وصول أعداد الكلاب الضالة في مصر إلى ما يتجاوز 40 مليون كلب، وفق تصريحات رسمية من رئيس جمعية الرفق بالحيوان، ليس مجرد رقم صادم، بل فضيحة إدارة ومرآة لانهيار منظومة الحكم المحلي والبيئة والصحة العامة تحت حكم الانقلاب.
في بلد تعجز حكومته عن جمع القمامة من الشوارع، وضبط منظومة النظافة، والتخطيط الحضري، تصبح الكلاب الضالة عرضاً طبيعياً لدولة تترك المواطن فريسة للفوضى: قمامة في كل زاوية، عشوائيات بلا خدمات، مخاطر صحية يومية، ثم يخرج المسؤولون للحديث عن "شلاتر" ومراكز إيواء كأنها إنجاز، بينما أصل الكارثة هو عجز السلطة عن القيام بأبسط واجباتها.
انفجار أعداد الكلاب.. نتيجة مباشرة لفشل إدارة القمامة
الدكتور شهاب عبد الحميد يؤكد أن "التعداد الطبيعي" للكلاب في مصر لا ينبغي أن يتجاوز 8 ملايين كلب، بينما الواقع الحالي يقترب من 40 مليوناً، أي خمسة أضعاف المعدل الطبيعي. السبب الرئيسي كما يقول: تراكم القمامة.
هذا التصريح وحده يكفي لإدانة منظومة كاملة من الإدارة الفاشلة للمدن. أكوام القمامة في الشوارع ليست فقط مظهراً قبيحاً، بل مصدر غذاء دائم للكلاب والقطط والقوارض والحشرات، ما يؤدي إلى انفجار في أعدادها، ويهدد الصحة العامة وانتشار الأمراض.
عندما تفشل حكومة في ضبط ملف بسيط ومباشر مثل جمع القمامة، فلا عجب أن تفشل في ضبط الأمن، أو الأسعار، أو المرور، أو الخدمات. الكلاب الضالة هنا ليست "مشكلة حيوانات"، بل عنوان لخلل شامل في إدارة الدولة.
خطر على المواطنين وتوازن بيئي منهار
انتشار 40 مليون كلب ضال في الشوارع يعني عملياً:
- تزايد حالات العقر والاعتداء على المواطنين، خصوصاً الأطفال وكبار السن.
- تهديد مباشر للصحة العامة عبر انتشار الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان مثل السعار.
- إخلال حاد بالتوازن البيئي داخل المدن والقرى، حيث يتحول الشارع إلى مساحة غير آمنة.
الحكومة التي تترك المواطن مهدداً في طريقه إلى المدرسة أو العمل، ومحاصراً بالقمامة والكلاب الضالة، لا يمكنها الادعاء أنها "تحافظ على الأمن والاستقرار". الأمن الحقيقي يبدأ من شارع نظيف، وبيئة صحية، وشعور المواطن بأن الدولة تحميه لا تتركه في مواجهة الخطر اليومي.
شلاتر ومراكز إيواء.. حلول جزئية لفضيحة أكبر
يتحدث رئيس جمعية الرفق بالحيوان عن حل عملي عبر إنشاء "شلاتر" أو مراكز إيواء للكلاب الضالة في كل محافظة، وفق خطة زمنية، وبما يتناسب مع التعداد السكاني. على الورق يبدو الكلام منطقياً، لكن السؤال: لماذا نذهب مباشرة إلى النتائج ونتجاهل الأسباب الجذرية؟
- ما جدوى بناء مراكز إيواء إن استمرت القمامة تملأ الشوارع وتوفر غذاءً مجانياً لتكاثر الكلاب؟
- من يمول هذه الشلاتر؟ وكيف ستدار؟ وهل هناك شفافية في العقود والإنفاق؟
- هل لدى الدولة فعلاً إرادة سياسية لربط هذا الملف بمنظومة شاملة للنظافة والتخطيط وإدارة المخلفات، أم أنه مجرد مشروع جديد يُضاف لقائمة المشروعات الورقية والشو الإعلامي؟
تعميم تجربة الشلاتر قد يخفف من حدة الأزمة على المدى الطويل، لكن دون تغيير حقيقي في إدارة ملف القمامة والبيئة، ستظل هذه المراكز محاولة لترقيع ثقب في سفينة تغرق.
محافظة القاهرة "تخصص أرضاً".. أين كانت الدولة طوال السنوات الماضية؟
تصريح محافظ القاهرة عن تخصيص قطعة أرض بمساحة 2800 متر في مدينة التبين لإنشاء مكان لإيواء الكلاب الضالة، يأتي وكأنه إنجاز استثنائي، بينما الحقيقة أنه تحرك متأخر جداً أمام أزمة وصلت إلى مستوى "خطير جداً" باعتراف المختصين.
إذا كان لدى الدولة القدرة على تخصيص الأراضي للشلتر، فلماذا لم تتوفر الإرادة لتخصيص منظومة متكاملة لجمع القمامة وإعادة تدويرها؟ لماذا تتوسع الدولة في بيع الأراضي للمستثمرين والمشروعات العقارية الفاخرة، بينما تتردد في بناء بنية تحتية حقيقية لحياة الناس اليومية: نظافة، صرف صحي، حدائق، تنظيم عمراني؟
تخصيص أرض واحدة في محافظة واحدة لاحتواء أزمة بحجم 40 مليون كلب ضال، يبدو أقرب إلى محاولة لرفع الحرج الإعلامي، وليس جزءاً من خطة وطنية متعددة المحاور.
40 مليون كلب ضال.. وجه آخر لسياسات الفوضى
الانفجار في أعداد الكلاب الضالة ليس حادثاً طبيعياً، بل نتيجة سياسية مباشرة لسنوات من الإهمال، وغياب التخطيط، وتراجع دور مؤسسات الحكم المحلي، وتركيز السلطة على ملفات الشو الإعلامي والمشروعات العملاقة، بينما تنهار الخدمات الأساسية تحت أقدام الناس.
حين تتحول الشوارع إلى مكبات قمامة مفتوحة، وتغيب الرقابة على الذبح والمجازر، وتتراجع حملات التوعية والتطعيم والتعقيم، تكون النتيجة منطقية: فوضى حيوانية توازي الفوضى الإدارية.
في النهاية، 40 مليون كلب ضال ليست مجرد "أزمة حيوانات"، بل عنوان لمرحلة كاملة من سوء الإدارة تحت حكم الانقلاب، حيث يدفع المواطن ثمن الفشل في الأمن والنظافة والصحة والبيئة، بينما لا يجد من السلطة سوى تصريحات ووعود، وبعض الأراضي المخصصة لمراكز إيواء لا تعالج أصل المشكلة ولا تعيد للمواطن حقه في شارع آمن ونظيف.

