لم تعد السلطة الحالية في مصر، التي تعاني من نهم مالي لا يتوقف، تكتفي بفرض الضرائب التقليدية أو تقليص الدعم، بل امتدت أذرعها لتفتش في دفاتر الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع.

 

ففي سابقة تكشف عن عقلية "المحاسب" الذي لا يرى في المواطنين سوى أرقام ومصادر للسيولة، كشف مصدر بوزارة المالية أن الحكومة جمعت نحو 5 مليارات جنيه في فترة قياسية لا تتجاوز الستة أشهر (من يونيو إلى مطلع ديسمبر)، تحت بند "غرامات سيارات المعاقين".

 

هذا الرقم الضخم لا يعكس نجاحًا رقابيًا بقدر ما يفضح نهجًا سلطويًا يتعامل مع "ذوي الهمم" وامتيازاتهم القانونية كـ "غنيمة" جديدة لسد العجز المالي، تحت ستار براق يُسمى "إصلاح المنظومة"، بينما الواقع يشير إلى عملية "تأميم" مقنعة لمكتسبات هذه الفئة.

 

حملات عقابية بأثر رجعي: التوحش في تحصيل الأموال

 

تتفاخر الحكومة بأنها شكلت لجانًا لفحص السيارات المستوردة منذ عام 2021، في إجراء بوليسي يطارد المواطنين بأثر رجعي. فبدلًا من معالجة الثغرات في حينها، انتظرت السلطة لتنقضّ الآن وتفرض غرامات باهظة وتسحب السيارات، محولة المخالفات الإدارية إلى مورد مالي ضخم للخزانة العامة .

 

إن تحصيل 5 مليارات جنيه في نصف عام فقط يؤكد أن الهدف لم يكن "القضاء على التلاعب" فحسب، بل "تعظيم الإيرادات" بأي ثمن، حتى لو كان ذلك عبر مطاردة السيارات في الشوارع وسحبها، في مشهد يعكس تحول الدولة من "راعية" للحقوق إلى "متربصة" بالأخطاء.

 

الابتزاز بالفقر: معادلة "السيارة مقابل القوت"

 

لعل الوجه الأكثر قسوة في هذه الحملة الحكومية هو ما كشفه المصدر عن احتجاز 3 آلاف سيارة في المواني، وتعليق الإفراج عنها لحين "مراجعة وزارة التضامن". الهدف المعلن هو التأكد من عدم حصول أصحابها على معاش "تكافل وكرامة"، في تطبيق صارم لضوابط تمنع الجمع بين الدعم النقدي الزهيد وامتلاك وسيلة تنقل آدمية .

 

هذه السياسة تضع المواطن الفقير من ذوي الإعاقة أمام خيارين أحلاهما مر: إما التنازل عن حقه في التنقل بكرامة عبر سيارة مجهزة، أو التنازل عن فتات الدعم الذي يقيه شر الجوع. إنها سياسة "الابتزاز بالفقر" التي ترى أن حصول المعاق على سيارة يخرجه تلقائيًا من دائرة استحقاق الدعم، متجاهلة أن الإعاقة بحد ذاتها تكلفة اقتصادية باهظة تتطلب دعمًا مزدوجًا لا تخييرًا قسريًا.

 

تعجيز فني: تفريغ الامتياز من مضمونه

 

لم تكتفِ السلطة بالملاحقة المالية، بل عمدت إلى تفريغ قانون "ذوي الإعاقة" من مضمونه عبر لوائح تنفيذية تعسفية. التعديلات الجديدة التي حصرت سعة المحرك في 1200 سي سي كحد أقصى، ومنعت أنظمة "التربو"، تمثل "حظرًا ناعمًا" لاستيراد السيارات .

 

فالسوق العالمي للسيارات يتجه نحو تقنيات لا تتناسب مع هذه الشروط "المتحجرة" التي وضعت لتقليل الفاتورة الاستيرادية وليس لخدمة المعاق. هذه الشروط تجعل من العثور على سيارة مناسبة وقوية تتحمل ظروف الطرق في مصر مهمة شبه مستحيلة، مما يحول "الامتياز" إلى "عبء" ويجبر الكثيرين على العزوف عن حقهم القانوني.

 

التخبط الإداري: سياسة "الفتح والغلق"

 

يعكس قرار وقف الإفراج الجمركي ومنع التسجيل المسبق لمدة 6 أشهر (من يوليو الماضي)، ثم العودة للإفراج الجزئي عن السيارات المتكدسة (9 آلاف من أصل 12 ألف سيارة)، حالة من التخبط الإداري والفشل في التخطيط . الحكومة تعاقب الجميع بـ "الحظر الشامل" بدعوى سد الثغرات، مما أدى لتكدس البضائع في المواني وتكبيد المواطنين غرامات أرضيات وتخزين، قبل أن تعود لتفرج عنها "بالقطارة".

 

هذا النمط من الإدارة القائم على "الصدمات" المفاجئة يؤكد غياب الرؤية المستدامة، وأن المحرك الأساسي للقرارات هو ردود الفعل الأمنية والمالية اللحظية، وليس مصلحة المواطن أو استقرار السوق.

 

الخلاصة: إن الـ 5 مليارات جنيه التي دخلت خزينة الدولة ليست دليل عافية، بل هي وثيقة إدانة لنظام يقتات على غرامات مواطنيه، ويحول حقوق الفئات المستضعفة إلى ساحة للجباية، مستغلًا شعارات "تطبيق القانون" لستر عورة العجز المالي المتفاقم.