في خطوة تصعيدية جديدة تعيد إلى الأذهان قراراته المثيرة للجدل في ولايته الأولى، وسّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قائمة الدول الخاضعة لحظر السفر الكامل إلى الولايات المتحدة، لتشمل سبع دول جديدة، من بينها سوريا وحاملو وثائق السفر الفلسطينية.

 

هذا القرار، الذي بررته الإدارة الأمريكية بحماية "الأمن القومي والسلامة العامة"، يمثل ضربة قاسية لآمال الانفتاح الدبلوماسي التي لاحت في الأفق مؤخراً، ويؤكد إصرار سيد البيت الأبيض على المضي قدماً في سياسة "أمريكا أولاً" عبر تشديد الحدود وإغلاقها في وجه رعايا الدول التي تعاني من اضطرابات، بغض النظر عن التبعات الإنسانية أو السياسية.

 

قائمة محظورات جديدة: سوريا وفلسطين في دائرة الاستهداف

 

بموجب الإعلان الرئاسي الذي وقعه ترامب، والذي سيدخل حيز التنفيذ في الأول من يناير/كانون الثاني المقبل، ينضم مواطنو سوريا، بوركينا فاسو، مالي، النيجر، وجنوب السودان، إضافة إلى حاملي جوازات السلطة الفلسطينية، إلى قائمة الممنوعين من دخول الأراضي الأمريكية. كما شمل القرار تحويل القيود الجزئية المفروضة سابقاً على لاوس وسيراليون إلى حظر كامل.

 

البيت الأبيض برر إدراج سوريا تحديداً بوجود "قصور واضح ومستمر" في إجراءات الفحص والتدقيق وتبادل المعلومات الأمنية، مشيراً إلى ارتفاع معدلات "تجاوز فترات التأشيرة" وغياب سلطة مركزية قادرة على إصدار وثائق مدنية موثوقة، رغم اعتراف البيان بوجود "تنسيق وثيق" مع دمشق.

 

وتأتي هذه الخطوة لتكمل مسلسل القيود التي بدأها ترامب في يونيو/حزيران الماضي بحظر دخول مواطني 12 دولة، لتصبح القائمة الحالية تضم دولاً محورية في الشرق الأوسط مثل إيران، ليبيا، اليمن، والسودان.

 

انقلاب على "مسار إنجاح سوريا".. عقاب بعد وعود الدعم

 

اللافت في القرار الجديد هو توقيته الذي يأتي معاكساً تماماً للتعهدات الدبلوماسية الأخيرة. فقبل أسابيع قليلة، وتحديداً في نوفمبر/تشرين الثاني، شهدت العلاقات الأمريكية السورية انفراجة نادرة عقب محادثات وصفت بالتاريخية مع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، حيث تعهد ترامب حينها بدعم مسار "إنجاح سوريا" عقب انضمامها للتحالف الدولي ضد داعش.

 

لكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن الدبلوماسية؛ إذ يبدو أن مقتل جنديين أمريكيين ومترجم مدني في هجوم نُسب لتنظيم داعش مؤخراً قد دفع ترامب لقلب الطاولة، متوعداً بـ"انتقام جاد للغاية". ويرى مراقبون أن قرار الحظر يمثل أولى خطوات هذا الانتقام، حيث تحول الدعم الموعود إلى عزل كامل، مما يضع علامات استفهام كبرى حول مستقبل العلاقات الثنائية ومصير الاستقرار السياسي الهش في سوريا.

 

سياسة "القلعة الحصينة": ترحيل وقيود بلا استثناءات

 

لا يمكن فصل قرار الحظر الأخير عن العقيدة الأمنية المتشددة التي تنتهجها إدارة ترامب منذ عودته للسلطة في يناير الماضي. فمنذ يوم تنصيبه، رفع ترامب شعار وقف "غزو الحدود"، مانحاً وكالة الهجرة صلاحيات مطلقة لملاحقة المهاجرين غير الشرعيين حتى في "الملاذات الآمنة" كالمدارس والكنائس، معتبراً إياهم سبباً رئيسياً لارتفاع معدلات الجريمة.

 

وتأتي القيود الجديدة، التي تشمل أيضاً فرض إجراءات جزئية على 15 دولة أفريقية أخرى، في سياق رد الفعل على حوادث أمنية داخلية، أبرزها حادث إطلاق النار الشهر الماضي الذي تورط فيه مواطن أفغاني دخل عبر برنامج إعادة التوطين، مما دفع الإدارة لإعادة النظر في كافة آليات التدقيق.

 

بهذه الإجراءات، يرسم ترامب ملامح ولاية ثانية عنوانها الأبرز هو "الانغلاق الأمني"، محولاً الولايات المتحدة إلى قلعة حصينة يصعب اختراقها، حتى لو كان الثمن هو تقويض تحالفات دولية أو تعميق مآسي شعوب تبحث عن ملاذ آمن.