أكدت السعودية، اليوم الثلاثاء، أن أمنها الوطني خط أحمر، بعد ساعات من غارة جوية شنها التحالف الذي تقوده المملكة على ميناء المكلا بجنوب اليمن، ودعت الرياض الإمارات إلى الاستجابة لطلب مجلس القيادة الرئاسي اليمني الذي أمهل القوات الإماراتية 24 ساعة للخروج من اليمن، في أقوى لهجة تتبناها السعودية ضد أبوظبي حتى الآن.
وفي إطار تصاعد التوتر بين القوتين النفطيتين الخليجيتين، شن التحالف هجوماً على ما وصفه بالدعم العسكري الخارجي للانفصاليين الجنوبيين المدعومين من الإمارات، بينما حدد رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني المدعوم من السعودية، مهلة نهائية للقوات الإماراتية.
وطالب العليمي جميع القوات الإماراتية بمغادرة البلاد خلال 24 ساعة وألغى اتفاقية الدفاع المشترك مع الإمارات، التي اتهمها في خطاب بثه التلفزيون بتأجيج الصراع الداخلي في اليمن.
وقال: “للأسف الشديد تأكد بشكل قاطع ثبوت قيام دولة الإمارات العربية المتحدة بالضغط وتوجيه المجلس الانتقالي بتقويض سلطة الدولة والخروج عليها من خلال التصعيد العسكري”.
ودعت السعودية الإماراتيين للاستجابة لمطالب السلطات اليمنية. ولم ترد وزارة الخارجية الإماراتية بعد على طلب للتعليق.
الحليفان يقتربان من الدخول في صراع
قادت تحركات نفذها الانفصاليون الجنوبيون المدعومون من الإمارات إلى وضع المجلس الانتقالي الجنوبي في مواجهة مع قوات الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية، وجعلت الحليفين أقرب من أي وقت مضى من الدخول في صراع شامل في اليمن الغارق في حرب أهلية منذ عام 2014.
وكانت الإمارات شريكاً في التحالف الذي تقوده السعودية لمحاربة الحوثيين المتحالفين مع إيران.
وفي عام 2019، بدأت الإمارات سحب قواتها من البلاد، لكنها ظلت ملتزمة تجاه الحكومة المعترف بها دولياً والمدعومة من السعودية.
وقال التحالف إن الضربة المحدودة تمت بعد دخول سفينتين قادمتين من ميناء الفجيرة بالإمارات إلى ميناء المكلا، يومي السبت والأحد، “دون الحصول على التصاريح الرسمية من قيادة القوات المشتركة للتحالف”.
رشاد العليمي:
— بدر العنزي (@98o80) December 30, 2025
1-إعلان حالة الطوارئ لمدة 90 يوم
2-فرض حظر جوي وبحري وبري على اجواء اليمن
3-دعوة القوات الاماراتية لمغادرة اليمن خلال 24 ساعة
4-إلغاء معاهدة الدفاع مع الإمارات
انتهى حلم دولة الجنوب بعد خروج جنود بن زايد والانتقالي راح فيها
حفظ الله المملكه العربيه السعوديه 🇸🇦 pic.twitter.com/kXYIatwCLR
وأضاف: “قام طاقم السفينتين بتعطيل أنظمة التتبع الخاصة بالسفينتين وإنزال كمية كبيرة من الأسلحة والعربات القتالية لدعم قوات المجلس الانتقالي الجنوبي”.
وكانت السعودية قد حذرت الجماعة الانفصالية الجنوبية الرئيسية من التحركات العسكرية في محافظة حضرموت الشرقية، وطلبت سحب قواتها بعد أن أعلنت توسيع سيطرتها بالجنوب في تصعيد بعد سنوات من الجمود.
ورفض المجلس الانتقالي الجنوبي الدعوة السعودية.
لا خسائر بشرية جراء الضربة
نقل إعلام رسمي سعودي عن التحالف قوله إن الغارة على ميناء المكلا لم تسفر عن سقوط قتلى أو مصابين أو أضرار جانبية.
وقال مصدران لرويترز إن القصف استهدف الرصيف الذي أُفرغت فيه حمولة السفينتين.
وتسيطر القوات المدعومة من الإمارات على مساحات واسعة من الأراضي في الجنوب، بما في ذلك محافظة حضرموت ذات الأهمية الإستراتيجية.
وفرض العليمي حظراً جوياً وبرياً وبحرياً على جميع الموانئ والمنافذ لمدة 72 ساعة، باستثناء ما يصدر بإذن وتصريح رسمي من قيادة التحالف.
وتقع حضرموت على الحدود مع السعودية وتربطهما علاقات ثقافية وتاريخية؛ فالعديد من الشخصيات السعودية البارزة تعود أصولها إلى المنطقة.
وكان المجلس الانتقالي الجنوبي في البداية جزءاً من التحالف الذي تقوده السعودية وتدخل في اليمن عام 2015 ضد جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران. لكن موقف المجلس تحول وسعى للحصول على حكم ذاتي في الجنوب.
ومنذ عام 2022، صار الانفصاليون جزءاً من تحالف يسيطر على المناطق الجنوبية الخارجة عن سيطرة الحوثيين بموجب مبادرة لتقاسم السلطة مدعومة من الرياض.
ويسيطر الحوثيون على الجزء الشمالي من البلاد، بما يشمل العاصمة صنعاء، بعد أن أجبروا الحكومة المدعومة من السعودية على البقاء جنوباً.
وقال التحالف اليوم إنه سيواصل “منع وصول أي دعم عسكري من أي دولة كانت لأي مكون يمني دون التنسيق مع الحكومة اليمنية الشرعية”.
تعقيد المشهد السياسي
ورفض مسؤولون في المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، اليوم الثلاثاء، القصف السعودي الذي استهدف ميناء المكلا، ووصفوه بأنه “انتهاك فاضح للقانون الدولي الإنساني واستهداف مباشر لحقوق المدنيين”.
وقال مسؤولو الانتقالي، في تصريحات اليوم رداً على القصف، إنه رغم صدور بيانات حاولت تقديم القصف باعتباره “عملية محدودة”، تشير الوقائع على الأرض إلى “استهداف مباشر لمنشأة مدنية حيوية تمثل شرياناً اقتصادياً ومعيشياً لآلاف السكان، ما يضع العملية في إطار مختلف تماماً، ويثير إشكالات قانونية وسياسية في آن واحد”.
ولفتوا إلى أن القصف “لم يؤدِ إلى إرباك الشارع الجنوبي، بل على العكس، عزز من حالة الالتفاف الشعبي حول المجلس الانتقالي الجنوبي”، مشيرين إلى أن القرار السياسي في الجنوب بات مرتبطاً بإجماع شعبي ولم يعد قابلاً للتأثر بالضغوط العسكرية.
وأكدوا أن استهداف موانئ حضرموت “لن يغير من واقعها الجغرافي أو السياسي، ولن يفصلها عن محيطها الجنوبي، مهما تعددت الروايات”، معتبرين أن “الزج باسم دولة الإمارات في سياق القصف، تصعيد سياسي مقصود يهدف إلى نقل الأزمة إلى الإطار الإقليمي”.
وقال هاني بن بريك، نائب رئيس هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، في تغريدة عبر منصة إكس للتواصل الاجتماعي: “قصف ميناء جنوبي مدني، انتهاك فاضح للقانون الدولي الإنساني الذي يجعل للمنشآت المدنية حماية قانونية حصينة، وهو اعتداء على حقوق المدنيين من مواطنين وتجار والذي يعد الميناء شريان تمويلهم”.
خاب ظني للأسف
— هاني بن بريك (@HaniBinbrek) December 30, 2025
السعودية تعتدي رسميًا على بلادنا حضرموت وعلى مينائها المدني، تحت مبررات واهية، ليس عندها الحق أبدًا فيما ارتكبته.
قصف ميناء جنوبي مدني، انتهاك فاضح للقانون الدولي الإنساني الذي يجعل للمنشآت المدنية حماية قانونية حصينة، وهو اعتداء على حقوق المدنيين من مواطنين وتجار…
وعبر بن بريك عن مخاوفه من أن تؤدي هذه السياسات إلى “خسارة السعودية لأصدق حلفائها الحقيقيين”، محذراً من أن المستفيد الأول من هذا المسار هم الحوثيون، كما دعا إلى إنقاذ الملف من أيدي “العابثين الذين لا يريدون خيراً لا للسعودية ولا الإمارات ولا للجنوب ولا للشمال”.
ونقلت صحيفة “4 مايو” اليمنية اليوم عن علي الجفري، عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، قوله إن لا قرار للمجلس الرئاسي على شعب الجنوب، مشيراً إلى أنهم “لا يملكون سوى 5% من مساحة البلاد”.
وأضاف الجفري أن “القوات الإماراتية وأبطال الإمارات امتزجت دماؤهم بدمائنا على ترابنا، وامتلأت مناطقنا بمشاريعهم الخيرية والإنسانية”، مؤكداً أن “شعب الجنوب قال كلمته وما زال يعلنها يومياً في كل ساحة ومحافظة.. قدمنا التضحيات وآلاف الشهداء والجرحى، وما زلنا مستعدين للمزيد، وكلنا مشاريع شهداء في سبيل إعلان دولتنا، دولة الجنوب العربي”.
ونقل موقع “يافع نيوز” عن مصادر رفيعة في المجلس الانتقالي قولها إن “الهجوم الأخير يجعل من تحالف دعم الشرعية في اليمن أمراً من الماضي”، معتبرة ما “جرى في ميناء المكلا عدواناً سعودياً منفرداً”.
وأضافت المصادر أن “هذه الضربة تلحق ضرراً بالغاً بالترتيبات الجارية لاحتواء الأوضاع في شرقي اليمن، وتزيد من تعقيد المشهد السياسي والأمني في المنطقة”.

