عادت القاهرة والجزائر إلى تبادل الإشارات الدافئة، وبدأت دوائر السياسة تراقب المشهد بحثاً عن تأثيرات محتملة على علاقة مصر بالرباط. يوضح الكاتب صالح سالم أنّ الزيارات الرسمية الأخيرة أطلقت تساؤلات حول ما إذا كان هذا الحراك سيعيد رسم توازنات شمال أفريقيا.
تقارب اقتصادي يفتح شهية القاهرة والجزائر
وذكر العربي الجديد أن رئيس الوزراء الجزائري سيفي غريب وصل إلى القاهرة في نهاية نوفمبر، مصحوباً بوفد رفيع من المسؤولين ورجال الأعمال، وينطلق مباشرة إلى أجندة اقتصادية مكثفة. تنعقد اللجنة العليا المصرية الجزائرية خلال الزيارة، وتوقع الدولتان سلسلة اتفاقيات ومذكرات تفاهم تعكس رغبة واضحة في توسيع التعاون خلال الفترة المقبلة.
يقرأ محللون في القاهرة والجزائر هذا المشهد باعتباره محاولة لصياغة تكتل اقتصادي جديد في شمال أفريقيا، تكتل يمكنه جذب دول أخرى وتعزيز وحدة إقليمية تحتاجها المنطقة وسط أزمات الشرق الأوسط.
يؤكد بوهيدل رضوان، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، أنّ هذا التعاون يحمل بعداً استراتيجياً كبيراً، ويوضح أنّ تعميق الشراكة قد يوسع القدرات الاقتصادية والتكنولوجية للبلدين ويعزز نفوذهما الدبلوماسي. ويرى أن القاهرة والجزائر قادرتان على توسيع هذا التعاون ليشمل الملفات السياسية والأمنية.
هواجس مغربية خلف المشهد
يشتعل الجدل بعد 24 ساعة من زيارة الوفد الجزائري عندما تفرض الرباط رسوماً لمكافحة الإغراق بنسبة 92.19% على واردات PVC المصرية، وهي خطوة تتجاوز كونها خلافاً تجارياً عادياً بسبب توقيتها. تنتشر التكهنات حول ما إذا كانت الخطوة رسالة غضب من المغرب تجاه التقارب المصري الجزائري.
تتزايد الإشارات في الأيام التالية. جماهير مغربية تطلق موجة من العداء ضد فريق مصري في مباراة بدوري أبطال أفريقيا، ويرى البعض أن هذا الغضب موجّه للقاهرة لا للفريق.
يشير محللون إلى أنّ هذه الأحداث جزء من حساسية مغربية مستمرة تجاه أي اصطفاف إقليمي يعزز موقف الجزائر. يشرح رضوان أنّ الرباط تراقب بدقة التحالفات التي تبنيها الجزائر، خصوصاً حين تمتد إلى الأمن والطاقة والدبلوماسية والتسليح.
في الخلفية يظل ملف الصحراء الغربية عنواناً دائماً للتوتر. القاهرة تتبنّى موقفاً حذراً منذ عقود، فلا تنحاز للمغرب الذي يؤكد سيادته على الإقليم، ولا تنحاز للجزائر التي تدعم البوليساريو. تعلن مصر رغبتها في وساطة أممية وتجنب أي صراع إقليمي قد يمتد إلى ليبيا ويضغط على أمنها القومي.
يشرح الباحث المصري محمد ربيع الديهي أنّ انسحاب القاهرة من مناورات "أفريقيا للسلام 3" في الجزائر خلال مايو 2025 جاء اعتراضاً على مشاركة البوليساريو، لكنه لا يشير إلى تأييد للموقف المغربي. ويضيف أنّ مصر تفضل حل النزاع عبر الأمم المتحدة.
المصالح الاقتصادية تحكم اتجاه البوصلة
تبحث القاهرة عن تنويع مصادر الغاز بعد انخفاض الإنتاج المحلي وارتفاع الطلب الصناعي، ويُنظر إلى الجزائر باعتبارها مورّداً موثوقاً وقادراً على تعويض التقلبات العالمية. الغاز لا يشرح وحده رغبة القاهرة في تعزيز العلاقات، لكنه عنصر محوري في حسابات الأمن القومي والطاقة.
في الوقت نفسه تعرض مصر نموذجاً جديداً لإعادة الإعمار من خلال مشروعات المدن العملاقة التي تُقام في الصحراء، وعلى رأسها العاصمة الإدارية الجديدة التي يحرص رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي على تقديمها لنظرائه كدليل على قدرات القاهرة العمرانية.
يصل حجم التجارة المصرية الجزائرية إلى مليار دولار بنهاية 2025، ويفتح الجانبان شهية أكبر للوصول إلى خمسة مليارات خلال ثلاث إلى خمس سنوات. يصف مدبولي هذا الهدف بأنه قابل للتحقق، بينما ينتظر المراقبون ما إذا كان هذا الطموح سيمر دون تأثير على علاقات القاهرة بالرباط.
في القاهرة يبرز رأي يدافع عن توازن السياسة المصرية. يلفت السفير محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إلى أن مصر تحافظ على علاقات متوازنة مع كل الدول العربية، ولا يرى سبباً لاعتراض المغرب على توسيع التعاون الاقتصادي بين القاهرة والجزائر، خاصة أنّ الزيارة الأخيرة ركزت على التعاون التجاري والاستثماري فقط.
خلاصة المشهد
تبحث القاهرة عن ممرات آمنة وسط شبكة معقدة من التحالفات المتناقضة في شمال أفريقيا. تحاول الإمساك بالعصا من المنتصف بين الرباط والجزائر، بينما تستثمر في الطاقة والتجارة والعمران. يبقى السؤال مفتوحاً حول قدرة هذه العلاقات المتشابكة على البقاء مستقرة في منطقة لا تهدأ.
https://www.newarab.com/news/egypt-courts-algeria-will-it-impact-ties-morocco

