شهدت الساعات الأولى من فجر الثلاثاء تطوراً سياسياً لافتاً حين اعتمد مجلس الأمن الدولي قراراً أمريكياً أثار موجة واسعة من الجدل الإقليمي والدولي، يتعلق بإنشاء قوة دولية مؤقتة في قطاع غزة بهدف تحقيق "الاستقرار" وتنفيذ خطة شاملة أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الصراع الدائر في القطاع.
وجاء القرار رقم 2803 بدعم 13 دولة من أعضاء المجلس، فيما امتنعت روسيا والصين عن التصويت، ليؤكد توافقاً دولياً واسعاً على ضرورة الانتقال إلى مرحلة جديدة في إدارة الوضع الميداني في غزة، وذلك بعد عامين من حرب دامية خلّفت دماراً واسعاً ومعاناة إنسانية غير مسبوقة.
القرار الأمريكي: سلطة انتقالية وقوة دولية تحت مسمى "مجلس السلام"
القرار الجديد لا يقتصر على وقف إطلاق النار أو التهدئة، بل يتجاوز ذلك إلى رسم معالم هيكلية سياسية وإدارية جديدة لإدارة غزة في المرحلة المقبلة.
إذ يتضمن إنشاء هيئة انتقالية تُسمى "مجلس السلام"، يُمنح شخصية اعتبارية قانونية دولياً، ويُناط به وضع الإطار التنظيمي لإعادة إعمار وتنمية قطاع غزة وفقاً لخطة شاملة مدعومة من واشنطن.
ويهدف المجلس إلى إدارة المرحلة إلى حين انتهاء السلطة الفلسطينية من تنفيذ برنامج إصلاحات يُنظر إليه بوصفه شرطاً أساسياً لاستعادة السيطرة الفعلية على غزة.
كما ينص القرار على نشر قوة دولية مؤقتة تحت قيادة موحدة تقبل بها الهيئة الانتقالية الجديدة.
هذه القوة تُكلّف بمهام متعددة تشمل حفظ الأمن، مراقبة وقف إطلاق النار، الإشراف على الترتيبات الميدانية، وتقديم الدعم اللوجستي والإنساني.
ويؤكد القرار أن القوة ستعمل "بجميع التدابير اللازمة" بما يتوافق مع القانون الدولي، وهو ما يشير عملياً إلى منحها صلاحيات واسعة، تشمل التدخل المباشر، ونزع السلاح، وحماية المنشآت الحيوية، والتعامل مع الجماعات المسلحة في القطاع.
وقد شدد القرار على ضرورة التعاون بين هذه القوة ومصر وإسرائيل، ما يعكس استمرار الدور المحوري للدولتين في أي ترتيبات مستقبلية تخص غزة، سواء من جهة أمن الحدود أو مرور المساعدات الإنسانية أو إدارة المعابر.
حركة حماس: رفضٌ قاطع وتحذير من فرض وصاية دولية
رد حركة حماس جاء سريعاً وحاسماً، إذ رفضت الحركة القرار جملة وتفصيلاً، واعتبرته "لا يلبّي الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني السياسية والإنسانية". وأكدت أن القطاع الذي شهد على مدى عامين حرباً مدمرة لا يحتاج إلى مزيد من التدخلات الخارجية، بل إلى إنهاء الاحتلال ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ارتُكبت بحق المدنيين.
ووصفت الحركة القرار بأنه وصاية دولية مفروضة بالقوة، تهدف إلى تحقيق ما فشل الاحتلال الإسرائيلي في تحقيقه عبر القوة العسكرية. وأوضحت أن إدخال قوة دولية بمهام تشمل نزع سلاح المقاومة يُعد تجاوزاً خطيراً لمبادئ العمل الدولي، وانحيازاً واضحاً لصالح الأطراف المعادية للشعب الفلسطيني.
وأكدت حماس أن سلاح المقاومة "ليس موضوعاً دولياً بل شأن وطني صرف"، وأن أي نقاش بشأن السلاح لا يمكن أن يتم إلا في إطار سياسي شامل ينتهي برفع الاحتلال وتمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم المستقلة. كما شددت على أن القوة الدولية، بصيغتها المحددة في القرار، ليست طرفاً محايداً، لأنها مكلّفة—نصاً—بتنفيذ إجراءات تمس جوهر الصراع، وعلى رأسها نزع السلاح ومنع إعادة تطوير القدرات العسكرية للفصائل.
واتهمت الحركة مجلس الأمن بازدواجية المعايير، وبالفشل في حماية المدنيين خلال الحرب الأخيرة، مطالبة المجتمع الدولي باتخاذ خطوات أكثر عدالة تتضمن وقف العدوان، وإعادة إعمار غزة، وضمان الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.
تفاصيل القوة الدولية: صلاحيات واسعة ومهمة حساسة
يمنح القرار القوة الدولية تفويضاً واسعاً، يبدأ من مراقبة وقف إطلاق النار وينتهي بعمليات هندسية وأمنية واسعة النطاق. تلك القوة ستكون مخولة بالتعاون مع الشرطة الفلسطينية، وتدريبها، وتوفير الدعم الفني واللوجستي، إضافة إلى تأمين الممرات الإنسانية والإشراف على عمليات إعادة الإعمار.
أبرز مهام القوة، كما ورد في القرار:
- نزع السلاح من قطاع غزة، بما يشمل تدمير الأنفاق والبنى التحتية العسكرية والصواريخ والمخازن.
- منع إعادة بناء القدرات العسكرية لأي جماعة مسلحة غير حكومية.
- تأمين حماية المدنيين في أثناء الفترة الانتقالية.
- دعم الأجهزة الأمنية الفلسطينية ومساعدتها في فرض النظام.
- التعاون الميداني مع مصر وإسرائيل في قضايا الأمن والحدود والمعابر.
ورغم أن بعض هذه المهام يُفترض أن يعزز الاستقرار، فإنها تحمل في طياتها إشكاليات كبيرة بالنسبة للفصائل الفلسطينية، خصوصاً ما يتعلق بنزع السلاح الذي يُعد جوهر استراتيجية المقاومة.
موقف السلطة الفلسطينية: ترحيب وفتح باب التعاون
على الجانب الآخر، تبنّت السلطة الفلسطينية موقفاً مرحباً بالقرار، ورأت فيه مدخلاً لإنهاء المعاناة في القطاع، وإعادة الإعمار، وتحريك المسار السياسي المتوقف منذ سنوات. وأكدت السلطة استعدادها للتعاون مع الولايات المتحدة وأعضاء مجلس الأمن والدول العربية والإسلامية لتنفيذ القرار على الأرض.
كما شددت على أن القرار يجب أن يقود إلى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وأن يضمن عدم المساس بحل الدولتين، مع التأكيد على ضرورة منع تهجير الفلسطينيين وضمان الانسحاب الكامل لقوات الاحتلال من القطاع.
السلطة تعتبر أن القرار يوفر فرصة لعودة مؤسساتها إلى غزة، وفتح الطريق أمام تسوية سياسية أوسع تشمل الضفة الغربية والقدس الشرقية.
تداعيات القرار ومستقبل غزة
يثير القرار سلسلة من التساؤلات حول مستقبل غزة والواقع السياسي الفلسطيني. فمن ناحية، يمثل القرار خطوة غير مسبوقة نحو فرض إدارة دولية على القطاع، وهو ما تراه بعض الأطراف ضرورة لتحقيق الاستقرار، بينما تعتبره أطراف أخرى—خصوصاً حماس—مساساً بالسيادة الفلسطينية ومحاولة لتغيير الواقع السياسي بالقوة.
من المرجح أن يفاقم القرار الانقسام الفلسطيني الداخلي، من خلال تعزيز دور السلطة وتقليص نفوذ حماس، خصوصاً إذا بدأت القوة الدولية فعلياً في تنفيذ مهام نزع السلاح. كما قد يُعيد ترتيب علاقة القطاع مع كل من إسرائيل ومصر، في ظل الوجود الدولي الجديد.
وأخيرا يبقى السؤال الأبرز: هل يؤسس القرار لمرحلة جديدة من الاستقرار وإعادة الإعمار، أم سيعيد إشعال الصراع الداخلي ويدفع القطاع إلى مرحلة جديدة من التوترات؟

