لطالما ارتبط الجوع بقلة التركيز وتراجع الأداء الذهني، أو هكذا كنا نظن، لكن دراسة حديثة كشفت عن نتائج تناقض ذلك، وتبرئ الصيام – الجوع – من ضعف الانتباه والتركيز.
الصيام نظام بيولوجي صُمم على مر آلاف السنين لمساعدة البشر على مواجهة النقص.
عندما نتناول الطعام بانتظام، يعتمد الدماغ في عمله بشكل أساسي على الجلوكوز، المُخزَّن في الجسم على شكل جليكوجين. ولكن بعد حوالي 12 ساعة من عدم تناول الطعام، يتضاءل مخزون الجليكوجين.
في هذه المرحلة، يبدأ الجسم في تحليل الدهون إلى أجسام كيتونية (على سبيل المثال، أسيتو أسيتات وبيتا هيدروكسي بيوتيرات)، والتي توفر مصدرًا بديلًا للطاقة.
الفوائد الصحية للصيام
ويرتبط ذلك بمجموعة من الفوائد الصحية. على سبيل المثال، يُنشّط الصيام عملية الالتهام الذاتي، وهي نوع من "عمليات التنظيف" الخلوية التي تزيل المكونات التالفة وتعيد تدويرها، وهي عملية يُعتقد أنها تدعم شيخوخة صحية.
كما أنه يحسن حساسية الأنسولين، مما يسمح للجسم بإدارة نسبة السكر في الدم بشكل أكثر فعالية وخفض خطر الإصابة بأمراض مثل مرض السكري من النوع الثاني.
إلى جانب ذلك، يبدو أن التحولات الأيضية التي يسببها الصيام توفر حماية أوسع، مما يساعد على تقليل احتمالية الإصابة بالأمراض المزمنة المرتبطة غالبا بالإفراط في تناول الطعام، وفق النتائج التي نشرتها دورية "سيكولوجيكال بولتين".
ماذا أظهرت النتائج؟
أجرى الدكتور ديفيد مورو، الأستاذ المساعد في علم النفس بجامعة أوكلاند، مراجعة للأبحاث التجريبية المتاحة التي قارنت الأداء الإدراكي للأشخاص عندما كانوا صائمين في مقابل عندما كانوا يتناولون الطعام.
وشمل ذلك 63 مقالاً علميًا، تمثل 71 دراسة مستقلة، بمشاركة 3484 مشاركاً خضعوا لاختبارات 222 مقياسًا مختلفًا للإدراك. وامتد البحث على مدى سبعة عقود تقريبًا، من عام 1958 إلى عام 2025.
وأظهرت النتائج، أنه لم يكن هناك فرق كبير في الأداء الإدراكي بين البالغين الأصحاء الصائمين والمشبعين. فقد أظهروا نفس القدر من الجودة في الاختبارات الإدراكية التي تقيس الانتباه والذاكرة والوظيفة التنفيذية سواء كانوا قد تناولوا الطعام مؤخرًا أم لا.
أهمية الصيام
كشفت النتائج عن ثلاثة عوامل مهمة يمكنها أن تغير من تأثير الصيام على عقلك.
أولاً، العمر عاملٌ أساسي. لم يُظهر البالغون أي تراجعٍ ملحوظ في الأداء الذهني عند الصيام. لكن أداء الأطفال والمراهقين كان أسوأ في الاختبارات عند تفويت وجبات الطعام.
تبدو أدمغتهم النامية أكثر حساسية لتقلبات إمدادات الطاقة. وهذا يُعزز النصيحة القديمة: يجب تزويد الأطفال عند الذهاب إلى المدرسة بوجبة إفطار ليساعده على الفهم بشكل أكبر.
يبدو أن التوقيت يُحدث فرقًا أيضًا. فقد أظهرت النتائج أن فترات الصيام الأطول ترتبط بفجوة أداء أصغر بين حالتي الصيام والتغذية. قد يُعزى ذلك إلى التحول الأيضي إلى الكيتونات، التي تُعيد إمداد الدماغ بالطاقة بشكل ثابت عند نفاد الجلوكوز، وفق ما أوردت صحيفة "ديلي ميل".
كان الأداء لدى الصائمين يميل إلى الأسوأ عندما أجريت الاختبارات في وقت لاحق من اليوم، مما يشير إلى أن الصيام قد يؤدي إلى تضخيم الانخفاضات الطبيعية في إيقاعاتنا اليومية.
كان لنوع الاختبار أيضًا تأثيرٌ مهم. فعندما تضمنت المهام المعرفية رموزًا أو أشكالًا محايدة، كان أداء المشاركين الصائمين جيدًا بنفس القدر، أو حتى أفضل بقليل أحيانًا.
لكن عندما تضمنت المهام إشارات متعلقة بالطعام، تراجع أداء المشاركين الصائمين. ولا يسبب الجوع ضبابية ذهنية شاملة، لكنه يُسهّل تشتيت انتباهنا عندما يكون الطعام حاضرًا في أذهاننا.
ماذا يعني ذلك؟
بالنسبة لمعظم البالغين الأصحاء، تقدم النتائج الطمأنينة: يمكنك الصيام دون القلق من تراجع حدة ذهنك.
مع ذلك، ليس الصيام ممارسةً واحدةً تناسب الجميع. لذا، يُنصح بتوخي الحذر مع الأطفال والمراهقين، الذين لا تزال أدمغتهم في طور النمو، والذين يبدو أنهم يحتاجون إلى وجبات منتظمة لأداء أفضل ما لديهم.
بالمثل، إذا كانت وظيفتك تتطلب اليقظة القصوى في وقت متأخر من اليوم، أو إذا كنت تتعرض بشكل متكرر لإشارات غذائية مغرية، فقد يكون الصيام أكثر صعوبة.
بطبيعة الحال، بالنسبة لبعض المجموعات، مثل أولئك الذين يعانون من أمراض أو احتياجات غذائية خاصة، قد لا يكون الصيام مستحسنًا دون توجيه متخصص.

