مع بدء تطبيق أولى زيادات قانون «الإيجار القديم» الجديد، دخلت العلاقة الملتبسة تاريخيًا بين الملاك والمستأجرين مرحلة أكثر توترًا، وسط مخاوف متصاعدة من موجة ارتفاعات جديدة قد تُحدث هزات اجتماعية ومعيشية واسعة، في ظل نظام حصر عقاري يوصف من أطراف حكومية قبل غيرها بأنه «عشوائي» و«ناقص».

 

القانون 164 لسنة 2025، الذي دخل حيّز التنفيذ في أغسطس الماضي، مثّل نقطة تحول حادة في مسار تنظيم العلاقة الإيجارية في مصر، بعدما رفع الحد الأدنى للإيجار السكني إلى 250 جنيهًا كبداية لزيادات تدريجية تستمر سبع سنوات، ثم يحصل المالك بعدها على كامل حق التحرير والإخلاء. أما الوحدات التجارية، فقد واجهت قفزة فورية بخمسة أضعاف، يتبعها ارتفاع سنوي بنسبة 15% طوال خمس سنوات.

 

هذه الخطوة التشريعية، التي لطالما انتظرها الملاك، تحولت سريعًا إلى مصدر توتر في الشارع، حيث يشير مستأجرون إلى وقوع اشتباكات واعتداءات، بعضها وصل إلى وسائل الإعلام.

 

اشتباكات فردية تكشف احتقانًا أوسع

 

محمود، مستأجر في منطقة الزاوية الحمراء بالقاهرة، يروي كيف تحولت محاولته التفاوض مع مالك عقار والده حول الزيادة الجديدة إلى بلاغ كاذب ضده، قبل أن تحفظه الشرطة. يقول إن الخلاف أصبح شهريًا، مع محاولات مستمرة من المالك لفرض زيادات أكبر.

 

وفي قطاع الوحدات التجارية، يبدو المشهد أكثر حدّة. إمام، صاحب ورشة تنجيد في المهندسين، فوجئ بارتفاع الإيجار من 500 إلى 2500 جنيه بداية سبتمبر. الزيادة الخمسة أضعاف -وفق القانون- جاءت فوق عبء كان يتحمله بالكاد أساسًا، ما جعله مهددًا بفقدان مصدر رزقه.

 

على الجانب الآخر، يرى الملاك أن القانون أنصفهم أخيرًا. مصطفى عبد الرحمن، رئيس ائتلاف ملاك الإيجار القديم، يعتبر أن التشريع الجديد «خفّض مستوى الاحتقان، وفتح الطريق لقيم إيجارية عادلة»، مشيرًا إلى مطالبات بتوفير بيانات أدق لضمان تنفيذ بنود الإخلاء والتحرير.

 

لكن هذه الرؤية لا تجد صدى لدى اتحاد المستأجرين. فشريف الجعار، رئيس الاتحاد، يتحدث عن «ارتفاع ملحوظ» في حوادث الاعتداء والطرد، مستشهدًا بواقعة رجل مسن في السويس تعرض للضرب قبل أن يتدخل حزب مستقبل وطن لتوفير سكن بديل له.

 

حصر عقاري يوصف بأنه «عشوائي» و«قاصر»

 

في قلب الأزمة تكمن عملية الحصر التي تتولاها لجان محلية تحت إشراف المحافظات، والتي من المفترض أن تحدد تصنيف المناطق إلى «متميزة» و«متوسطة» و«اقتصادية»، لتطبيق الزيادات التالية ابتداء من فبراير.

 

لكن مسؤولًا في مديرية الإسكان بالقاهرة، يرأس إحدى لجان الحصر، يصف العملية بأنها «اختزالية للغاية»، إذ تعتمد فقط على سجلات الضرائب العقارية. ويقول: «أكثر من نصف وحدات الإيجار القديم غير مسجلة أصلًا. نتعامل مع آلاف الشقق كأنها غير موجودة».

 

هذا الخلل يعني أن التقديرات الإيجارية ستبنى على بيانات ناقصة، ما قد يؤدي -وفق خبراء وممثلين عن المستأجرين- إلى «تصنيفات ظالمة»، ترتفع بموجبها إيجارات شقق في أزقة ضيقة إلى مستوى يعادل أو يتجاوز إيجار مكاتب على شوارع رئيسية.

 

محامون متخصصون، بينهم أيمن عصام، يرون أن تجاهل الفروق الهائلة بين عقود الإيجار تاريخيًا يزيد المشكلة تعقيدًا. فعقود الإيجار بين الأربعينيات والثمانينيات خضعت لعشرات القوانين والتعديلات، جعلت قيمها الأساسية متباينة بشكل كبير.

 

ويضرب مثالًا: «مستأجر شقة اقتصادية منذ التسعينيات بإيجار 150 جنيه سيُجبر على دفع 1500 جنيه، بينما آخر في الزمالك، شقته 300 متر بإيجار 5 جنيهات منذ الستينيات، سيدفع 1000 جنيه فقط».

 

حقوق على الورق.. توترات على الأرض

 

الموجة المقبلة من الزيادات ستكون الأكبر:

  • 20 ضعفًا في المناطق «المتميزة» (حد أدنى 1000 جنيه).
  • 10 أضعاف في المناطق «المتوسطة» (حد أدنى 400 جنيه).
  • 10 أضعاف في المناطق «الاقتصادية» (حد أدنى 250 جنيه).
  • ثم زيادة سنوية بنسبة 15%.

 

هذا التدرج لا يراعي -كما يشير اتحاد المستأجرين- «التفاوت الطبقي داخل المنطقة الواحدة»، إذ تحتوي أحياء مثل المهندسين على أبراج فاخرة وأزقة شعبية في الوقت نفسه.

 

الباحث الحضري يحيى شوكت كان قد حذّر سابقًا من أن «أي زيادة يجب أن تستند إلى دراسات تفصيلية دقيقة»، بينما يرى مسؤولون سابقون أن «الحصر الميداني الحقيقي شبه مستحيل» في ظل التعقيد العمراني للمدن الكبرى.

 

ورغم ذلك، أعلنت عدة محافظات انتهاء الحصر بالفعل، وتستعد الحكومة لتطبيق الشرائح الجديدة «دفعة واحدة»، كما حدث سابقًا في ملف التصالح على مخالفات البناء.

 

المستأجرون إلى القضاء.. لكن الوقت يداهمهم

 

مع تصاعد المخاوف، لجأ ممثلو المستأجرين إلى القضاء الإداري والمدني، للطعن على مواد متعددة تشمل: آليات الزيادة، وتشكيل لجان الحصر، وقواعد الإخلاء، و«الإخلاء المعجّل».

 

الهدف، كما يوضح المحامي عصام والجعار، هو أن تصل الدعاوى إلى المحكمة الدستورية العليا، أملاً في إصدار حكم يعيد ضبط القانون.

 

لكن الإجراءات القضائية معروفة بطولها، ومع حلول مارس المقبل ستكون الزيادات الكبرى قد بدأت بالفعل، ما يعني أن آلاف الأسر ستدخل هذه المرحلة قبل أي حكم محتمل.