في تشريح دقيق للكارثة الاقتصادية التي أغرقت فيها سلطة الانقلاب البلاد، شن الدكتور مراد علي هجومًا لاذعًا على السياسات المالية للحكومة، كاشفًا عن مشهد مأساوي يتجاوز مجرد لغة الأرقام الجافة ليصل إلى حد الجريمة المكتملة الأركان في حق مستقبل المصريين.
وأكد "علي" أن الارتفاع الجنوني في الديون الخارجية، التي قفزت إلى مستويات غير مسبوقة، ليس سوى قمة جبل الجليد في منظومة فشل إداري وفساد أولويات يهدد بانهيار الدولة كليًا.
تأتي هذه التصريحات في وقت يواصل فيه النظام سياسة "الهروب إلى الأمام" عبر المزيد من الاستدانة لتمويل مشاريع فنكوشية لا طائل منها سوى تلميع صورة الجنرال، بينما يئن المواطن تحت وطأة الفقر والغلاء.
دوامة "الاستدانة والبيع".. ثقب أسود يبتلع أصول الدولة
أكد الدكتور مراد علي أن الأزمة لم تعد تقتصر فقط على الرقم المفزع للديون الخارجية التي وصلت إلى نحو 161.2 مليار دولار، بزيادة كارثية قدرها 8.3 مليار دولار خلال عام واحد فقط؛ بل إن الكارثة الحقيقية تكمن في السياق الذي يحدث فيه هذا التوسع في الاقتراض.
ففي الوقت الذي يمارس فيه النظام "الاستجداء الدولي" والاقتراض الشره، يقوم بالتوازي ببيع أصول الدولة التاريخية والسيادية "بتراب الفلوس" تحت مسمى الطروحات الحكومية، ويقوم برفع الدعم كليًا عن الخدمات الأساسية، ويضاعف الرسوم الحكومية والجبايات على المواطنين لمستويات لا تُطاق.
المفارقة الصارخة التي يطرحها المشهد الحالي، بحسب قراءة الأوضاع، هي أن كل هذه الإجراءات التقشفية القاسية وعمليات بيع "صناديق العائلة" لم تفلح في سد العجز أو وقف نزيف الديون، مما يؤكد وجود "ثقب أسود" في ميزانية الدولة يبتلع الأخضر واليابس، ويثبت فشل العقلية العسكرية الحاكمة في إدارة أبجديات الاقتصاد، حيث تحولت الدولة إلى مجرد "جابي" يجمع الأموال لسداد فوائد قروض لم يستفد منها الشعب.
"سفه القصور والخرسانة".. مليارات تُحرق في العاصمة والعلمين
وفي تعريته لأولويات الإنفاق المشوهة، أشار "علي" إلى الجريمة الأكبر التي يرتكبها النظام، وهي أن الجزء الأكبر من هذه الديون الباهظة لم يُوجه لبناء مصانع أو استصلاح أراضٍ أو مشاريع إنتاجية حقيقية تخلق فرص عمل وتوفر الدولار للسداد. بدلاً من ذلك، تم إهدار هذه المليارات الدولارية على مشاريع "الاستعراض الخرساني" ذات العائد المعدوم أو الضعيف.
وضرب الدكتور مراد علي أمثلة صارخة لهذا السفه المالي، مثل مشروع "المونوريل" الذي يخدم مناطق الأثرياء، والمقار الحكومية الفارهة والقصور الرئاسية في العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين، التي تُبنى وسط الصحراء بمليارات القروض بينما تعجز المستشفيات الحكومية عن توفير المستلزمات الطبية الأساسية. ولم يقف الأمر عند الخرسانة، بل امتد لتمويل حفلات ومهرجانات باهظة التكلفة تستفز مشاعر ملايين الفقراء، لتترك هذه المشروعات خلفها ديونًا سيتحمل سدادها أبناء الطبقات المطحونة لعقود قادمة، دون أن يجنوا منها أي ثمار.
لم تعد أزمة مصر الاقتصادية مقتصرة على ارتفاع الديون الخارجية إلى نحو 161.2 مليار دولار بزيادة قدرها 8.3 مليار دولار خلال عام واحد؛ فهذه الأرقام – على خطورتها – ليست إلا جزءًا من مشهد مالي أكثر تعقيدًا.
— Mourad Aly د. مراد علي (@mouradaly) December 6, 2025
لكن المصيبة الحقيقية أن هذا التوسع في الاقتراض في وقت تتسارع فيه وتيرة بيع… pic.twitter.com/kj9WSBa1Ey
انتحار مالي.. خدمة الدين تقضي على أحلام التعليم والصحة
لم يغفل التقرير الكارثة الأخرى المتمثلة في الدين المحلي، الذي ارتفع هو الآخر بوتيرة مرعبة، محولاً الموازنة العامة للدولة إلى مجرد آلية لسداد "خدمة الدين". وأوضح "علي" أن الأقساط والفوائد باتت تلتهم الغالبية العظمى من موارد الدولة، مما ينسف أي قدرة على الاستثمار الحقيقي في قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة والصناعة والزراعة.
لقد وضع النظام البلاد في معادلة صفرية: إما سداد الديون أو التنمية، وبما أن الأولوية لدى السلطة هي إرضاء الدائنين الدوليين لضمان استمرار تدفق القروض، فقد تم التضحية بمستقبل التعليم وصحة المصريين على مذبح الديون. وتساءل "علي" بمرارة: "إلى متى تظل مصر تسير في هذا المسار التصاعدي الخطير للديون عامًا بعد عام؟".
مستقبل مرهون.. تحذير من الانهيار الشامل
اختتم الدكتور مراد علي حديثه بتحذير شديد اللهجة، مؤكدًا أن استمرار هذا النهج العبثي في إدارة الاقتصاد سيقود حتمًا إلى كارثة محققة يصعب الخروج منها. وأشار إلى أن ما لم يحدث تحول جذري وشامل في فكر ومنهج إدارة الدولة، وتغيير جذري في تحديد الأولويات بعيدًا عن "شو إعلامي" ومشاريع الجنرالات، فإن الأعباء ستتراكم بشكل يسحق الأجيال القادمة، ويجعل من مصر دولة مرهونة بالكامل للدائنين، فاقدة لقرارها وسيادتها الاقتصادية.
إن الأرقام التي ساقها الدكتور مراد علي ليست مجرد إحصائيات، بل هي "صحيفة اتهام" لنظام أدمن الفشل، وقرر رهن مستقبل مصر من أجل البقاء في السلطة، محولاً حياة المصريين إلى جحيم من الديون والغلاء، بينما يستمر هو في بناء قصوره العاجية في العاصمة الإدارية.

