في تطور ميداني وسياسي ينذر بانهيار اتفاق وقف إطلاق النار الذي لم يمضِ على توقيعه سوى شهر واحد، شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي سلسلة غارات عنيفة ومباغتة استهدفت مناطق مأهولة في مدينتي غزة وخان يونس، مما أسفر عن وقوع مجزرة جديدة راح ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى. هذا التصعيد، الذي وصفته حركة حماس بـ"الخطير"، لم يكن مجرد خرق ميداني، بل قرأته الحركة كمحاولة سياسية مكشوفة من رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، لخلط الأوراق واستئناف حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، متجاوزاً بذلك كافة الضمانات الأمريكية والإقليمية التي رعت الاتفاق الأخير.
 

 

تفاصيل المجزرة المروعة في غزة وخان يونس

 

وشهدت الساعات الأخيرة تصعيداً دموياً، حيث قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية أحياء سكنية في مدينة غزة (شمال القطاع) ومناطق في خان يونس (جنوب القطاع). وبحسب المصادر الطبية والدفاع المدني، أسفرت هذه الغارات عن ارتقاء ما لا يقل عن 25 إلى 27 شهيداً، بينهم عدد كبير من النساء والأطفال، بالإضافة إلى إصابة أكثر من 77 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة.

 

الغارات جاءت في وقت كان فيه السكان يعولون على حالة "الهدوء النسبي" التي فرضها اتفاق وقف إطلاق النار، مما ضاعف من حجم الكارثة الإنسانية. وقد أكد بيان حركة حماس أن هذا الهجوم ليس مجرد "خطأ" أو "حدث عابر"، بل هو "مجزرة مروعة" تمت بدم بارد، وتضاف إلى سجل طويل من الانتهاكات التي لم تتوقف فعلياً رغم الهدنة المعلنة.

 

نتنياهو وذريعة "استئناف الإبادة"

 

في ردها الفوري والحاد، أصدرت حركة حماس بياناً رفضت فيه بشكل قاطع الرواية الإسرائيلية التي حاولت تبرير القصف. فقد زعم جيش الاحتلال أن الغارات جاءت رداً على "إطلاق نار" استهدف قواته في رفح، وهو ما وصفته حماس بأنه "محاولة واهية ومكشوفة لتبرير الجرائم".

 

اعتبرت الحركة أن نتنياهو يستخدم هذه الذرائع المختلقة كغطاء سياسي للهروب من استحقاقات التهدئة، سعياً منه للعودة إلى المربع الأول: "استئناف الإبادة الجماعية". وأشار البيان إلى أن نتنياهو، الذي وصفته بـ"مجرم الحرب"، يرى في استمرار القتل وسيلة وحيدة للحفاظ على مستقبله السياسي، حتى لو كان ذلك على حساب إشعال المنطقة مجدداً ونسف الجهود الدولية.

 

سجل الخروقات: 300 شهيد تحت مظلة "التهدئة"

 

ألقى البيان الضوء على حقيقة مرعبة تمثلت في استمرار القتل الممنهج خلال فترة سريان اتفاق وقف إطلاق النار. وكشفت الحركة أنه منذ توقيع الاتفاق، ارتقى أكثر من 300 شهيد فلسطيني بنيران الاحتلال، في انتهاك صارخ لبنود الاتفاق.

 

لم تقتصر الخروقات على القتل المباشر، بل شملت سياسات تدميرية أخرى أشار إليها التقرير:

 

- هدم ونسف المنازل: استمرار عمليات التجريف والتفجير للمربعات السكنية.

 

- حصار المعابر: استمرار إغلاق معبر رفح البري، مما يمنع دخول المساعدات وسفر الجرحى، وهو ما يعد تحدياً مباشراً للضامنين الدوليين.

 

المطالب العاجلة: اختبار للضامن الأمريكي والوسطاء

 

وجهت حماس في بيانها رسائل مباشرة إلى الأطراف الراعية للاتفاق، واضعة مصداقيتهم على المحك. طالبت الحركة الإدارة الأمريكية، بصفتها الضامن الرئيس، بالوفاء بتعهداتها المعلنة وممارسة ضغط "فوري وجاد" للجم الاحتلال. كما دعت الوسطاء في مصر وقطر وتركيا إلى التدخل العاجل لإلزام تل أبيب بوقف خروقاتها التي تهدد بنسف مسار التفاوض والتهدئة برمته.

 

البيان يحمل في طياته تحذيراً ضمنياً بأن استمرار هذه المجازر قد يدفع المقاومة إلى إعادة النظر في التزامها بالتهدئة، مما يفتح الباب أمام جولة جديدة وأكثر عنفاً من المواجهة.

 

وفي الأخير تضع مجزرة غزة وخان يونس الأخيرة اتفاق وقف إطلاق النار في مهب الريح، وتكشف عن هشاشة الضمانات الدولية أمام رغبة حكومة نتنياهو في استدامة الحرب. ومع ارتفاع فاتورة الدم الفلسطيني حتى في أوقات "الهدوء"، يبدو أن المشهد يتجه نحو تصعيد خطير قد يعيد القطاع إلى أتون الحرب الشاملة ما لم يحدث تدخل دولي حاسم يلجم آلة القتل الإسرائيلية.