يؤكد الخبير السياسي د. مأمون فندي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "أراد أن يكون بطل حرب وسيخرج منها منبوذاً داخل إسرائيل وخارجها، فالأغبياء لا يكسبون معارك"

 

هذا التحليل الدقيق يلخص مأزق نتنياهو الذي راهن على حرب طويلة في غزة لتعزيز موقفه السياسي، لكنه وجد نفسه في مستنقع عسكري وسياسي يهدد مستقبله داخلياً وخارجياً.

 

 

بعد عامين من الحرب التي قتلت أكثر من 69 ألف فلسطيني ودمرت معظم قطاع غزة، لم يحقق نتنياهو أياً من أهدافه المعلنة: لم يقض على حماس، ولم يعد الأسرى، ولم يحسم المعركة عسكرياً. بل على العكس، اعترف الجيش الإسرائيلي نفسه بالفشل الذريع في 7 أكتوبر، وبدأت موجة إقالات بين قادته، فيما يتساءل المحللون العسكريون: "من سيحاكم نتنياهو؟".

 

الاغتيالات الفردية لا تحسم معارك

 

يضيف د. مأمون فندي أن "الاغتيالات الفردية لا تحسم معارك، والبحث عن النصر المطلق لنتنياهو كسراب الربع الخالي، لا ينتهي!"
 

 

هذا التوصيف الدقيق ينطبق تماماً على استراتيجية نتنياهو التي تعتمد على الاغتيالات المتكررة لقادة حماس دون أي رؤية سياسية واضحة لإنهاء الصراع

 

السبت 21 نوفمبر، أعلن مكتب نتنياهو القضاء على 5 مسؤولين كبار من حماس في غزة، في ضربات أسفرت عن مقتل 24 مدنياً على الأقل. وتستمر الغارات الإسرائيلية بوتيرة متزايدة منذ الأربعاء، حيث قتلت 305 فلسطينيين منذ سريان وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر، نصفهم تقريباً في يوم واحد. لكن هذه الاغتيالات والقصف المستمر لم تحقق أي "نصر" استراتيجي، بل كشفت عجز نتنياهو عن تحقيق أهدافه المعلنة

 

نتنياهو رهينة اليمين المتطرف

 

كشف تشكيل نتنياهو للجنة الوزارية لمتابعة المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، والتي ضمت المتطرفين بن غفير وسموتريتش، أنه وصل إلى مرحلة لم يعد بإمكانه فيها الانفراد بالقرار السياسي. هذا التشكيل يعني أن نتنياهو أصبح رهينة تماماً لليمين الإسرائيلي، وأن أولويته هي البقاء السياسي حتى لو كان ذلك على حساب المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية

 

تؤكد صحيفة هآرتس أن "إسرائيل تتجه نحو انهيار داخلي ونتنياهو يحاول إنقاذ نفسه بإشعال حرب جديدة". فالصدمة التي خلفها هجوم 7 أكتوبر تحولت إلى أداة سياسية بيد نتنياهو، الذي يسعى لإعادة تسويق نفسه كـ"السيد أمن" قبيل الانتخابات. لكن استطلاعات الرأي تشير إلى 61 مقعداً للمعارضة، مما يهدد بقاءه السياسي ويدفعه لتصعيد عسكري مستمر لتأجيل المحاسبة.

 

تفخيخ وقف إطلاق النار ومحاولة نسف الاتفاق

 

يسعى نتنياهو إلى عرقلة تنفيذ بنود المرحلة الثانية من الاتفاق عبر وضع شروط تعجيزية، وتفسير كل خرق من حماس - إن وجد - كسبب للمماطلة في التنفيذ من جانب إسرائيل، أو لنسف الاتفاق والعودة إلى الحرب مرة أخرى كما يشتهي اليمين الإسرائيلي. فبينما انسحب الجيش جزئياً بموجب الاتفاق، يواصل القصف الجوي بحجة "الرد على هجمات حماس"، في محاولة لخلق واقع جديد على الأرض واختبار حدود الاتفاقات القائمة.

 

يصر نتنياهو على أن قرارات الضرب "مستقلة" ولا تحتاج موافقة أحد، في محاولة للتأكيد على أن إسرائيل غير ملتزمة بأي قيود دولية. لكن هذا التصعيد المستمر يهدد بانهيار كامل لوقف إطلاق النار، ويضع المنطقة على بعد خطوة من تجدد الحرب الشاملة.

 

انقسامات داخلية وفشل عسكري معترف به

 

تتسع رقعة الخلاف بين المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل حول الأولويات، حيث يرغب المستوى العسكري في وضع حد للحرب لإراحة القوات في ظل حالة الإرهاق الناشئة عن الحرب، وعزوف العديد من القوات النظامية والاحتياط عن الخدمة العسكرية الممتدة بلا أي أفق سياسي. بينما يريد نتنياهو استمرار الحرب لتأجيل محاكمته وتعزيز موقفه السياسي

 

الجيش الإسرائيلي اعترف رسمياً بالفشل في 7 أكتوبر، وهو ما يعتبره مسؤولون إسرائيليون "أكبر فشل مخابراتي وعسكري إسرائيلي"، مما ألحق أضراراً كبيرة بصورة تل أبيب وجيشها في العالم. هذا الاعتراف، مع موجة الإقالات بين القادة العسكريين، يضع نتنياهو في موقف حرج ويطرح السؤال الأهم: من سيحاكم نتنياهو عن هذا الفشل الذريع؟.

 

الخلاصة: سراب النصر وحتمية السقوط

 

كما توقع د. مأمون فندي بدقة، فإن نتنياهو الذي أراد أن يكون "بطل حرب" سيخرج من هذه الحرب منبوذاً داخل إسرائيل وخارجها

 

 

فالاغتيالات الفردية لا تحسم معارك، والبحث عن النصر المطلق يظل كسراب الربع الخالي، لا ينتهي
 

 

نتنياهو الذي رهن مصير إسرائيل لبقائه السياسي، والذي أطال الحرب عامين كاملين دون تحقيق أي من أهدافه، والذي أصبح رهينة لليمين المتطرف، يواجه اليوم سؤالاً مصيرياً: هل سيسقط سياسياً قبل أن يحقق "النصر" الذي يبحث عنه في السراب؟ الإجابة تبدو واضحة: الأغبياء فعلاً لا يكسبون معارك.