دخل السودان منعطفًا أكثر دموية خلال الأيام الماضية بعدما شهدت بلدة كلوقي بولاية جنوب كردفان واحدة من أسوأ الهجمات منذ اندلاع الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع المدعومة من الإمارات، في أبريل 2023. فقد أدى الهجوم الذي نُفذ بطائرة مسيّرة إلى مقتل عشرات المدنيين، بينهم نسبة كبيرة من الأطفال، فيما تواصلت الإدانات المحلية والدولية وسط تحذيرات من أنّ الوضع الأمني والإنساني يقترب من نقطة الانهيار الكامل.

 

الهجوم لم يكن مجرد حادثة عابرة، بل تحوّل إلى علامة فارقة في الحرب، لكونه استهدف روضة أطفال والمستشفى، وأصاب المسعفين أثناء محاولتهم إنقاذ الجرحى، وهو ما وصفته الخارجية السودانية بـ“مذبحة مكتملة الأركان”، فيما اعتبره الاتحاد الأوروبي “جريمة حرب واضحة”.

 

تسلسل الهجوم.. ثلاث ضربات تهز كلوقي

 

أكّد مسؤولون محليون أن الطائرة المسيرة التي نُسبت لقوات الدعم السريع نفّذت ثلاث ضربات متتالية يوم الخميس الماضي:

 

- الضربة الأولى: استهدفت روضة الأطفال أثناء وجود عشرات التلاميذ داخلها.

 

- الضربة الثانية: أصابت المستشفى بينما كان أهالي الضحايا والمسعفون يحاولون نقل المصابين.

 

- الضربة الثالثة: جاءت أثناء عمليات الإنقاذ، فأوقعت المزيد من الجرحى والقتلى.

 

وأوضح عصام الدين الننو، المدير التنفيذي لمحلية كلوقي، أنّ ارتفاع حصيلة القتلى جاء نتيجة الإصابات الخطيرة وعدم قدرة بعض الأسر على الوصول إلى المستشفى الذي تعرض بدوره للقصف.

 

وتراوحت التقديرات الأولية للضحايا بين 79 و114 قتيلاً، قبل أن تؤكد مصادر طبية ومنظمات محلية وصول العدد إلى أكثر من 114 قتيلاً، بينهم عشرات الأطفال.

 

أصوات الأطفال.. في مرمى الطائرات المسيّرة

 

منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسف وصفت الهجوم بأنه “انتهاك مروّع لحقوق الطفل”، مؤكدة مقتل أكثر من 10 أطفال تتراوح أعمارهم بين 5 و7 سنوات داخل الروضة.

 

ممثل اليونيسف في السودان، شيلدون ييت، شدد على أن “قتل الأطفال داخل مدرستهم أمر لا يمكن القبول به في أي ظرف"، داعيًا جميع الأطراف إلى وقف الهجمات فورًا والسماح بوصول الإغاثة الإنسانية دون عوائق.

 

واعتبرت المنظمة أن الهجوم يأتي ضمن تدهور خطير في الوضع الأمني بكردفان منذ نوفمبر الماضي، الأمر الذي تسبب في نزوح أكثر من 40 ألف شخص خلال شهر واحد فقط.

 

إدانات دولية تتصاعد.. الاتحاد الأوروبي يدخل على الخط

 

لم تتأخر ردود الفعل الدولية، إذ قالت مفوضة إدارة الأزمات في الاتحاد الأوروبي، حاجة لحبيب، إن ما وقع في كلوقي “جريمة حرب واضحة”، مؤكدة ضرورة المحاسبة العاجلة.

 

وأضافت أن استهداف المدنيين والبنية التحتية الأساسية مثل المدارس والمستشفيات “محظور تمامًا” بموجب القانون الدولي.

 

كما دعت أطراف الصراع إلى احترام التزاماتها القانونية وحماية المدنيين والعمل على ضمان وصول المساعدات الإنسانية.

 

اتساع رقعة المواجهات.. من كردفان إلى الدمازين

 

لم يتوقف التصعيد عند حدود كلوقي:

 

في الدمازين بولاية النيل الأزرق، أعلن الجيش تصديه لطائرات مسيرة أطلقتها قوات الدعم السريع.

 

مصدر حكومي أكد انقطاع الكهرباء عن المدينة بعد قصف استهدف محطة التوليد.

 

بالمقابل، اتهمت قوات الدعم السريع الجيش بقصف معبر أدري الحدودي مع تشاد.

 

وتشير المعطيات الميدانية إلى أن المعارك اتسعت خلال الأسابيع الماضية لتشمل ولايات كردفان الثلاث، بالتزامن مع سيطرة الدعم السريع على كامل ولايات دارفور الخمس.

 

اتهامات خطيرة بالاغتصاب.. الوجه الأكثر قسوة للحرب

 

أصدرت شبكة أطباء السودان بيانًا صادمًا أكدت فيه توثيق 19 حالة اغتصاب تعرضت لها نساء نازحات من الفاشر إلى مخيم العفاف شرقي الدَبّة، نُسبت لعناصر من قوات الدعم السريع.

 

وقالت الشبكة إن اثنتين من الضحايا في حالة حمل، محذّرة من أن الاعتداءات الجنسية باتت تُمارس كـ"سلاح حرب" ضد الفئات الأضعف.

 

وجاء ذلك بعد تقارير سابقة سجلت 32 حالة اغتصاب لفتيات نزحن من الفاشر إلى مخيم طويلة، منذ سيطرة الدعم السريع على المدينة أواخر أكتوبر.

 

ولم تُصدر قوات الدعم السريع تعليقًا فوريًا على الاتهامات الجديدة، فيما كان قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي) قد أقر سابقًا بحدوث "تجاوزات" ووعد بالتحقيق.

 

حرب بلا أفق.. ملايين النازحين ومشهد إنساني ينحدر

 

منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023:

 

- قُتل عشرات الآلاف من المدنيين.

 

- نزح أكثر من 12 مليون سوداني في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية عالميًا.

 

تعيش ولايات كردفان ودارفور أوضاعًا مأساوية، وسط نقص بالدواء والغذاء وغياب شبه كامل للرعاية الصحية.

 

ويحذر محللون من أن توسع المعارك داخل كردفان يهدف إلى كسر دفاعات الجيش حول وسط السودان، ما قد يفتح الطريق أمام الدعم السريع لمحاولة التقدم نحو مدن استراتيجية، بينها الخرطوم.

 

تصريحات سياسية تزيد الغموض

 

أكد نائب رئيس مجلس السيادة، مالك عقار، أن الدولة “لم تخسر الحرب”، معتبرًا أن خسارة بعض المعارك أمر طبيعي. ودعا القوى السياسية إلى توحيد الصفوف.

 

تصريحه جاء في وقت تتسع فيه دائرة القتال الميداني، وتزداد فيه مساحات سيطرة الدعم السريع غرب البلاد، في مقابل تحصن الجيش في الوسط والشرق والشمال.