قالت صحيفة "ألجماينر" الألمانية، الداعمة للكيان الصهيوني، إن معاهدة السلام التي تم توقيعها عام 1979 بين مصر و"إسرائيل" والتي كانت بمثابة حجر الزاوية الجيوسياسي في الشرق الأوسط منذ فترة طويلة، تتعرض لتهديد غير مسبوق.
وأضاف أمين أيوب، محلل السياسات وزميل منتدى الشرق الأوسط: "لا يأتي الخطر بالأساس من قوة خارجية معادية، بل من داخل الدولة المصرية نفسها. إن الهشاشة الداخلية غير الدورية لمصر تُذيب "السلام البارد" بسرعة وتحوّله إلى حالة من التنافر الاستراتيجي المتقلب".
وتابع: "كانت الأزمات الإقليمية خلال العامين الماضيين - حرب غزة وهجمات الحوثيين البحرية - بمثابة عوامل تسريع كارثية، إذ ترجمت فورًا التدهور الهيكلي العميق في مصر إلى حالة من عدم الاستقرار الجيوسياسي على طول الحدود المشتركة. ويعتمد استقرار أطول فترة سلام في الشرق الأوسط الآن على التدهور السريع في الوضع الاقتصادي والاجتماعي للدولة المصرية".
الانهيار المالي لـ"الجمهورية الثانية"
وأشار إلى أن "جوهر هشاشة مصر يتمثل في الانهيار المالي لـ"الجمهورية الثانية" التي أسسها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو النظام الذي يتسم بالرأسمالية الحكومية التي يقودها الجيش".
واستطرد أيوب قائلاً: "تعتبر المؤسسة العسكرية وكبار ضباطها هيمنتهم على قطاعات رئيسة من الاقتصاد حقًا أصيلًا لهم. تُزاحم هذه الهيمنة القطاع الخاص الشرعي بشدة، مما يُقوّض القدرة التنافسية ويحول دون بناء اقتصاد قادر على توليد فرص عمل كافية".
وأردف: "لقد أدى هذا النظام المحسوبي، الذي تغذيه أولويات باهظة الثمن واقتراض هائل، إلى حالة من الديون السيادية غير المستدامة. ففي السنة المالية المقبلة، من المتوقع أن تنفق مصر نسبة مذهلة تبلغ 65 بالمائة من ميزانيتها السنوية على خدمة أقساط الديون القائمة فقط. ويؤدي هذا العبء إلى حرمان الاستثمارات الإنتاجية وبرامج الرعاية الاجتماعية، مما يفرض تخفيضات مؤلمة".
وتابع أيوب: "لقد حالت عمليات الإنقاذ الضخمة والمتكررة من صندوق النقد الدولي ودول الخليج دون وقوع "فشل ذريع". إلا أنها تُشكل أيضًا خطرًا أخلاقيًا، مما يسمح لنظام السيسي بتجنب الإصلاح الهيكلي الضروري - أي تخفيف قبضة الجيش على الاقتصاد - مما يُديم حالة عدم الاستقرار الكامنة".
ووصف التناقض المؤسسي بـ "الصارخ": فالكيان الذي يوفر الأمن على المدى القصير (الجيش المصري) هو نفسه الكيان الذي يُعيق الاستقرار الاقتصادي طويل الأمد اللازم لاستمرار السلام".
وأشار إلى أن "وراء الأزمة الاقتصادية، تكمن طفرة شبابية هائلة تشعر بالعزلة. يعاني شباب مصر (الجيل زد) خيبة أمل سياسية عميقة وانعدام ثقة. مع عمل أكثر من 60 بالمائة من العاملين في القطاع غير الرسمي، وعدم قدرة الشهادات الجامعية على إيجاد فرص عمل، ينتشر اليأس الاقتصادي على نطاق واسع".
أزمة الشرعية
ورأى أن أزمة الشرعية الناتجة تجبر النظام على تبني سياسة خارجية عدوانية لضمان بقائه، معتبرًا أن "تبني موقف وطني عدائي تجاه إسرائيل - وخاصةً بشأن غزة - يُمثّل بديلاً ناجحًا للسياسات المناهضة للنظام، مما يُحوّل الاستياء الشعبي بعيدًا عن الفشل الداخلي".
وقال أيوب": اصطدم هذا الأساس المحلي الهش بالصدمة الإقليمية الناجمة عن هجمات الحوثيين. وأدى تحويل مسار التجارة الناتج عن ذلك إلى انخفاض حاد في عائدات قناة السويس بنسبة 61.2 بالمائة في الربع الأول من السنة المالية 2024-2025. وقد ترجمت هذه الخسارة الكارثية في العملة الأجنبية على الفور الهشاشة الهيكلية إلى تقلبات جيوسياسية".
وذكر أن "النتيجة هي تحول استراتيجي سريع لإطار السلام. تتحول مصر من شريك متكيف في مكافحة الإرهاب إلى دولة تُرسي موقف ردع تقليدي ضد إسرائيل. ويتجلى ذلك في الحشد العسكري في شبه جزيرة سيناء، والذي يزعم بعض المسؤولين الإسرائيليين أنه يتجاوز حدود الملحق العسكري لعام 1979".
ووصف النزاع على السيطرة على الحدود بين غزة ومصر، ممر فيلادلفيا بأنه أكثر نقاط التوتر تقلبًا، حيث تتعارض مصلحة "إسرائيل" الأمنية في وقف التهريب بشكل مباشر مع مخاوف مصر الوجودية من النزوح الجماعي إلى سيناء. علاوة على ذلك، علّقت مصر قنوات التنسيق الأمني رفيعة المستوى في أعقاب صراع غزة، مما أدى إلى إزالة عامل تشحيم حاسم من "السلام البارد" وزيادة خطر سوء الفهم التكتيكي.
شروط صارمة على المساعدات لمصر
وشدد على أن ديمومة معاهدة عام 1979 تتطلب من الولايات المتحدة و"إسرائيل" معالجة هشاشة مصر، ليس كمشكلة اقتصادية، بل كضرورة جوهرية للأمن القومي. ويجب على الشركاء الغربيين فرض شروط صارمة على المساعدات لفرض تخفيف قبضة الجيش على الاقتصاد.
علاوة على ذلك، قال إن الأمن على المدى الطويل يتطلب تمويلًا كبيرًا للتنمية الاقتصادية غير العسكرية والإدماج الاجتماعي في شبه جزيرة سيناء لمعالجة المظالم الجذرية.
وشدد على أنه لا بد من ممارسة ضغط دبلوماسي فوري بقيادة الولايات المتحدة لإعادة التنسيق الأمني المعلق وإضفاء الطابع الرسمي على ترتيبات أمنية جديدة خاضعة للإشراف المشترك لممر فيلادلفيا.
وحذر أيوب من أن "التدهور الداخلي للدولة المصرية يُحوّل أطول فترة سلام في الشرق الأوسط إلى عداء تقليدي. إذا سُمح لحجر الأساس في المنطقة بالانهيار، فسينهار معه استقرار المنطقة بأسرها".
https://today.lorientlejour.com/article/1484540/egypts-parliamentary-elections-designed-to-cement-sisis-grip.html

