دون أن يكون للشبيبة المثقفة والطليعة الواعية صوتٌ مسموع لتأييد الحركة وتوجيهها، وكان المؤتمر موفقًا من حيث الإعداد والتنظيم، ومن حيث المواضيع التي كانت مجال الحديث فيه.
تولى سكرتارية المؤتمر الأخ الأستاذ محمود الفوال، وافتتح المؤتمر الدكتور أحمد حسام الدين السكرتير العام لجامعة فؤاد الأول ثم تحدث فيه الأخ جمال السنهوري مندوبًا عن طلبة السودان؛
ومما جاء في كلمته:
- "نريد نظامًا غير النظام، ومنهاجًا غير المنهاج، ودستورًا غير الدستور.. نريد دستور السماء وشريعة الأنبياء، أما أنصاف الحلول، أما التردد في كلمة الحق فلن يقيم عثرة أو يقيم نهضة".
وتقدم بعده الأخ حسن دوح، فألقى كلمةً حماسيةً ضافيةً، جاء فيها تأييدٌ لحركة الجيش الباسل تأييدًا عمليًّا بلغة الدم والحديد، والبذل بالنفيس، وتطبيق حكم القرآن، وطالب الأستاذ حسن دوح في كلمته بالإفراج عن المسجونين، والتحقيق في قضايا الشهداء حسن البنا، وعبد القادر طه، وأحمد فؤاد، وأحمد شرف الدين.. وتحدث بعده مندوب القيادة من الضباط، وألقى كلمةً قويةً، قوبلت بالاستحسان.
وانتهى المؤتمر بتلاوةِ القرارات التالية:
-
- يبعث المؤتمر بتأييده للحركة المباركة التي قام بها جيشُنا الباسل، ويحيِّي اللواء محمد نجيب، ويتمنَّى له السداد والتوفيق.
- يحمد المؤتمرون للمسئولين اتجاههم السليم نحو الإفراج عن الشباب الواعي، الذي كان في طليعة الجيش الباسل في مقاومة الفساد، وكان جزاؤهم التعذيب والسجن مع الأشغال الشاقة، ويأملون أن يتم إطلاق سراحهم فورًا.
- تعبئة جميع قوى الشباب وكتائب الجامعة للحركة الوطنية والنهضة الجديدة، وفتح المعسكرات التدريبية للشباب، ونطالب بعدم تسمية الجامعات بأسماء الأشخاص، ونعلن أن اسم جامعة فؤاد من الآن هو جامعة القاهرة أو الجامعة المصرية.
- يعلن المؤتمرون إصرارَهم على إجلاء القوات الأجنبية من وادي النيل، ومقاومة أي نفوذ أو ارتباط بحلف إقليمي، كما يناصرون فلسطين في محنتها ويتمنَّون أن تُحَل قضيتُها حلاًّ عادلاً يتفق وكرامة أهلها.
- محاكمة مجرمي حرب فلسطين والمرتشين ومستغلي النفوذ بما يليق بهم من جزاء.
- إعادة التحقيق في جميع القضايا التي شوَّهها العهد البائد وحفظها لدوافع تتعارض وأحكام القانون.
- يبارك المؤتمر الخطوة الموفقة في جعل قانون "من أين لك هذا؟" واقعًا مطبقًا من الآن، ويأمل أن يكون قانون محاكمة الوزراء رجعيًّا حتى يتم التطهير المنشود.
- إلغاء ألقاب الأمراء والنبلاء من الأسرة المالكة أسوةً بباقي الشعب.
- تحديد الملكية الزراعية وفرض الضرائب التصاعدية.
- يطالب المؤتمر بعقد جمعية تأسيسية في أقرب فرصة لوضع دستور جديد، تُحدد فيه حقوق الأمة، ويتحقق معه التوازن بين السلطات؛ بحيث لا تطغى إحداها على الأخرى؛
وتوضح فيه الأهداف الآتية:
-
- شروط الحاكم.
- مسئوليته.
- تنظيم قانون الانتخاب بما يضمن إجراءها في حرية تامة. (15)
بيان الإخوان المسلمين بعد الثورة
وبعد الثورة أعلن الإخوان بيانا تؤيد فيه الثورة، ولتأكيد موقف الإخوان من الثورة
وبعد.. في الوقت الذي تستقبل البلاد فيه مرحلة حاسمة من تاريخها بفضل هذه الحركة المباركة التي قام بها جيش مصر العظيم، أهيب بالإخوان المسلمين في أنحاء الوادي أن يستشعروا ما يلقي عليهم الوطن من تبعات في إقرار الأمن وإشاعة الطمأنينة، وأخذ السبيل على الناكثين ودعاة الفتنة، ووقاية هذه النهضة الصادقة من أن تمس روعتها وجلالها بأقل أذى أو تشويه، وذلك بأن يستهدفوا على الدوام مثلهم العليا، وأن يكونوا على تمام الأهبة لمواجهة كل احتمال.
والإخوان المسلمون بطبيعة دعوتهم خير سند لهذه الحركة يظاهرونها، ويشدون أزرها حتى تبلغ مداها من الإصلاح، وتحقق للبلاد ما تصبو إليه من عزة وإسعاد.
وإن حالة الأمن لتتطلب منكم بوجه خاص أعينًا ساهرة ويقظة دائمة؛ فلقد أعدتكم دعوتكم الكريمة رجالاً يُعرفون عند الشدة، ويلبون عند أول دعوة، فكونوا عند العهد بكم، والله معكم.
وستجتمع الهيئة التأسيسية في نهاية هذا الأسبوع بإذن الله لتقرر رأي الإخوان فيما يجب أن تقترن به هذه النهضة المباركة من خطوات الإصلاح الشامل ليدرك بها الوطن آماله، ويستكمل بها مجده.. ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج: 40)، والله أكبر ولله الحمد.
المراجع
-
- يوسف القرضاوي: ابن القرية والكتاب، الجزء الأول: دار الشروق، ط1، 2004م، ص 460
- جمال حماد: أسرار ثورة 23 يوليو، الجزء الأول، دار العلوم للنشر والتوزيع،ط 2، 2010م، ص 319
- صلاح شادي: صفحات من التاريخ حصاد العمر، دار التوزيع والنشر الإسلامية، وذكر حسن العشماوي محضر الاجتماعات التي تمت بينهم وبين الضباط الأحرار في كتاب بعنوان (الأيام الحاسمة وحصادها) دار التوزيع والنشر الإسلامية.
- جمال حماد: أسرار ثورة 23 يوليو، مرجع سابق، ص 321، 322
- المرجع السابق: ص 323.
- المرجع السابق: ص 326.
- حوار مع حسين الشافعي لموقع إخوان أون لاين، 25-07-2006م
- خالد محي الدين: الآن اتلكم، مركز الأهرام للترجمة والنشر، ط1، 1992م، ص 137
- ريتشارد ميتشل: الإخوان المسلمون، ترجمة عبدالسلام رضوان، مكتبة مدبولي، ط 1، مايو 1977م، ص 211
- المرجع السابق: 212
- المرجع السابق:214 - 215
- محمد نجيب: قدر مصر في بداية الثورة ص 110، نقلا عن ميتشل، ص 315
- ميتشل: مرجع سابق، ص 317
- حسن دوح: 25 عاما في جماعة الإخوان المسلمين، دار الاعتصام
- مجلة الدعوة:العدد 78 السنة الثانية، 12 ذو القعدة 1371 هـ، 12/ 8/ 1952م، ص 15
- المرجع السابق: العدد 76 السنة الثانية، 29/7/1952م الموافق 30 شوال 1371هـ.
إعداد: عبده مصطفى دسوقي باحث تاريخي