في خطوة تحمل رسائل سياسية وأمنية واضحة، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس تحويل الشريط الحدودي مع مصر إلى منطقة عسكرية مغلقة، متذرعاً بارتفاع عمليات تهريب الأسلحة والطائرات المسيّرة. القرار، الذي جاء عقب اجتماع أمني طارئ، يعكس توتراً متزايداً في التعامل الإسرائيلي مع حدودها الجنوبية ويعيد طرح أسئلة حول مستقبل التنسيق الأمني بين القاهرة وتل أبيب.
حدود تحت المجهر العسكري
التصعيد بدأ بإعلان كاتس أمام قيادات الجيش بأن "قواعد اللعبة تغيرت". الاجتماع تناول المخاطر المتصاعدة لتهريب الأسلحة والمخدرات والسجائر عبر الممرات الصحراوية بين سيناء والنقب، مع التشديد على تهديد المسيّرات التي باتت جزءاً أساسياً من الصراعات الإقليمية. وتم الاتفاق على تعزيز التعاون بين إدارة البحث والتطوير الدفاعي وسلاح الجو لتطوير وسائل رصد واعتراض متقدمة، إضافة إلى تحركات لتشديد قوانين ترخيص استخدام المسيّرات داخل إسرائيل.
تعديل تعليمات إطلاق النار
أخطر ما في القرار كان التوسع في قواعد فتح النار. فقد منح الجيش صلاحية استهداف أي متسلل أو مشغّل مسيّرة داخل المناطق المحظورة، مع تصنيف عمليات التهريب باعتبارها "نشاطاً إرهابياً" يستوجب رداً عسكرياً مباشراً. هذا التغيير يرسخ مبدأ الردع الاستباقي ويعكس القلق الإسرائيلي من تطور شبكات التهريب وقدرتها على إيصال تقنيات قتالية إلى قطاع غزة.
الطائرات المسيّرة وسيناريوهات التهريب
تربط إسرائيل بين التهريب الحدودي والمتغيرات التي فرضتها الحرب على غزة، إذ تشير تقديرات أمنية إلى أن المسيّرات أصبحت جزءاً من منظومة الدعم العسكري للفصائل الفلسطينية. وتذكر تقارير سياسية في تل أبيب أن "تعاظم قدرات الجيش المصري" يمثل عاملاً يستوجب المراقبة، ما يعكس مخاوف إسرائيلية تتجاوز التهريب التقليدي إلى حسابات مستقبلية أكثر حساسية.
الدلالات السياسية: ضغط أم تحذير؟
يرى محللون إسرائيليون أن الخطوة تحمل رسالة مزدوجة: مواجهة عمليات التهريب من جهة، والضغط على القاهرة من جهة أخرى. دعوات داخل الحكومة الإسرائيلية طالبت رئيس الوزراء بإعادة تقييم السياسة الحدودية مع مصر وسط حديث عن "خروقات أمنية متكررة" وتغيرات في موازين القوة الإقليمية، خاصة مع اتساع التعاون العسكري المصري مع أطراف دولية مثل الصين وروسيا.
القاهرة بين الضغط والمناورة
رغم استمرار التنسيق الأمني بين مصر وإسرائيل في سيناء، ينظر الجانب المصري بحذر للقرارات الأخيرة وما قد تعنيه من تقليص فعلي للسيادة المصرية على خطوط التماس. ويرى مراقبون أن تل أبيب تستفيد من ذريعة "مكافحة التهريب" لمنح قواتها حرية أوسع في التحرك على الحدود، ما يقيّد الحركة المصرية ويزيد من احتمالات الاحتكاك غير المقصود.
حرب السيادة ببوابة غزة
من زاوية أعمق، لا يفصل مراقبون بين القرار الإسرائيلي ومساعي تل أبيب لإحكام الطوق الأمني حول غزة. فالحديث عن تهريب الأسلحة ليس سوى جزء من رواية أمنية شاملة تستهدف منع أي دعم عسكري للفصائل الفلسطينية وتثبيت معادلات ردع جديدة في محيط القطاع.
سياق إقليمي مضطرب
يمثل التصعيد الإسرائيلي انعكاساً لحالة ارتباك إقليمي تتقاطع فيها ملفات سيناء وغزة والحدود الجنوبية. فقد تحولت المنطقة الحدودية مرة أخرى إلى نقطة اشتباك بين هواجس الأمن الإسرائيلي واعتبارات السيادة المصرية، وسط مناخ إقليمي متوتر يعاد فيه توزيع موازين القوة والتحالفات.
وأخيرا في نهاية المطاف، يعكس القرار الإسرائيلي بتحويل الحدود مع مصر إلى منطقة عسكرية مغلقة تحولاً نوعياً في إدارة الملف الأمني جنوباً، ويكشف عن مستوى غير مسبوق من الريبة في تل أبيب تجاه ما يجري في سيناء وما يصل إلى غزة. وبينما تؤكد إسرائيل أنها تتحرك لمواجهة تهريب الأسلحة والمسيّرات، يتعامل مراقبون مع الخطوة كجزء من استراتيجية أوسع لفرض طوق كامل على القطاع وإعادة تشكيل توازنات القوة في محيطه.
أما القاهرة، فتبقى أمام معادلة دقيقة تجمع بين ضرورات التعاون الأمني ومقتضيات الحفاظ على السيادة. ويبقى السؤال معلقاً: هل يظل التصعيد في حدود الاشتباك التكتيكي أم يفتح الباب أمام تغييرات أعمق قد تعيد رسم قواعد اللعبة على الحدود الأكثر حساسية في المنطقة؟

