أطلق الكاتب والباحث في علم الاجتماع السياسي، الدكتور عمار علي حسن، جرس إنذار مدوياً ضد قرار رفع إيجار الفدان في أراضي الإصلاح الزراعي من 10 آلاف إلى 27 ألف جنيه، وفي أراضي الأوقاف إلى أرقام فلكية، معتبراً أن ما يجري ليس مجرد تعديل إداري، بل عملية طرد جماعي مقنَّعة لآلاف الفلاحين من أرضهم، وتهديد مباشر للأمن الغذائي لملايين المصريين.

 

هذا القرار يكشف – من جديد – كيف تتعامل حكومة الانقلاب مع الريف باعتباره "خزينة جباية" لا بيئة إنتاج وحياة، ومع الفلاح كعبء يجب التخلص منه لا عمود فقري للمجتمع.

 

عمار علي حسن: قرار يطرد الفلاحين من أرضهم

 

في منشوره، يرفض عمار علي حسن بشكل قاطع قرار القفز بإيجارات أراضي الإصلاح الزراعي وأراضي الأوقاف إلى هذه المستويات الجنونية، مؤكداً أن نتيجته العملية الوحيدة هي دفع الفلاحين دفعاً إلى ترك الأرض، لأن ما يطلب منهم سداده يفوق قدرتهم الفعلية، ولا يتناسب بأي شكل مع جدوى الزراعة في ظل الأسعار الحالية للمحاصيل وتكاليف الإنتاج.

 

يرى حسن أن السلطة تتعامل مع الفلاح كما لو كان "مستثمراً كبيراً" لا مجرد مزارع بسيط يعيش بالكاد، فتُحمِّله أضعاف ما يحتمل، ثم تتحدث عن "تنمية" و"استثمار أمثل للأصول"، بينما الحقيقة أن هذه السياسات لا تعني سوى إخلاء الأرض ممن يزرعونها، وفتح الباب واسعاً أمام حيتان الاستحواذ العقاري وكبار رجال الأعمال.

 

الزراعة لم تعد مجدية… بفضل سياسات الحكم لا منطق السوق

 

يوضح عمار علي حسن أن الزراعة في مصر تحولت منذ عقود إلى عملية "غير اقتصادية" بالنسبة لأغلب المزارعين؛ فتكاليف التسميد والري والعمالة ومقاومة الآفات والحصاد تلتهم كل شيء، حتى لم يعد الفلاح يخرج من موسمه بأي مكسب حقيقي.

 

في ظل هذه المعادلة المختلة، يأتي قرار رفع الإيجارات ليقضي على ما تبقّى من أمل؛ فالأرض لم تعد فرصة رزق، بل مجرد وسيلة لتجنّب البطالة الكاملة أو العمل كأجير لدى الآخرين. ومع كل زيادة جديدة في الإيجار أو مدخلات الإنتاج، يتحول الفلاح أكثر فأكثر إلى عامل بالسُّخرة في أرض يُفترض أنها مصدر كرامته وسيادته.

 

إفقار منظم للريف… وتجريف للكفاف الأخير

 

يصف حسن هذه القرارات بأنها "إفقار للفلاحين وتهديد للكفاف الريفي"، وهي عبارة تلخص جوهر ما يجري: الريف الذي كان يشكل حزام الأمان الغذائي والاجتماعي لمصر يجري الآن تجريفه على مهل لصالح دولة مركزية جشعة لا ترى في ملايين الفلاحين سوى مصدر جباية إضافي لسد عجز خلقته سياسات فاشلة ومشروعات استعراضية لا طائل منها.

 

معظم المصريين يعيشون في الريف أو يرتبطون به عائلياً واقتصادياً، واستهداف هذا النسيج الاجتماعي بهذه القرارات يعني عملياً دفعهم إلى حافة الجوع، وتجريدهم من الحد الأدنى من العيش الكريم، تمهيداً لتحويلهم إلى كتلة بشرية مهمشة في أطراف المدن والعشوائيات.

 

من الأرض إلى البحر… حين تدفع السياسات الناس للهجرة

 

يحذر عمار علي حسن من أن استمرار هذه السياسات سيدفع كثيرين إلى الهجرة بحثاً عن لقمة العيش، سواء هجرة داخلية من القرية إلى أطراف المدن، أو هجرة غير نظامية عبر البحر. هذه ليست "نتيجة عرضية"، بل نتيجة منطقية حين تعلن السلطة الحرب على مصدر رزق الفلاح، ثم تطالبه بأن "يصبر ويتحمّل".

 

بهذا المعنى، لا يصبح الفلاح مجرد ضحية لسياسة اقتصادية خاطئة، بل لسياسة شاملة تدفعه دفعاً إلى مغادرة أرضه وبلده، بينما تملأ السلطة خطابها بالحديث عن "منع الهجرة غير الشرعية" و"توفير حياة كريمة"، في تناقض فاضح بين القول والفعل.

 

نقد السياسات ليس هدمًا للدولة… بل إنقاذ لما تبقى

 

يشدد عمار علي حسن على أن من ينتقد هذه القرارات لا يسعى لهدم الدولة، بل يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل الانهيار الكامل. فالدولة التي تطرد فلاحها من أرضه، وتحوّل الزراعة إلى عبء، وتتعامل مع الريف كمخزن ضرائب لا شريكاً في الإنتاج، هي دولة تمهِّد بنفسها لانفجارات اجتماعية واقتصادية.

 

المطالبة بمراجعة قرار رفع الإيجارات ليست ترفاً فكرياً ولا "شعبوية"، بل شرط أساسي للحفاظ على الأمن الغذائي للمصريين، ولمنع تحوّل الريف إلى بؤر جوع وغضب. لكن حكومة الانقلاب، التي أثبتت في كل الملفات – من الإسكان إلى التعليم والزراعة – أنها تنحاز للجباية على حساب الإنسان، تبدو ماضية في طريقها، غير عابئة بتحذيرات الخبراء ولا بصيحات الفلاحين الذين يدفعون الثمن من عرقهم وأمنهم الغذائي ومستقبل أولادهم.

 

https://x.com/ammaralihassan/status/1996897858054660427