لم يعد الدور الذي تلعبه دولة الإمارات العربية المتحدة في الشرق الأوسط مجرد اجتهاد سياسي قابل للنقاش، بل تحول في نظر قطاع واسع من النخب العربية والمراقبين إلى "وظيفة وظيفية" تهدف لتقويض الأمن القومي العربي لصالح المشروع الصهيوني.

 

فمن سواحل عدن إلى القرن الأفريقي، ومن التطبيع المجاني إلى دعم الانفصاليين، تبدو أبوظبي وكأنها قد قطعت شعرة معاوية مع محيطها العربي، مفضلة التحالف العضوي مع تل أبيب على حساب وحدة الأمة ومصالحها الاستراتيجية.

 

هذا الانحراف الجذري جعلها، كما يصف الكاتب جمال سلطان، "مسعرة النار" في المنطقة، ومثيرة للفتن والانقلابات، حيث لم يعد لها حليف راسخ سوى إسرائيل، مما حولها إلى خطر داهم على الجميع بلا استثناء.

 

 

هذه السياسات العدائية حولت الإمارات تدريجياً إلى دولة معزولة ومنبوذة من أشقائها في المحيط العربي والإسلامي، وفقاً لتوصيف الصحفي البريطاني سامويل قيتس، الذي يرى أن أبوظبي باتت تغرد وحيدة خارج السرب، محاصرة بنتائج سياساتها المدمرة.

 

الخيانة في القرن الأفريقي.. الإمارات راعية لتقسيم الصومال

 

شكلت أزمة الاعتراف الإسرائيلي بـ"أرض الصومال" كدولة مستقلة لحظة كاشفة للموقف الإماراتي المتماهي مع المخططات الصهيونية.

 

فقد لاحظ الكاتب جمال سلطان أن البيان الرسمي الذي أصدرته 21 دولة وحكومة عربية وإسلامية لرفض هذا المشروع الانفصالي، وتأكيد وحدة الصومال، ورفض تهجير الفلسطينيين إليه، قد حظي بإجماع نادر، إلا أن الإمارات كانت الدولة الوحيدة التي رفضت التوقيع عليه.

 

 

هذا الغياب الإماراتي المتعمد عن الإجماع العربي لفت نظر الكاتب أحمد دعدوش، الذي أشار إلى أن البيان جمع الفرقاء والأصدقاء، من السعودية ومصر والسودان إلى تركيا وباكستان، حيث اتفق الجميع -حتى المطبعين منهم- على رفض المشروع الصهيوني لتقسيم الصومال، لتبقى الإمارات هي "الاستثناء الوحيد" الذي شذ عن القاعدة.

 

 

ولم يقف الأمر عند رفض التوقيع، بل كشف الناشط عز الدين ديفيدار عن الدور المعطل الذي لعبته أبوظبي داخل أروقة العمل العربي المشترك، موضحاً أن صدور البيان من خارج جامعة الدول العربية جاء لأن الإمارات تمتلك نفوذاً (فيتو) يعطل الجامعة بالكامل، مما اضطر دولاً كبرى كمصر والسعودية للتحرك بشكل منفرد لإصدار بيان يرفض الاعتراف بإسرائيل بدويلة أرض الصومال، وهو الاعتراف الذي تقف خلفه الإمارات لتحقيق مصالح خبيثة تهدف لمحاصرة مصر والسعودية في البحر الأحمر.

 

 

تأكيداً لهذا الدور، نقلت شبكة رصد عن صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية تقريراً يؤكد أن الإمارات كانت الدولة العربية الوحيدة التي لم تدن اعتراف الاحتلال بدولة أرض الصومال، مشيرة إلى أن هذا الصمت لم يكن صدفة، بل نتاج علاقات قائمة وسعي إماراتي لتأسيس قاعدة عسكرية هناك.

 

 

وقد أكد عمر الفتيري هذه الحقيقة، مشيراً إلى أن الإمارات امتنعت عن التوقيع بينما سارعت 20 دولة وهيئة عربية وإسلامية لدعم وحدة الصومال.

 

 

ويرى المحلل السياسي تامر أن ما يجري هو انتقال للحرب الباردة الإقليمية إلى الصومال واليمن، منتقداً صمت دول مثل البحرين والمغرب وتونس (بجانب الإمارات) عن الإدانة، ومتسائلاً عما إذا كانت "اتفاقيات إبراهيم" قد قيدت هذه الدول إلى حد العجز عن رفض تقسيم دولة عربية شقيقة.

 

ويشير إلى أن نتنياهو يفتح جبهة جديدة ضد تركيا والسعودية ومصر مستغلاً الغطاء الإماراتي، محذراً من أن الأطماع الإسرائيلية لن تتوقف عند غزة بل ستطال الجميع.

 

 

وفي تحليل أعمق للجذور، يرى نظام المهداوي أن الدول العربية أدانت النتيجة (الاعتراف الإسرائيلي) لكنها لم تمتلك الشجاعة لتسمية المسبب الحقيقي، وهي الإمارات التي كانت "الدولة الأولى" التي رعت مشروع تقسيم الصومال واعترفت بـ"صوماليلاند" قبل غيرها، بينما وقفت الجامعة العربية كالجثة الهامدة، مشيراً إلى أن المخطط الإماراتي يمهد لمشروع "إسرائيل الكبرى" وتطويق الإقليم.

 

 

 

استهداف العمق السعودي.. المؤامرة تتجاوز الخلاف السياسي

 

لم تقتصر الأجندة الإماراتية على القرن الأفريقي، بل امتدت لتستهدف الشقيقة الكبرى "السعودية" في عقر دارها ومجالها الحيوي. وقد توقف الدكتور محمد الهاشمي عند الهجوم اللفظي الذي شنه الأكاديمي المقرب من دوائر صنع القرار في أبوظبي، عبد الخالق عبد الله، على وزير الدفاع السعودي، متسائلاً عن دوافع وصفه بالجنون، ومحذراً المملكة من ضرورة تغيير سياستها مع الإمارات قبل فوات الأوان.

 

 

الدكتور مراد علي اعتبر هذا التطاول تطوراً خطيراً، مؤكداً أن عبد الخالق عبد الله لا يغرد إلا بضوء أخضر رسمي، وأن استهداف الأمير خالد بن سلمان (نجل الملك وشقيق ولي العهد) يعكس اتساع الهوة بين البلدين، ليس فقط في اليمن ولكن في ملفات تقسيم الصومال ومساندة إسرائيل.

 

 

وفي تفصيل للمخطط، دعا الناشط محمد عرفات إلى تجاوز أي خلاف مع السعودية حالياً، نظراً لوجود "مؤامرة كبيرة" تقودها الإمارات بالتنسيق مع الاحتلال، تهدف لتقسيم اليمن ومحاصرة المملكة والسيطرة على الموانئ والممرات البحرية، واصفاً ما يجري بالغدر الإماراتي الواضح.

 

 

وأمام هذا التمادي، يرى الدكتور رفيق عبد السلام أن الإمارات قررت خوض "حرب مفتوحة بالوكالة ومباشرة" مع السعودية عبر إطلاق يد المجلس الانتقالي في اليمن بالمال والسلاح، مشدداً على أن الوقت قد حان "لكسر ظهر أبوظبي في اليمن"، داعياً للوقوف مع الرياض في هذه المعركة المصيرية ضد مشاريع التقسيم والعبث.

 

 

 

كما أكد عبد السلام في تدوينة أخرى أن الإمارات "كيان صغير تمدد أكثر من حجمه وإمكانياته"، محذراً من أن هذا التضخم الوظيفي سيكون مدمراً لها في النهاية.

 

 

الحرب الإلكترونية وتغيير الهوية.. أدوات التفكيك الناعم

 

بالموازاة مع الحروب العسكرية والدبلوماسية، تخوض الإمارات حرباً شرسة عبر "اللجان الإلكترونية" لتزييف الوعي العربي. الدكتور عصام عبد الشافي فكك آلية عمل هذه اللجان، مشيراً إلى أنها تهاجم كل رمز للمقاومة أو الوحدة؛ فإذا ذكرت مصر هاجموا أردوغان، وإذا ذكرت الإمارات هاجموا الإخوان، وإذا ناديت بكرامة الشعوب سبوها. ويخلص إلى أن خلف هذه اللجان "صهاينة يخططون ويمولون" لتدمير وتفكيك الأمة من الداخل.

 

 

وعلى المستوى الاجتماعي، رصدت الناشطة هيفاء فؤاد ممارسات أدوات الإمارات في جنوب اليمن، مشيرة إلى العنصرية والاعتداءات التي تطال أبناء المحافظات الشمالية، مما يزرع الكراهية ويمزق النسيج الاجتماعي اليمني، في وقت يقاتل فيه بعض هؤلاء في صفوف الشرعية.

 

داخلياً، يبدو أن الإمارات تسير في مسار "تغريب" ممنهج. فقد انتقدت الناشطة نسرين نعيم القرارات الأخيرة بتعديل مواعيد صلاة الجمعة وتقليص وقت الخطبة، وربطت ذلك بتغيير العطلة الأسبوعية سابقاً لتوافق اليهود والمسيحيين (السبت والأحد).

 

واعتبرت أن تبريرات "لمة العائلة" ما هي إلا غطاء لمحاولات تهميش الشعائر الإسلامية، وربما التمهيد لإلغاء خصوصية يوم الجمعة تماماً، في سياق انسلاخ الدولة عن هويتها الإسلامية.

 

 

الدعوة للمواجهة.. هل حان وقت الحسم؟

 

أمام هذا المشهد القاتم، تعالت الأصوات المطالبة بوقف "العبث الإماراتي". السياسي ياسر اليماني دعا الدول العربية الكبرى (السعودية، مصر، قطر، سلطنة عمان) للعمل الجاد لاستعادة الإمارات إلى الحضن العربي وإنهاء "علاقتها المحرمة" بالكيان الصهيوني قبل أن تدمر المنطقة بأكملها.

 

 

بينما ذهب عبد الرحمن مطر إلى أبعد من ذلك، داعياً لتحرك الجيوش العربية لإنهاء ما وصفه بـ"الحكم الهندي" في الإمارات، وإسقاط وكلائها المتمردين في السودان (حميدتي) والصومال وجنوب اليمن، محذراً من أن التقاعس اليوم يعني أن إسرائيل ستكون على أبواب العواصم العربية غداً.