في حلقة جديدة من مسلسل التخبط الاقتصادي والقرارات العشوائية التي باتت السمة الأبرز لـ "جمهورية الجباية"، وجهت حكومة الانقلاب ضربة قاصمة لقطاع السياحة -الشريان شبه الوحيد المتبقي للاقتصاد المتداعي- عبر قرار مفاجئ برفع رسوم تأشيرة الدخول إلى البلاد من 25 إلى 45 دولاراً. هذا القرار، الذي أقره عبد الفتاح السيسي، قائد الانقلاب الدموي، ونشرته الجريدة الرسمية ضمن تعديلات القانون رقم 175 لعام 2025، لا يعكس سوى عقلية سلطوية لا ترى في القادمين إلى مصر، سواء كانوا سياحاً أو مستثمرين، سوى "محفظة نقود" يجب استنزافها عند أول بوابة، دون أي اعتبار لقواعد المنافسة العالمية أو التداعيات الكارثية على سمعة المقصد السياحي المصري.
سياسة "تطفيش" السائحين لصالح المنافسين
لم يتأخر رد الفعل الغاضب من صناع السياحة الذين استشعروا الخطر الداهم، حيث حذر اتحاد الغرف السياحية من أن هذا القرار بمثابة "هدية مجانية" للوجهات المنافسة في المنطقة، التي تتسابق لتقديم التسهيلات والإعفاءات لجذب السياح، بينما تصر مصر على فرض "إتاوات" حدودية.
وفي خطاب عاجل لوزير سياحة الانقلاب، دق حسام الشاعر، رئيس الاتحاد، ناقوس الخطر، مطالباً بوقف هذه المهزلة فوراً. وأكد الشاعر أن هذه الزيادة تضرب الميزة التنافسية الوحيدة المتبقية لمصر وهي "الجاذبية السعرية"، مشدداً على أن المنطق الاقتصادي السليم يقتضي اتخاذ قرارات تشجع السائحين على المجيء، لا فرض أعباء تمنعهم من مجرد التفكير في حجز تذكرة الطيران إلى مصر، خاصة في ظل تنامي أسواق بديلة تقدم خدمات أرقى بأسعار منافسة وبدون هذه التعقيدات البيروقراطية.
صدمة الأسواق الدولية.. وتخبط القرار
صدى القرار العشوائي وصل سريعاً إلى الأسواق المصدرة للسياحة، حيث وصف آرثر موراديان، رئيس جمعية منظمي الرحلات السياحية في روسيا، الخطوة بأنها "مفاجئة" وغير مدروسة، خاصة أنها تأتي في توقيت حساس تسعى فيه دول المنطقة لتسهيل دخول السياح الروس.
ورغم محاولة موراديان التخفيف من وقع الصدمة بتوقعه "تأخيراً طفيفاً" في عودة التدفقات، إلا أن تصريحاته حملت تحذيراً مبطناً من أن مصر، التي تُعد الوجهة الأرخص شتاءً للروس، تغامر بفقدان هذه الميزة. وأشار إلى ضرورة عدم "التشويش" على هذا التوجه بقرارات عبثية، مؤكداً أن السائح الروسي -والأجنبي عموماً- يحسب تكاليف رحلته بدقة، وأي زيادة غير مبررة قد تكون العامل الحاسم في تحويل وجهته إلى دولة أخرى تحترم زوارها ولا تستقبلهم بزيادة الرسوم.
مبررات واهية.. جباية لتمويل مباني الحكومة
المثير للسخرية والمرارة في آن واحد، هو التبرير الذي ساقه النظام لتمرير هذه الزيادة، حيث جاءت تحت مظلة "توفير رسوم لصالح مباني وزارة الخارجية"، وكأن السائح الأجنبي ملزم بتمويل إنشاءات الحكومة ومبانيها الإدارية من جيبه الخاص!
هذا المنطق المعوج يكشف عن إفلاس حقيقي في الرؤية؛ فبدلاً من توسيع قاعدة الإيرادات عبر زيادة عدد الليالي السياحية والإنفاق داخل البلاد، تلجأ حكومة الانقلاب للحل الأسهل والأكثر غباءً اقتصادياً: "مد اليد" إلى جيب السائح فور وصوله المطار، في تناقض فج مع الأرقام الرسمية التي تزعم ارتفاع عدد السائحين بنسبة 25% خلال النصف الأول من 2025. فإذا كانت السياحة منتعشة كما تدعون، لماذا تفرضون مزيداً من الرسوم المعرقلة؟
أبواق التبرير.. إنكار الواقع لتجميل الصورة
وكعادة كل قرار كارثي، انبرت الأصوات المؤيدة للسلطة لتبرير "غير المبرر". فقد خرج محمد عثمان، عضو اتحاد الغرف السياحية، ليقلل من شأن الكارثة، زاعماً أن الزيادة "طفيفة" ولن تؤثر على الإنفاق، بل ستنعكس إيجاباً على العوائد! وهو منطق غريب يفترض أن السائح سيفرح بدفع أموال إضافية دون مقابل.
وعلى نفس المنوال، وصف وليد البطوطي، مستشار وزير السياحة الأسبق، القرار بأنه "طبيعي"، متذرعاً بأن الرسوم لا تزال أقل من دول أخرى، ومتجاهلاً أن تلك الدول تقدم بنية تحتية وخدمات سياحية تتفوق بمراحل عما تقدمه مصر في ظل الإهمال الحالي. إن محاولة تصوير الأمر على أنه مجرد "بند في تكلفة البرامج السياحية" هو استخفاف بعقول المواطنين والخبراء، ومحاولة يائسة للتغطية على حقيقة أن حكومة الانقلاب لا تتقن سوى فن الجباية، حتى لو كان الثمن تدمير أهم قطاع اقتصادي في البلاد.

