في خطوة جديدة تكشف عن أولويات نظام الانقلاب المعكوسة، أعلنت الشركة القابضة للبتروكيماويات عن مشروع لإنتاج "وقود طائرات مستدام" (SAF) يعتمد على تدوير زيت الطعام المستعمل الذي يجمعه المصريون بشق الأنفس.

 

وبينما يواجه المواطن أزمات معيشية طاحنة وغلاءً فاحشاً في أسعار الزيوت الغذائية، تتباهى الحكومة بتوقيع اتفاق مع شركة "هانيويل" الأمريكية لتوفير التكنولوجيا، ليس لتوفير سلع رخيصة للشعب، بل لتحويل نفايات مطابخهم إلى وقود لرفاهية السفر الجوي وتصديره للخارج بالدولار، في استغلال فج لموارد البسطاء لصالح خزانة نظام لا يشبع من العملة الصعبة.

 

ثروة الفقراء في خدمة الأثرياء

 

اعترف إبراهيم مكي، رئيس الشركة القابضة، بأن الميزة الأهم للمشروع هي "توفر المادة الخام في السوق المصرية"، قاصداً بذلك الزيت المستعمل (يوكو) الذي يتخلص منه الشعب أو يبيعه لتدويره.

 

هذا الاعتراف الفج يؤكد أن الحكومة تنظر إلى مخلفات المواطنين كـ "منجم ذهب" يجب استغلاله، حيث يتراوح سعر الطن من هذا الزيت عالمياً بين 700 و1000 دولار، بينما يقفز سعر الوقود المنتج منه إلى 3000 دولار.

 

بدلاً من دعم صناعات تخدم المواطن مباشرة أو تخفف عنه أعباء الغلاء، تسعى الحكومة لجمع 160 ألف طن من الزيوت المستعملة لإنتاج 120 ألف طن من وقود الطائرات سنوياً.

 

إن هذه السياسة تعكس بوضوح انحياز النظام؛ فالفقراء يوفرون "الخام"، والأثرياء والشركات الأجنبية يجنون الأرباح من وقود الطائرات، في دائرة استغلال مغلقة لا يرى منها المواطن سوى الدخان.

 

ديون جديدة تحت غطاء "الاستدامة"

 

يأتي هذا المشروع مدفوعاً بالتزامات دولية لخفض الكربون، وهو ما يعني أن الحكومة تسعى لإرضاء الغرب والاتحاد الأوروبي بأي ثمن، حتى لو كان ذلك عبر الاستدانة.

 

فالمشروع الذي تبلغ تكلفته 570 مليون دولار، يعتمد بشكل كبير على القروض والمنح الخارجية، حيث قدم البنك الأوروبي لإعادة الإعمار منحة ودراسة جدوى، وسيتولى جمع التمويلات المتبقية.

 

هذا النهج يضيف أعباء ديون جديدة على كاهل الدولة المثقلة أصلاً، تحت مسمى مشاريع "خضراء" براقة، بينما الواقع يؤكد أن العائد منها سيذهب لسداد فوائد الديون ولجيوب الشركاء الأجانب مثل شركة GS الكورية و"هانيويل" الأمريكية، الذين يتهافتون على "الكعكة المصرية" المتاحة للبيع.

 

أحلام "المركز الإقليمي" والواقع المر

 

يروج مكي لأحلام وردية بتحويل مصر إلى "مركز للشرق الأوسط لإنتاج وقود الطائرات المستدام" بحلول 2050، مستهدفاً إنتاج مليون طن.

 

لكن هذه الأحلام تصطدم بواقع مرير من الفشل الإداري وغياب الشفافية.

 

فالتكنولوجيا المستخدمة لا تزال حديثة وغير مجربة على نطاق واسع (27 مصنعاً فقط عالمياً معظمها تحت الإنشاء)، مما يجعل مصر حقل تجارب لشركات غربية.

 

علاوة على ذلك، فإن الاعتماد على زيت الطعام كخيار "أفضل اقتصادياً" من المخلفات الزراعية يثير تساؤلات حول استدامة هذا المورد في ظل أزمات الغذاء العالمية.

 

إن حكومة الانقلاب تبيع الوهم للمصريين، وتصور لهم أن تدوير الزيت سيحل مشاكل الاقتصاد، بينما هو في الحقيقة باب جديد لنهب الموارد، ورهن مستقبل الطاقة بقرارات الخارج وتمويلاته المشروطة، تاركة المواطن يواجه مصيره أمام غلاء لا يرحم.