بينما يغرق المصريون في أزمات اقتصادية ومعيشية غير مسبوقة، أعلنت مجموعة "صن رايز" السياحية عن ضخ استثمارات جديدة في القطاع الفندقي بقيمة 148 مليون دولار خلال عام 2026، ليرتفع إجمالي استثماراتها في السوق المصري إلى 700 مليون دولار خلال أربع سنوات، بدعم واضح من الحكومة التي تواصل تسخير موارد الدولة لخدمة السياحة الفاخرة والمستثمرين، على حساب الصحة والتعليم والبنية التحتية المتهالكة.
إن ما يُروّج له باعتباره "نجاحًا اقتصاديًا" ليس سوى تكريسٍ لنهج اقتصاد الرفاهية للنخبة، مقابل اقتصاد الجوع للفقراء، في بلد يئن تحت الديون، ويفتقر فيه ملايين المواطنين إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة.
استثمارات سياحية بالمليارات ومواطنون بلا سقف أو خبز
تخطط مجموعة "صن رايز" لإنشاء 1100 غرفة فندقية جديدة في البحر الأحمر وسيناء، تضاف إلى 13 ألف غرفة تملكها حاليًا. كما تتهيأ ذراعها العقارية "مدار" لافتتاح فندق جديد بالساحل الشمالي باستثمارات 150 مليون دولار.
كل ذلك وسط احتفاء حكومي مفرط بهذه المشاريع، التي تُروَّج كجزء من خطة الدولة لجذب 35.4 مليار دولار لإضافة 340 ألف غرفة فندقية بحلول 2031.
لكن السؤال الجوهري هو:
ما عائد كل هذه الغرف الفندقية على المواطن المصري؟
بينما تُبنى منتجعات الخمس نجوم، يعيش عشرات الملايين في عشوائيات محرومة من الصرف الصحي، ويقفون في طوابير العيش والدواء، وتُغلق المستشفيات الحكومية أبوابها بسبب نقص الموارد.
حكومة الانقلاب: تسهيلات للمستثمرين.. وجباية من المواطنين
من الواضح أن حكومة السيسي — عبر أدواتها التنفيذية والبيروقراطية — توفر كل التسهيلات القانونية والضريبية واللوجستية لكبار المستثمرين في السياحة، في حين تضيق الخناق على المواطن البسيط عبر رفع الدعم، وزيادة الضرائب، وخفض الإنفاق العام على الخدمات الأساسية.
النتيجة: السياح يُستقبلون في مطارات فاخرة ومنتجعات فخمة، بينما المواطنون يهاجرون بالمراكب، ويموتون على أعتاب المستشفيات، ويتوسلون خدمات أساسية في التعليم والصحة.
أولوية "السياحة الفاخرة".. على حساب التنمية البشرية
لا تنكر الحكومة أن السياحة مصدر مهم للنقد الأجنبي، لكن الخطورة تكمن في جعلها الأولوية الوحيدة في بلد ينهار فيه التعليم الفني، ويتراجع فيه الإنفاق على البحث العلمي، ويُقصى فيه المواطن من معادلة "التنمية".
السؤال هنا ليس عن أهمية السياحة، بل عن أين تُصرف عوائدها؟
هل تُعاد استثمارات السياحة إلى تطوير البنية الأساسية للمجتمع؟ أم أنها تذهب إلى حسابات خاصة ومصالح محدودة، دون أن يشعر بها المواطن؟
كل المؤشرات تشير إلى أن ما يُبنى في شرم الشيخ لا ينعكس على حياة من يعيشون في شبرا أو الصعيد أو مناطق الدلتا المنسية.
الوجه الآخر لصن رايز: شركات عائلية تحكم السوق برعاية الدولة
تُظهر التقارير أن عائلة "الشاعر"، المالكة لمجموعة صن رايز، تدير عبر شركاتها "بلو سكاي" و"سكاي ماكس" و"مدار" شبكة استثمارات تمتد من السياحة الوافدة إلى الفنادق والعقارات.
وبدعم غير محدود من الدولة، تحولت هذه المجموعة إلى إمبراطورية سياحية واقتصادية محمية رسميًا، وسط غياب للمنافسة الحقيقية، واحتكار غير معلن للفرص الاستثمارية.
فأين الشفافية؟ وأين مصلحة الدولة؟ أم أن مصر تُدار كمنشأة خاصة لصالح دوائر النفوذ؟
سياحة القمة لا تُطعم قاعدة الشعب
رغم تسجيل السياحة 16.7 مليار دولار إيرادات في عام واحد، لا يرى المواطن من هذه الأرقام شيئًا سوى ارتفاعًا في الأسعار، وغيابًا في الخدمات، وتهميشًا دائمًا من قبل سلطة لا تخاطبه إلا بلغة "الصبر والتحمل".
وبينما تبني حكومة الانقلاب المزيد من المنتجعات، تهدم المدارس في القرى، وتغلق الوحدات الصحية، وتستدين لدفع الرواتب.
إن التنمية التي لا يشعر بها الشعب ليست تنمية، بل مشروع طبقي مغلق تحرسه الدبابات والبروتوكولات.
والغرف الفندقية الفاخرة، مهما كثرت، لن تحل أزمات مصر طالما ظل المواطن غريبًا في بلده، والمستثمر الأجنبي سيّدًا على مقدراته.

