في حلقة جديدة من مسلسل "الحلول الترقيعية" التي تنتهجها حكومة الانقلاب لإدارة قطاع النقل المتهالك، كشفت مصادر بالهيئة القومية للأنفاق عن اعتزامها بدء إنشاء محطة مترو جديدة تحمل اسم "الشيخ منصور" على الخط الأول (حلوان - المرج) بحلول منتصف 2026، بتكلفة مبدئية تصل إلى مليار جنيه.

 

المشروع الذي يُسوَّق له كحل لتخفيف الزحام عن محطتي "عزبة النخل" و"المرج"، يأتي في وقت يعاني فيه المواطن من زيادات متتالية في أسعار التذاكر، بينما يرى مليارات القروض تضخ في مشاريع "تجميلية" أو "إسعافية" لا تعالج جذور الأزمة، بل تفتح أبواباً جديدة لنزع الملكية والتهجير القسري بدعوى المنفعة العامة، وسط غياب تام للشفافية في الإنفاق أو الأولويات.

 

إن الإعلان عن محطة جديدة في منطقة مكتظة أصلاً، وبالتزامن مع صفقات استيراد قطارات فرنسية باهظة، يطرح تساؤلات مشروعة حول جدوى هذه السياسات: هل نحن بحاجة لمحطات إضافية أم لتحديث البنية التحتية المتهالكة التي تجعل الرحلة اليومية جحيماً؟ وهل المليار جنيه المرصودة هي التكلفة الحقيقية أم مجرد "رقم افتتاحي" سيتضاعف كما اعتدنا في مشاريع الإسناد المباشر؟

 

نزع الملكية: 50 مليوناً "فتات" لتعويض المتضررين

 

كعادتها في كل مشروع "قومي"، تبدأ الحكومة بالجرافات قبل التعويضات. فقد كشف المصدر أن الهيئة رصدت 50 مليون جنيه فقط كتقديرات مبدئية لتعويضات نزع الملكية للعقارات والأراضي التي ستقام عليها المحطة الجديدة، وهو مبلغ يبدو هزيلاً للغاية مقارنة بأسعار السوق الحالية والتضخم الجامح.

 

يرى مراقبون أن هذا المبلغ الزهيد هو استمرار لسياسة "التهجير الاقتصادي"، حيث يُجبر المواطنون على ترك منازلهم ومصادر أرزاقهم مقابل "فتات" لا يكفي لشراء شقة بديلة في أطراف المدن. الحديث عن "توفير تعويضات إضافية في موازنة العام المقبل" هو مجرد وعد مؤجل يترك الأهالي في مهب الريح، ويعيد للأذهان مآسي نزع الملكية في مشاريع توسعة الطرق والدائري، حيث وجد آلاف الأسر أنفسهم في الشارع أو مديونين للدولة، بينما تتباهى الحكومة بإنجازاتها الخرسانية على جثث الاستقرار الاجتماعي.

 

صفقات "اليورو" والديون: تحديث أم توريط؟

 

تتزامن خطة المحطة الجديدة مع توسع محموم في الاقتراض الخارجي لتحديث الخط الأول. فصفقة الـ 55 قطاراً من شركة "ألستوم" الفرنسية، التي كلفت الخزينة 776.9 مليون يورو، وصفقة تحديث الأنظمة الكهربائية مع تحالف "أوراسكوم - هيتاشي"، تمثلان عبئاً إضافياً على كاهل الأجيال القادمة.

 

ينتقد خبراء اقتصاد هذا النمط من الإدارة الذي يعتمد على "الحلول المستوردة" الجاهزة والمكلفة، بدلاً من توطين صناعة النقل بشكل حقيقي. فالحكومة التي تتشدق بـ"الجمهورية الجديدة" لا تزال عاجزة عن صيانة خط مترو عمره 40 عاماً إلا عبر الاستعانة بالشركات الأجنبية والقروض الدولارية. هذا "التحديث بالديون" يعني حتماً مزيداً من رفع أسعار التذاكر لخدمة الديون، ليتحول المترو من وسيلة نقل للفقراء إلى "خدمة فاخرة" تستنزف جيوبهم، بينما تذهب العوائد لسداد أقساط الشركات الفرنسية واليابانية.

 

سوء التخطيط: محطة "ترقيع" لفشل قديم

 

الاعتراف الرسمي بأن محطة "عزبة النخل" تجاوزت طاقتها الاستيعابية وأن التوسع فيها "مستحيل فنياً"، هو إدانة صريحة لسوء التخطيط العمراني والهندسي الذي أهمل هذه المناطق الكثيفة لسنوات. اللجوء لإنشاء محطة وسيطة ("الشيخ منصور") بعد فوات الأوان هو حل "ترقيعي" يعكس غياب الرؤية الاستباقية.

 

فبدلاً من تطوير شبكة مواصلات تكاملية تخفف الضغط عن المترو، أو خلخلة الكثافة السكانية عبر تنمية حقيقية في الأقاليم، تلجأ الدولة لحشر محطة جديدة في مسار مكدس، بتكلفة مليار جنيه كان يمكن توجيهها لتحسين التهوية المزرية أو تقليل الأعطال المتكررة. إن هذا المشروع، بمدة تنفيذه المقدرة بـ 18 شهراً (والتي غالباً ما ستمتد لسنوات)، سيحول حياة سكان المرج وعزبة النخل إلى جحيم مروري وإنشائي طوال فترة العمل، ليخرجوا في النهاية بمحطة قد لا تحل أزمة الزحام بقدر ما ستخلق بؤراً جديدة للتكدس.

 

في المحصلة، تبدو "محطة الشيخ منصور" مشروعاً جديداً في سجل "إنجازات" الحكومة التي تجيد صب الخرسانة واقتراض المليارات، لكنها تفشل بامتياز في بناء الإنسان أو الحفاظ على كرامته وحقه في سكن آمن ونقل كريم بتكلفة عادلة.