تحلّ هذه الأيام الذكرى الخامسة والثلاثون لواحدة من أكثر العمليات في تاريخ الحدود المصرية–الإسرائيلية، حين أقدم الجندي المصري أيمن حسن على تنفيذ هجوم منفرد بمنطقة رأس النقب في 26 نوفمبر 1990، أسفر –بحسب الروايات الرسمية الإسرائيلية آنذاك– عن مقتل 21 إسرائيليًا وإصابة قرابة 20 آخرين، بينهم ضباط في الموساد والجيش.

 

جاءت العملية في سياق مشحون إقليميًا وعاطفيًا، وتجسدت فيها دوافع شخصية ووطنية، امتزج فيها الغضب من انتهاك العلم المصري مع صدمة ما عُرف بـ«مجزرة المسجد الأقصى الأولى» في أكتوبر من العام نفسه. ومع أن حسن لم يكن محسوبًا على أي تيار سياسي أو جماعة منظمة، فإن الواقعة أصبحت لاحقًا جزءًا من سردية شعبية تنسبها بعض الأوساط إلى «الانتقام للكرامة الوطنية».

 

طفولة في ظل النكسة وتكوين وعي متمرد

 

وُلد أيمن حسن في 18 نوفمبر 1967 بمحافظة الشرقية، بعد أشهر قليلة من هزيمة يونيو التي أعادت رسم الخريطة السياسية والعسكرية للمنطقة. نشأ في قرية ريفية، بعيدًا عن النشاط السياسي، لكن أحداث تلك المرحلة ألقت بظلالها على جيله كله.

 

كانت سنوات شبابه الأولى متزامنة مع بدء التطبيع الرسمي المصري–الإسرائيلي، غير أنّ حالة الرفض الشعبي الواسعة جعلت كثيرًا من الشباب، ومنهم حسن، يرون أن اتفاق السلام لم يمحُ ذكريات الحرب ولا صور الضحايا.

 

شرارة الغضب: العلم المهان ومذبحة الأقصى

 

تعود الدوافع المباشرة للعملية إلى حادثتين أثرتا بعمق في الجندي الشاب.

 

فخلال إحدى نوبات الحراسة الحدودية، شاهد جنديًا إسرائيليًا يمسح حذاءه بعلم مصر الذي حملته الرياح من نقطة حدودية مجاورة، في مشهد ترك أثرًا بالغًا لدى حسن. ولم يتوقف الأمر عند ذلك؛ إذ رآه لاحقًا يتصرف بشكل مهين على العلم نفسه أمام زميلته المجندة.

 

وفي العاشر من أكتوبر 1990 وقعت «مذبحة المسجد الأقصى الأولى» التي راح ضحيتها عشرات الفلسطينيين، فبات الغضب مكثفًا لديه، واتخذ قرارًا بتوسيع هدفه إلى عملية أكبر.

 

التخطيط والتحضير: مسح للهضاب وتتبّع للطرق

 

كان موقع خدمة حسن في منطقة «سهل القمر» برأس النقب، المحاذية لمنشآت عسكرية إسرائيلية حسّاسة بينها مفاعل ديمونة. وعلى مدى تسعة أيام راقب التحركات العسكرية، وحلل نقاط الضعف في الطرق الحدودية، ورصد خمسة أهداف محتملة، بينها حافلات تقل ضباط مطار رأس النقب.

 

خلال شهر ونصف كثّف تدريباته بالجري 15 كيلومترًا يوميًا، وهي المسافة التي يحتاجها للوصول إلى موقع التنفيذ والعودة منه. وبطريقة فردية، تمكن من جمع 450 طلقة من مخزن وحدته دون علم أي من زملائه.

 

ساعة الصفر: 26 نوفمبر 1990

 

فجر السادس والعشرين من نوفمبر انطلق حسن عبر الحدود، وبعد نحو ساعة ونصف بلغ النقطة التي اختارها على طريق يربط إيلات برفح.

 

عند السادسة والنصف صباحًا، وصلت أولى الحافلات التابعة لهيئة الإمداد الإسرائيلية وعلى متنها جندي واحد، فتبعها حسن بنيران كثيفة. ثم جاءت حافلتان أخريان، وسيارة جيب تقل ضابطًا رفيعًا في الموساد مكلفًا بتأمين مفاعل ديمونة، ليكون من بين القتلى.

 

استمرت الاشتباكات نحو 20 دقيقة، أطلق فيها حسن 421 طلقة، قبل أن يعود إلى مكان اختبائه، ثم يتراجع نحو الحدود المصرية مصابًا إصابة سطحية في الرأس، ويسلّم نفسه لقيادة المنطقة العسكرية.

 

 

ما بعد العملية: محاكمة وظروف استثنائية

 

كان متوقعًا أن تنتهي خدمته بعد أربعة أشهر فقط من الحادثة، إلا أن محاكمته استمرت عدة أشهر. وفي أبريل 1991 صدر الحكم بسجنه 12 عامًا، بعد أن قرر القضاء تخفيف العقوبة استنادًا إلى تقارير طبية ذكرت أنه «يعاني ضعفا جزئيا في القدرات العقلية يقلل مسؤوليته دون أن ينفيها».

 

خرج حسن عام 2000 بعفو شرطي، لكنه ظل 11 عامًا وأسرته تحت المراقبة الأمنية المشددة حتى 2011، كما أكد في مقابلات إعلامية لاحقة.

 

بين سليمان خاطر وأحمد عرابي: مصادر إلهام روحي

 

في رواياته الصحفية، يؤكد حسن أن أحد أهم مصادر إلهامه كان الزعيم أحمد عرابي، ابن محافظة الشرقية مثله. كما كان تأثره كبيرًا بحادثة قتل 30 تلميذًا بمدرسة بحر البقر عام 1970 على يد الطائرات الإسرائيلية.

 

ورغم نفيه الانتماء لأي تنظيم، فإن كثيرين رأوا في عمليته امتدادًا مسلحًا لفعل الجندي سليمان خاطر الذي قتل سبعة إسرائيليين عام 1985، خصوصًا أن قريته تجاور قرية خاطر. وكان حسن يعتبر اغتيال ضابط الموساد في العملية «ثأرًا» للعالم المصري سعيد سيد بدير الذي توفي في ظروف غامضة عام 1989.