أيدت محكمة استئناف شبين الكوم المنعقدة بمجمع محاكم وادي النطرون، يوم السبت 14 نوفمبر 2025، الحكم الصادر بالسجن المشدد 15 عامًا على سائق شاحنة "تريلا" متهم بالتسبب في حادث مروّع راح ضحيته 19 فتاة وشاب من العاملات الريفيات بمركز أشمون بمحافظة المنوفية، في القضية التي عُرفت إعلاميًا بـ"فتيات العنب" أو "صبايا العنب"، وسط حالة من الارتياح الممزوج بالألم لدى أسر الضحايا.

 

كما أيدت المحكمة حبس مالك الشاحنة 5 سنوات، بعد ثبوت تورطه في السماح للسائق بقيادة المركبة رغم علمه بعدم صلاحيته للقيادة.

 

لحظات الفاجعة على الطريق الإقليمي

 

وقع الحادث المأساوي فجر 27 يونيو 2025 على الطريق الإقليمي أمام قرية مؤنسة بمركز أشمون، حين كانت 21 فتاة تتراوح أعمارهن بين 14 و25 عامًا في طريقهن إلى عملهن بمحطة تصدير عنب بمدينة السادات. كانت الفتيات يستقللن ميكروباصًا يقوده السائق إبراهيم محمد (45 عامًا)، وخرجن من قرية كفر السنابسة التابعة لمركز منوف حوالي الساعة السابعة صباحًا.

 

في اللحظات الأخيرة، كانت الفتيات يلتقطن صور سيلفي ويتحدثن عن الأجر وشراء ملابس واستعدادات فرح إحداهن، لكن الضحكات توقفت فجأة حين اصطدمت شاحنة نقل ثقيل كانت تسير بسرعة جنونية بالميكروباص بشكل مباشر وعنيف. انقلب الميكروباص وتحطمت السيارتان بالكامل، وسقط عدد كبير من الضحايا في الحال، فيما انطلقت صرخات الاستغاثة من الناجيات.

 

التحقيقات تكشف الإهمال الجسيم والمخدرات

 

كشفت تحقيقات النيابة العامة أن السائق أحمد السيد (32 عامًا) كان يقود الشاحنة تحت تأثير مادتي الحشيش والميثامفيتامين المخدرتين، حيث جاءت نتيجة التحليل المعملي إيجابية. وأثبتت التحريات أن السائق كان يقود برخصة غير صالحة للتريلا، وأنه تجاوز الحاجز الفاصل بين الاتجاهين وسار عكس الاتجاه بسرعة مفرطة، ما أدى إلى التصادم المباشر.

 

أما مالك الشاحنة، محمد عبدالرحمن (50 عامًا)، فقد سمح للسائق بالقيادة رغم علمه بعدم صلاحيته، ما جعله شريكًا في الإهمال الجسيم.

 

حصيلة الضحايا والمصابين

 

تسابقت سيارات الإسعاف لنقل الجثامين والمصابين إلى مستشفيات قويسنا والباجور وأشمون وشبين الكوم التعليمي. وبعد ساعات من المحاولات الطبية، ارتفعت حصيلة الوفيات إلى 19 فتاة بالإضافة إلى سائق الميكروباص، فيما أصيبت 4 فتيات أخريات بجروح خطيرة.

 

لكن المأساة لم تنتهِ عند هذا الحد، حيث فارقت المصابة الأخيرة الحياة بعد أسابيع من الحادث بسبب موت خلايا المخ.

 

قصص الضحايا ومعاناة الأسر

 

كانت الفتيات من أسر فقيرة يعملن باليومية بأجر لا يتجاوز 130 جنيهًا يوميًا لمساعدة أسرهن. من بينهن طالبات اختُرن عطلتهن للعمل، وأخريات كن يجهزن لأفراحهن، وبعضهن كانت تحلم بأن تصبح ضابطة أو طبيبة.

 

قال أهالي الضحايا إن "اللي ماتوا رجالة مش بنات وشغلهم شرف"، مؤكدين أن بناتهم كن يسعين لتحسين أوضاع أسرهن. وأضافوا: "دموعنا لسه ما نشفتش على بناتنا، وحق ولادنا لازم يرجع".

 

مسار التقاضي والحكم النهائي

 

بعد استكمال التحقيقات، أصدرت محكمة جنايات شبين الكوم في أكتوبر 2025 حكمًا ابتدائيًا بمعاقبة السائق بالسجن المشدد 15 عامًا وغرامة 50 ألف جنيه بتهم القتل والإصابة الخطأ بالإهمال الجسيم (المادة 242 عقوبات)، إضافة إلى حبس مالك الشاحنة 5 سنوات بتهمة التسبب في الحادث.

 

استأنف الدفاع الحكم مدعيًا "الخطأ غير العمد"، لكن محامي السائق انسحب لاحقًا بسبب "تأنيب الضمير". وفي جلسة 14 نوفمبر 2025، رفضت محكمة الاستئناف المنعقدة بوادي النطرون الطعن وأيدت الحكم بالكامل، وسط حضور واسع لأهالي الضحايا واستعدادات أمنية مكثفة.

 

مطالبات بإصلاح الطرق ومحاسبة المقصرين

 

أثار الحادث موجة غضب شعبية واسعة، وطالب المواطنون بـصيانة الطرق ومحاسبة المقصرين بعد تزايد حوادث الطرق المميتة في مصر. وأكد خبراء أن الطريق الإقليمي يعاني من مشاكل هيكلية، وأن الحاجز الفاصل بين الاتجاهين كان غير كافٍ لمنع التجاوزات الخطيرة.