في جريمة جديدة تضاف إلى سجل الاحتلال الإسرائيلي الحافل بالانتهاكات، أقدم مستوطنون متطرفون على إحراق أجزاء من مسجد الحاجة حميدة في بلدة دير استيا شمال الضفة الغربية المحتلة، وكتبوا شعارات عنصرية باللغة العبرية على جدرانه.

 

هذا الاعتداء أثار موجة غضب فلسطينية وعربية، كان في مقدمتها الأزهر الشريف، الذي أدان الجريمة بأشد العبارات، واعتبرها “سلوكًا وحشيًا وتطرفًا بغيضًا”، ضمن مسار ممنهج يهدف إلى تهويد الأرض الفلسطينية وطمس هويتها الدينية والتاريخية.

 

الأزهر: إحراق المسجد جريمة إرهابية نكراء

 

أصدر الأزهر الشريف بيانًا شديد اللهجة، أدان فيه الجريمة واعتبرها "انتهاكًا فاضحًا للقيم الدينية والإنسانية والقانون الدولي". وقال البيان إن ما جرى هو "جريمة إرهابية نكراء نفذتها عصابات الاحتلال الصهيوني بإحراق مسجد الحاجة حميدة"، مؤكدًا أن الاعتداء يعكس "السلوك الوحشي لهؤلاء المتطرفين الذين لا يحترمون قدسية بيوت الله".

 

وأضاف أن "المساس بالمساجد لا يستهدف دور العبادة فحسب، بل هو استهداف صريح لمشاعر المسلمين حول العالم"، ويمثل تحديًا صارخًا لكل ما تمثّله القيم الدينية من احترام للآخر وقدسية أماكن العبادة.

 

الأزهر شدد على أن تكرار هذه الاعتداءات هو "استمرار لنهج الاحتلال ومساعيه الخبيثة لتهويد فلسطين وتغيير معالمها الإسلامية والتاريخية"، داعيًا إلى تحرك دولي عاجل لوقف هذه الممارسات الإجرامية.

 

سياق متصاعد: آلاف الاعتداءات على الفلسطينيين ومقدساتهم

 

إحراق المسجد ليس حدثًا معزولًا، بل يأتي ضمن سلسلة طويلة من الاعتداءات التي ينفذها المستوطنون بدعم مباشر من قوات الاحتلال. وتشير إحصائيات فلسطينية رسمية إلى أن المستوطنين ارتكبوا 7,154 اعتداءً في الضفة الغربية وحدها خلال عامي العدوان على غزة، شملت إحراق مساجد، تدنيس مصاحف، وتحطيم ممتلكات.

 

هذه الاعتداءات أسفرت عن استشهاد 33 فلسطينيًا وتهجير 33 تجمعًا سكنيًا، فيما تسببت اعتداءات الجيش والمستوطنين مجتمعين في مقتل 1,072 فلسطينيًا، وإصابة نحو 10,700 آخرين، إلى جانب اعتقال أكثر من 20,500 شخص، في مؤشر على أن الاحتلال يمضي في تنفيذ مشروعه الاستيطاني التوسعي دون رادع.

 

الأزهر: على المجتمع الدولي إنهاء الإفلات من العقاب

 

وحذر الأزهر من خطورة "استمرار هذا السلوك الإرهابي الذي يقوم على فرض الأمر الواقع بالقوة وتحت حماية قوات الاحتلال"، مطالبًا الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية بتحمّل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية.

 

وقال البيان إن "السكوت عن هذه الجرائم هو تواطؤ، وإن الإفلات من العقاب شجّع المتطرفين على الاستمرار في جرائمهم"، داعيًا إلى تشكيل لجان تحقيق دولية مستقلة، ومحاسبة مرتكبي الجرائم بحق المساجد والمقدسات، ووقف الانتهاكات المستمرة ضد الشعب الفلسطيني.

 

تداعيات حرب غزة: مأساة إنسانية تفوق التصوّر

 

الاعتداء الأخير يأتي في ظل تداعيات كارثية لحرب الإبادة التي شنّتها إسرائيل على قطاع غزة منذ 8 أكتوبر 2023، والتي أدت إلى استشهاد أكثر من 69 ألف فلسطيني، وإصابة أكثر من 170 ألف آخرين، غالبيتهم من الأطفال والنساء.

 

كما دمرت الحرب البنية التحتية في القطاع بشكل واسع، مما دفع الأمم المتحدة إلى تقدير كلفة إعادة الإعمار بنحو 70 مليار دولار، في وقت يعيش فيه أكثر من مليوني فلسطيني في ظروف إنسانية كارثية، وسط حصار خانق وعجز دولي عن فرض أي مساءلة حقيقية للاحتلال.

 

الاحتلال يستهدف المقدسات... وصمت العالم شريك في الجريمة

 

إحراق مسجد في دير استيا ليس سوى حلقة في سلسلة متواصلة من الجرائم التي ترتكبها آلة الاحتلال والمستوطنين بحق كل ما هو فلسطيني وإسلامي. ومع تكرار هذه الاعتداءات وغياب المحاسبة، تتعمق قناعة الفلسطينيين أن المؤسسات الدولية لا تزال عاجزة – أو غير راغبة – في كبح جماح الاحتلال وممارساته العنصرية.

 

في مواجهة هذا التصعيد، تبقى إدانة الأزهر صوتًا ضميرًا عالميًا، لكن لا بد أن تتحول الإدانة إلى تحرك فعلي، يقود إلى محاسبة المجرمين، وتوفير الحماية الدولية الفورية للمقدسات والشعب الفلسطيني.