في ظل الانهيار الاقتصادي المتسارع الذي تعيشه مصر تحت وطأة سياسات حكومة الانقلاب، لم يعد المواطن المصري يملك سوى جدران منزله ليحتمي بها من قسوة الحياة، إلا أن "آلة الجباية" الحكومية تأبى إلا أن تلاحقه حتى في مأواه الأخير.
فقد فجرت "جمعية خبراء الضرائب المصرية" قنبلة من العيار الثقيل في وجه الحكومة، مطالبة بوقف هذا العبث التشريعي وإعفاء السكن الخاص من الضريبة العقارية بشكل كامل ودون شروط، معتبرة أن استمرار فرض هذه الإتاوات هو تعدٍ صارخ على حقوق الإنسان الأساسية ومخالفة صريحة للدستور، في وقت باتت فيه السلطة لا تتقن سوى فن "مد اليد" إلى جيوب المواطنين الخاوية.
السكن.. حق دستوري تحوله السلطة إلى "سلعة" للجباية
أكد أشرف عبد الغني، مؤسس جمعية خبراء الضرائب، في تصريحاته أن التعامل مع "سكن الأسرة" وعقار السكن الخاص كوعاء ضريبي هو انتهاك لمفهوم الحماية الاجتماعية. فالسكن ليس ترفاً ولا استثماراً، بل هو حق إنساني وقانوني ودستوري أصيل. واستندت الجمعية في هجومها على المادة 78 من دستور 2014، التي تنص صراحة على أن "الحق في السكن يحفظ كرامة الإنسان ويحقق العدالة الاجتماعية".
إن إصرار حكومة الانقلاب على تحصيل ضرائب من عقار لا يدر دخلاً، بل هو مجرد مأوى لستر الأسر، يعكس غياباً تاماً لأي رؤية اجتماعية، ويحول الدولة من راعٍ لمصالح الشعب إلى "مُحّصل ديون" يسعى لجمع الأموال بأي طريقة لسد عجز موازناته الفاشلة، ضارباً عرض الحائط بكرامة المواطن التي كفلها الدستور.
خدعة "حد الإعفاء".. أرقام هزيلة تلتهمها نيران التضخم
وفي تفنيد لمزاعم الحكومة حول "التخفيف" عن المواطنين، أوضحت الجمعية أن الأرقام التي تروج لها السلطة "منفصلة عن الواقع". فعند صدور القانون المشؤوم رقم 196 لسنة 2008، كان حد الإعفاء 6 آلاف جنيه، ثم ارتفع في 2013 إلى 24 ألف جنيه. واليوم، وبعد مرور أكثر من عقد من الزمان شهدت فيه مصر موجات تضخم غير مسبوقة وانهياراً تاريخياً لقيمة الجنيه، تتحدث التعديلات المقترحة عن رفع الحد إلى 50 ألف جنيه فقط!
هذا الرقم الهزيل لا يساوي شيئاً أمام القوة الشرائية المتآكلة للعملة، مما يجعل "الإعفاء" مجرد حبر على ورق، ويؤكد أن الحكومة تمارس نوعاً من الخداع البصري؛ فهي ترفع الأرقام شكلياً بينما القيمة الحقيقية للإعفاء تتبخر، ليجد المواطن نفسه مديناً للدولة بضريبة على منزله الذي لا يملك غيره.
منطق "الجباية" الأعوج.. مطاردة أصحاب المعاشات في مأواهم الأخير
انتقد التقرير بشدة الفلسفة التي بني عليها قانون الضريبة العقارية، واصفاً إياها بأنها "تتناقض مع المنطق السليم". فافتراض مصلحة الضرائب أن المواطن سيقوم بتأجير سكنه الخاص وبالتالي يحقق إيراداً يستحق الضريبة، هو افتراض وهمي لا وجود له إلا في خيال من وضعوا القانون لنهب المواطنين.
الواقع المؤلم الذي تتجاهله الحكومة هو أن الغالبية العظمى من حالات السكن الخاص هي إما ميراث أو شقاء عمر لأشخاص أصبحوا الآن من أرباب المعاشات. هؤلاء المواطنون الذين أفنوا أعمارهم لامتلاك "أربعة جدران"، أصبحوا الآن مهددين في خريف عمرهم بالحجز الإداري على سكنهم أو حتى الحجز على معاشاتهم الهزيلة لسداد ضريبة ظالمة، في سابقة لا تحدث إلا في ظل أنظمة لا تراعي حرمة البيوت ولا كرامة المسنين.
فشل إداري ذريع.. حكومة تعجز عن الحصر وتستسهل "جيب المواطن"
لم يقف هجوم الجمعية عند الجانب الإنساني، بل امتد ليفضح الفشل الإداري والمالي للحكومة. فوفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تمتلك مصر ثروة عقارية تتجاوز 42 مليون وحدة سكنية. ومع ذلك، فإن حصيلة الضريبة العقارية لا تتجاوز 7.9 مليار جنيه، وهو رقم "مخجل" يكشف عجز الدولة عن ملاحقة كبار الملاك والمتهربين الحقيقيين، ولجوئها بدلاً من ذلك إلى الحل الأسهل وهو "حلب" المواطن البسيط في سكنه الخاص.
وأكدت الجمعية أن الحصر الحقيقي والعدالة في التحصيل من العقارات الاستثمارية والتجارية كفيل بمضاعفة هذه الحصيلة مرات عدة دون الحاجة إلى المساس بالسكن الخاص، لكن الحكومة تفضل دائماً الطريق الذي يدهس الفقراء.
الخلاصة: مطلب عاجل بوقف المهازل
وشددت الجمعية في ختام مطالبتها على ضرورة التدخل التشريعي الفوري لإعفاء السكن الخاص من الضريبة العقارية "دون شروط أو قيود"، ووقف هذه المهازل التي تزيد من احتقان الشارع. إن الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتردية التي يعيشها المصريون في "زمن الانقلاب"، والتي وصلت حد إهدار كرامة الإنسان في طوابير الغلاء والبحث عن لقمة العيش، لا تحتمل مزيداً من الضرائب على المأوى والستر.

