في انعكاس مباشر لحالة الانهيار التي تضرب الاقتصاد المصري بفعل سياسات نظام الانقلاب الدموي، كشف محمد حنفي، مدير غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات، أن الهبوط الحاد في أسعار حديد التسليح خلال نوفمبر 2025 سببه الرئيسي تراجع المبيعات المحلية بنحو 20% مقارنة بالعام الماضي، في مؤشر اقتصادي صادم يكشف أن السوق العقاري المصري—شريان الاقتصاد الحقيقي—قد دخل مرحلة ركود خانقة لن ينجو منها إلا بمعجزة.
السوق المحلي استهلك نحو 7 ملايين طن من الحديد خلال الفترة من يناير إلى نوفمبر عام 2024، بينما لم يتجاوز الاستهلاك في نفس الفترة من 2025 سوى 5.5 ملايين طن، في تراجع يقارب 1.5 مليون طن، يعكس شلل قطاع البناء لدى الأفراد والدولة على حد سواء. هذا الانهيار في الاستهلاك ليس مجرد رقم، بل صرخة مكتومة من اقتصاد يحتضر تحت وطأة سياسات الانقلاب الكارثية.
شركة حديد عز—أكبر منتج محلي—اضطرت قبل أيام لتخفيض سعر الطن بأكثر من 4000 جنيه ليصل إلى 34 ألف جنيه تسليم المصنع بدلاً من 38.2 ألف جنيه، في خطوة يائسة صاحبتها إجراءات مماثلة من شركات كبرى مثل السويس للصلب. قرار الخفض المفاجئ جاء بسبب تراكم المخزون في المصانع، ما اضطر المنتجين إلى تقديم تخفيضات وعروض غير مسبوقة في محاولة يائسة لتصريف المنتجات المكدسة.
الصادرات تنهار.. والضغط يتضاعف
انخفضت صادرات الحديد بأكثر من 10% لتسجل 1.8 مليون طن فقط في 2025، ما زاد الضغط على المنتجين داخل السوق المحلي. هذا التراجع في الصادرات يعكس ضعف القدرة التنافسية للمنتج المصري في الأسواق العالمية، وهو نتيجة مباشرة لسياسات الانقلاب التي دمرت البنية الإنتاجية للبلاد وحولتها إلى سوق استهلاكية محضة.
الحكومة تمتنع عن البناء.. والمواطن عاجز عن الشراء
بحسب بيانات الغرفة، يذهب 40% من استهلاك الحديد للأفراد، و40% للمشروعات السكنية للدولة والقطاع الخاص، بينما تستهلك مشروعات البنية التحتية والخدمات نحو 20%. إلا أن هذه المعادلة تعطلت تماماً هذا العام بعد توقف تراخيص البناء وضعف الإقبال على شراء وحدات سكنية، خصوصاً في الدلتا والصعيد.
حنفي أشار إلى أن استهلاك الجهات الحكومية من الحديد تراجع بدوره، بعدما أصبح لدى الدولة مخزون كبير من الوحدات الجاهزة التي نُفذت في السنوات الماضية، ما قلل حاجتها لبناء جديد. أما الأفراد، فقد خنقهم الارتفاع الجنوني لأسعار العقارات، إلى جانب الإجراءات المقيدة للبناء.
هذا المشهد يكشف فشل نموذج التنمية الذي تبناه نظام السيسي: الدولة بنت مدناً وعواصم جديدة لا يسكنها أحد، بينما المواطن البسيط عاجز عن شراء شقة في مدينته الأصلية. النتيجة: مدن أشباح تبتلعها الصحراء، ومصانع حديد تختنق بالمخزون، واقتصاد ينهار تحت وطأة الجنون العمراني.
هيئة المجتمعات العمرانية تفشل في تسويق مخزونها
كشف مصدر في هيئة المجتمعات العمرانية أن خطة الهيئة لتسويق مخزونها من الشقق—والتي انطلقت في يوليو 2024—لم تحقق أي نجاح يُذكر حتى الآن، رغم الطرح عبر شركات تسويق كبرى مثل «سيتي إيدج» و«فاوندرز» و«هايد بارك».
المصدر أكد أن معدلات البيع للأفراد ضعيفة للغاية، مرجعاً ذلك إلى الأسعار المرتفعة ونظام التقسيط المعتمد حاليًا، والذي يضيف فائدة البنك المركزي ورسوماً إضافية على فترات سداد تمتد من 3 إلى 7 سنوات، ما جعل أسعار الوحدات "خارج قدرة شريحة واسعة من المصريين".
هذا الفشل الذريع في تسويق الوحدات يكشف أن ما بنته الحكومة لا يحتاجه المواطن، وأن السياسات العقارية للنظام كانت منفصلة تماماً عن واقع الشعب المصري وقدراته المالية.
ركود ممتد.. وانهيار قادم
توقع خبراء ومتعاملون بالقطاع العقاري أن يشهد السوق دخول مرحلة تباطؤ وركود نسبي خلال العام المقبل 2026. وأرجع الخبراء والمتعاملون توقعاتهم إلى القفزات السعرية الكبيرة التي شهدها السوق خلال العامين الماضيين، وارتفاع تكاليف البناء والخامات، إلى جانب مستويات الفائدة المرتفعة التي حدّت من القدرة الشرائية للمواطنين وأثّرت على قرارات الشراء والاستثمار.
المهندس طارق شكري، رئيس غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصرية، قال إن القطاع العقاري يمر حاليًا بمرحلة "هدوء مؤقت" عقب موجة النشاط الكبيرة والمبيعات القياسية التي سجلتها الشركات خلال عام 2024. لكن هذا "الهدوء المؤقت" قد يتحول إلى ركود ممتد يستمر من عامين إلى ثلاثة أعوام، قبل أن يعود السوق—إن عاد—إلى وتيرته الطبيعية.
الشركات الصغيرة تخرج من السوق.. والكبرى تتأرجح
المستشار أسامة سعد الدين، المدير التنفيذي لغرفة التطوير العقاري، أكد أن عدداً من الشركات الصغيرة اضطر إلى التخارج من السوق بسبب ضعف قدراتها المالية وتراجع معدلات البيع. وتوقع أن الركود المتوقع سيؤثر بشكل مباشر على شريحة الشركات العقارية الصغيرة التي لا تمتلك ملاءة مالية كافية لتجاوز الأزمات المتكررة.
هذا المشهد يكشف أن نموذج التنمية العقارية الذي فرضه نظام الانقلاب—القائم على مشروعات عملاقة بأسعار خيالية—قد فشل فشلاً ذريعاً، وأن السوق يدفع الآن ثمن هذا الجنون العمراني الذي لم يخدم المواطن البسيط، بل خدم المضاربين والمستثمرين الخليجيين.
ارتفاعات جنونية.. وقدرة شرائية منهارة
شهد السوق العقاري المصري ارتفاعًا في أسعار العقارات بنسبة 25% إلى 50% بين أبريل وسبتمبر 2025، مع ركود في المبيعات بسبب تراجع القدرة الشرائية. هذه المفارقة الصادمة تكشف أن الأسعار ترتفع والناس لا تشتري، في دليل قاطع على أن السوق يعيش فقاعة مصطنعة قد تنفجر في أي لحظة.
تقرير حديث كشف عن ارتفاع القيمة الإيجارية في عدد من المناطق في مصر بما يتجاوز نحو 25%، في وقت يعاني فيه المواطنون من تدهور القوة الشرائية وعجز عن تأمين المسكن الملائم.

