كان العامل الذي خرج قبل عامين إلى المعاش بعد سنوات من العمل في تنظيف الشوارع يركب الدراجة ويسأل باهتمام عن مقر اللجنة الانتخابية ليدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب.

 

أشار أحدهم إلى اللجنة التي تكدس أمامها عشرات النساء، وحين سأله عن سر اهتمامه على الرغم من أنه لا يعرف أيًا من المرشحين، أجاب مبتسمًا: "أصل هيدونا كرتونة".

 

فالناخبون يحصلون على كوبونات يتجهون بعد التصويت إلى أحد المقار القريبة للحصول على كرتونة تحتوي على مواد غذائية، مثل السكر والزيت والشاي.

 

المؤكد أن الرجل مثله كثيرون لا يعنيهم من أمر الانتخابات شيئًا سوى على هذه الكرتونة، وهو ما يكشف إلى أي مدى كيف يدير النظام الانقلابي، المشهد الانتخابي في مصر، بدءًا من اختيار المرشحين وإجبارهم على دفع مبالغ مالية ضخمة، وانتهاءً بالحشد للتصويت من خلال تقديم المال والكراتين الغذائية للناخبين. 

 

الرشى الانتخابية

 

مقاطع فيديو متداولة على منصات التواصل الاجتماعي يرصد كيف يتم تقديم الرشى الانتخابية من جانب المرشحين، استغلالاً لحالة الفقر والعوز لدى كثير من الناس في مصر.

 

ومن ذلك ما شهدته قرية شطورة بمركز طهطا محافظة سوهاج، حين ضبط الأهالي سائق "توك توك" يوزع كراتين دعاية انتخابية، فقاموا بمصادرتها وإلقائها في الشارع. 

 

 

 

ويكاد يكون مشهد توزيع الكراتين على الناخبين هو القاسم المشترك في الانتخابات التي تجرى بـ 14 محافظة، مما أثار حالة من الاستياء الواسع بين المراقبين.

 

ووثق مقطع فيديو، أحد وكلاء المرشحين على "القائمة الوطنية في حب مصر"، وهو يوزع أموالا نقدية على الناخبين.

 

 

وقد ارتفعت قيمة الصوت في اليوم الثاني للانتخابات، ليصل الصوت الواحد إلى ـ500 جنيه.

 

 

وقال النائب ناجي الشهابي، رئيس حزب الجيل، وعضو مجلس الشيوخ، في مداخلة تلفزيونية، إن المال السياسي كان مسيطرًا بشكل كبير، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الأسر.

 

وأشار إلى أن مراقبي الحزب رصدوا أمام بعض لجان محافظات: أسوان وقنا والإسكندرية والجيزة وبني سويف ظاهرة "المال السياسي"، والتي تضمنت توزيع شنط بها بعض المستلزمات الغذائية.

 

 

توزيع كراتين على الناخبين 

 

وأعلن الحزب المصري الديمقراطي، أنه رصد توزيع كراتين مواد غذائية من أنصار بعض المرشحين على الناخبين أمام لجان مدرستي الثورة والنصر في محافظة أسيوط، ولجان مدارس أحمد عرابي وأم المؤمنين والسادات وهدى شعراوي والشهيد هشام شتا في محافظة الجيزة، ومدرسة ميدوم الإعدادية بمحافظة بني سويف.

 

وطالب الحزب، الهيئة الوطنية للانتخابات بفتح تحقيق فوري في وقائع شراء أصوات الناخبين، واتخاذ ما يلزم من إجراءات لضمان تكافؤ الفرص بين المرشحين، وصون حق المواطن في الإدلاء بصوته بحرية تامة

 

انسحاب نشوى الديب

 

المال السياسي الذي تحدث عنه كثير من المراقبين للعملية الانتخابية وحتى قبل بدئها، كان الدافع لإعلان النائبة نشوى الديب، الفائزة بدورتين برلمانيتين على المقعد الفردى المستقل بدائرة إمبابة فى الجيزة، انسحابها قبل فتح باب التصويت بدقائق. 

 

وقالت "الديب": "لقد دخلتُ هذه الانتخابات مؤمنة بروح الجمهورية الجديدة ومتحلية بروح المنافسة الشريفة، إلا أنّ ما شهدته من مخالفات واضحة، وغياب لمعايير النزاهة والشفافية، وعدم تكافؤ الفرص بين المرشحين، يجعل من الاستمرار فى هذه العملية أمرًا لا يتفق مع قناعاتى ولا مع المبادئ التى أؤمن بها".وأكدت أن "الانتخابات النزيهة هى ركيزة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، وحين تُفتقد هذه النزاهة، فإن المشاركة تصبح شكلية لا جوهر لها. وعليه، أعلن انسحابى الكامل من هذه الانتخابات، مع تأكيدى أن موقفى هذا يأتى دفاعًا عن قيم الديمقراطية الحقيقية، وعن حق المواطن فى اختيارٍ حرّ ونزيه".

 

ويقول مراقبون إن ظاهرة شراء الأصوات تطعن في مصداقية ونزاهة الانتخابات، وتضعف من اختيار برلمان قوي يأتي على رأس أولوياته الدفاع عن مصالح الناخبين، في الوقت الذي يبرز فيه الحديث عن "المال السياسي" و"هندسة البرلمان" داخل الأجهزة الأمنية، لضمان عدم وجود معارضة قوية قد تشكل صداعًا في رأس النظام.