تشهد الساحة الأميركية خطوة سياسية جديدة تُضاف إلى سلسلة القرارات المثيرة للجدل التي ميزت إدارة دونالد ترامب في ولايته الثانية. فالرئيس الذي وجد نفسه أمام مشهد داخلي مضطرب، وضغوط سياسية متنامية مرتبطة بالهجمات في الشرق الأوسط وارتداداتها الأميركية، قرر أن يفتح ملفًا ظل لعقود مادة للصراع الحزبي: تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية.

 

وهكذا، وجد ترامب في هذا الملف فرصة ذهبية لتوجيه رسائل للخارج والداخل معًا—رسائل إلى حلفاء إقليميين يتوقون لقرار كهذا، وإلى قاعدة انتخابية جمهورية تعتبر الإسلام السياسي خصمًا عابرًا للحدود. أما كيف ستُطبّق هذه الخطوة، وماذا ستترك خلفها من تداعيات قانونية وسياسية، فهو سؤال مفتوح على احتمالات معقدة.

 

خطوة أميركية تصعيدية: فتح مسار التصنيف

 

في خطوة وُصفت بالمتوقعة، طلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من وزيري الخارجية ماركو روبيو والخزانة سكوت بيسنت بدء دراسة رسمية لتصنيف بعض فروع جماعة الإخوان المسلمين كمنظمات إرهابية. الأمر التنفيذي الصادر عن البيت الأبيض نصّ بوضوح على إطلاق "عملية تُفضي إلى اعتبار بعض أقسام الجماعة منظمات إرهابية أجنبية"، مع الإشارة إلى فروع محددة في لبنان ومصر وتونس والأردن.

 

وطلب ترامب من الوزيرين تقديم تقرير يتضمن توصية واضحة بشأن التصنيف، على أن يبدأ تنفيذ أي قرار خلال 45  يومًا من رفع التقرير.

 

الترحيب الأول جاء، بطبيعة الحال، من إسرائيل. فقد وصف سفيرها لدى الأمم المتحدة داني دانون القرار بأنه "خطوة مهمة ليس فقط لتل أبيب، بل للدول العربية التي عانت من إرهاب الإخوان المسلمين". أما بنيامين نتنياهو، الملاحق دوليًا بتهم جرائم حرب في غزة، فاعتبرها خطوة كان ينتظرها منذ سنوات، قائلًا إنه يريد "إتمام حظر الجماعة بالكامل قريبًا".

 

وجاء هذا التحرك بعد أيام من قرار حاكم ولاية تكساس الجمهوري غريغ أبوت بإدراج الجماعة—ومعها مؤسسة "كير" الحقوقية—ضمن قوائم الإرهاب على مستوى الولاية.

 

من الكونجرس إلى البيت الأبيض: فشل تشريعي يُعوَّض بأمر تنفيذي

 

لم يكن هذا المسار جديدًا في واشنطن؛ فمنذ صعود الإسلاميين في سياق ثورات الربيع العربي، حاول الجمهوريون، بقيادة السيناتور تيد كروز، الدفع نحو تصنيف الجماعة منظمة إرهابية أجنبية، مستشهدين بتجارب عربية سابقة.

 

لكن جميع المحاولات البرلمانية اصطدمت بالحائط القانوني: فالقانون الأميركي يشترط ثلاثة معايير صارمة لأي تصنيف إرهابي:

 

  1. أن تكون المنظمة غير أميركية.

 

  1. أن تمتلك نية وقدرة على تنفيذ أعمال إرهابية.

 

  1. أن يشكل نشاطها تهديدًا للأمن القومي الأميركي أو سلامة الأمريكيين.

 

كما يشترط القانون أن يُنشر القرار في الجريدة الرسمية، ولو دون تفاصيل، بحُجة "الأمن القومي". وفي كل الحالات، يحق للجماعة التظلم أمام محكمة فيدرالية في واشنطن.

 

هذه العقبات القانونية دفعت البيت الأبيض لاستخدام السلطة التنفيذية بدل التشريعية. ورغم حساسية الخطوة، لعب سيباستيان غوركا—نائب مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي، وأحد أبرز دعاة تصنيف الإخوان منذ عقد—دورًا مركزيًا في دفع القرار إلى الطاولة.

 

تداعيات محتملة: المسلمون الأميركيون في دائرة القلق

 

أي تصنيف رسمي سيجعل الجماعة هدفًا فوريًا للعقوبات، بما يشمل:

حظر السفر.


منع التمويل.


تجميد أي تعاملات بنكية.


منع دخول كل من له صلات تنظيمية بها.

 

غير أن التأثير الأخطر، كما يرى متخصصون قانونيون، سيكون على المسلمين داخل الولايات المتحدة، وخاصة:

 

  • طالبي اللجوء الذين سبق أن صرّحوا بانتماء سياسي للجماعة.

 

  • الأميركيين المسلمين الذين لا يستطيعون "إخفاء" روابط فكرية أو عائلية سابقة.

 

  • المؤسسات الخيرية التي يديرها متعاطفون مع الجماعة أو محسوبون عليها.

 

وتحذّر خبيرة قانونية—فضلت عدم ذكر اسمها—من أن الوضع "غير مسبوق"، لأن التصنيف سيضع آلاف الملفات القانونية في دائرة الخطر، فضلًا عن تأثيره المباشر على المساجد والمراكز الإسلامية التي تتنوع فيها العلاقات والولاءات الفكرية.

 

غزة.. المحرك الخفي الذي فجّر الملف

 

جاء إعلان البيت الأبيض بعد أكثر من عامين على بدء عملية "طوفان الأقصى"، وما تبعها من عدوان إسرائيلي واسع ضد غزة، وما أحدثه ذلك من تحول عميق داخل الجالية المسلمة الأميركية.

 

فالمسلمون—البالغ عددهم أكثر من 6 ملايين—قادوا حملات انتخابية، ومظاهرات طلابية ضخمة، ومسيرات تجاوزت مئات الآلاف. هذه الحيوية السياسية الجديدة أزعجت دوائر نافذة في الحزب الجمهوري، ودفعت بعض السياسيين إلى اتهام تلك الاحتجاجات بـ"تشجيع الإرهاب" أو "معاداة السامية".

 

وشهدت الانتخابات الأميركية الأخيرة صعود أسماء مسلمة مؤثرة، مثل غزالة هاشمي في فيرجينيا، وزهران ممداني الذي فاز بمنصب عمدة نيويورك رافعًا خطابًا يدين إسرائيل ويصف ما يجري في غزة بـ"الإبادة الجماعية".

 

وفي المقابل، صعّد سياسيون جمهوريون خطابهم، مثل راندي فاين الذي دعا إلى "حظر" حركة الطلاب من أجل العدالة في فلسطين، وجماعة الإخوان، ومجلس العلاقات الإسلامية الأميركية "كير"، معتبرًا القضية الفلسطينية "فلسفة شريرة".

 

فوضى التعريف: ماذا يعني "الإخوان" عند ترامب؟

 

يبقى السؤال الأكثر غموضًا: ما المقصود بالإخوان في الأمر التنفيذي؟ وهل يشمل:

 

  • أعضاء الجماعة فقط؟
  • المؤسسات المرتبطة بها فكريًا؟
  • المتعاطفين؟
  • الجمعيات المدنية؟
  • الأفراد الذين انتموا سابقًا ثم تركوا التنظيم؟

 

لم يقدم البيت الأبيض إجابة. وجاءت الصياغة فضفاضة، تسمح باستخدامها سياسيًا حسب اللحظة والمصلحة، وتفتح الباب أمام إجراءات قد تُطبق بانتقائية وعلى نطاقات غير متوقعة.

 

خاتمة

 

الخطوة الأميركية ليست حدثًا إداريًا عابرًا، بل تطور سياسي يعكس توترًا داخليًا وضغوطًا خارجية في آن واحد. وبينما يتحدث البعض عن "حرب على الإرهاب"، يخشى آخرون أن تتحول هذه الحرب إلى حملة تستهدف المسلمين عمومًا أو النشاط السياسي الإسلامي في الولايات المتحدة.

 

ويبقى السؤال: هل نحن أمام خطوة رمزية تُستخدم للاستهلاك السياسي؟ أم بداية فصل جديد من المواجهة القانونية والأمنية مع واحد من أقدم التنظيمات الإسلامية وأكثرها انتشارًا؟

 

أيام قليلة ستكشف المسار، لكن المؤكد أن الملف لن يغلق بهدوء.