ربما كان التساؤل الذي جال بخاطر كثير من المصريين المتابعين لبورصة الترشح لانتخابات مجلس النواب، والتي تتراوح ما بين 50 إلى 70 مليون جنيه للمقعد الواحد، ما هو المقابل الذي سيجنيه المرشح مقابل هذا المبلغ الضخم حال فوزه بمقعد في البرلمان؟.

ويتم ذلك في صورة تبرعات يتم إلزام الراغببن في الترشح على دفعها لصندوق "تحيا مصر"، كشرط للترشح على القوائم التي تلعب الأجهزة الأمنية الدور الأبرز في تشكيلها واختيار المرشحين عليها، الذين سيتم توزيع المقاعد عليهم.
وهو ما يكشف إلى أي مدى يتم "هندسة" البرلمان من رجال أعمال يسعون إلى الاحتماء بالحصانة وتحقيق مكاسب من وراء امتلاكهم لعضوية البرلمان.
 

فوز مضمون لأحزاب الموالاة
وتجرى الانتخابات وفق نظام "القائمة المغلقة المطلقة"، الذي يُقسم مصر إلى دوائر انتخابية يُخصص لكل منها عدد محدد من المقاعد تُملأ بقوائم حزبية أو ائتلافية مغلقة، بحيث يصوّت الناخب للقائمة ككل وليس لأفراد بعينهم داخلها.

الأمر الذي ترفضه أحزاب المعارضة بشدة فيما تصر عليه أحزاب الموالاة حيث تحظى بالنصيب الأكبر من فرص الفوز، الذي يكون بالأغلبية المطلقة من الأصوات (50% +1)، حيث تحصد القائمة الفائزة جميع مقاعد الدائرة، دون توزيع نسبي على باقي القوائم المتنافسة.

غير أن هناك أحزاب رفضت الانضمام إلى تلك القوائم اعتراضَا على الطريقة التي يتم إدارة الانتخابات بها، ومن بينهم حزب "المحافظين".

وقال رئيس الحزب المهندس أكمل قرطام، خلال مؤتمر انتخابي بمحافظة أسوان: "رفضنا الانضمام إلى قائمة أحزاب الموالاة التي تُمنح لها المقاعد بالتزكية، ورفضنا الهندسة السياسية، لأننا أردنا أن نُمثّل الشعب، لا أن نُمثّل عليه، وأن نكون صوتاً له لا سوطاً عليه».
 

فضيحة حزب حماة الوطن
في سبتمبر الماضي، انتشر فيديو للعضوة بحزب "حماة الوطن"، الموالي لسلطة الانقلاب، حنان شرشار تؤكد فيه طلب مبالغ مالية وصلت بعضها إلى 25 مليون جنيه، وقالت "تشتغل شغل العبد وشغل التسخير، تيجي ساعة اللحظة اللي ترجوها من ربنا علشان ربنا يكرمك يقولك هتدفع كام؟ إنت داخل المزاد ولا مش داخل؟ هتشخلل هتعدي، مش هتشخلل مفيش تعدية".

وأوضحت أن أمين الحزب في الجيزة نافع عبد الهادي، هو الذي طالبها بالدفع، وقالت "المرة دي كان السعر من 25 وصل لغاية 50 (مليون جنيه) و25 ليه، لما بقوله بقى لي ست سنين، قال لي آه ما ده علشان شغالة بقى لك ست سنين، معنى كده إن الناس اللي نازلة براشوت دافعة أكثر من أربعينات وخمسينات ويمكن يكون أكثر".

ما ذكرته شرشار يعكس حالة من الغضب المكتوم داخل الأحزاب الموالية للسلطة الحالية، في ظل تجاهل الأعضاء النشطين فيها، وترشيح رجال أعمال بديلاً لهم في انتخابات مجلس النواب، لا لشيء إلا لقدرتهم على اجتياز الشرط الأساسي، متمثلاً فيدفع ما لا يقل عن 50 مليون جنيه مقابل الحصول على ضوء أخضر للترشح.
 

مكاسب وحصانة
ويطرح هذا تساؤلاً مشروعًا: ما الذي يدفع أي من المرشحين لدفع هذا المبلغ الضخم مقابل الترشح؟، الإجابة: بالقطع، الحصول على مكاسب بشتى أنواعها، أو التستر وراء الحصانة حيث لا يمكن مساءلة أي من النواب دون رفع الحصانة عنه للمثول أمام جهات التحقيق، وبعد تصويت المجلس على ذلك.

ومنذ عام 2016، رفض مجلس النواب عشرات طلبات رفع الحصانة المقدمة من النائب العام ضد أعضاء المجلس، من أجل اتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم في قضايا متهمين فيها بـ"السب والقذف والتزوير والنصب والاحتيال والاتجار في الآثار"، بحجة كيدية البلاغات المقدمة ضدهم في هذه القضايا.

وواجه نواب ينتمون إلى حزب "مستقبل وطن"، صاحب الأغلبية في البرلمان، اتهامات بالاتجار في المخدرات والآثار.

ومن بين الذين وردت أسماؤهم في بلاغات وتحقيقات متعلقة بالاتجار في المخدرات والآثار، النائب عن دائرة حلوان في القاهرة، عيد حماد، والنائب عن دائرة الصف في الجيزة علاء عابد، الذي فر إلى خارج البلاد بعد استبعاده من قوائم المرشحين للانتخابات المرتقبة.

وأُثيرت شبهات بشأن حصول عابد على مليوني جنيه (نحو 81 ألف دولار) من كل مرشح زُكّيَ اسمه لخوض الانتخابات على قوائم حزب "مستقبل وطن" في انتخابات 2020، بالإضافة إلى 20 مليونًا أخرى يحصل عليها الحزب.

رائحة الفساد التي حامت حول عدد من النواب دفعت رئيس مجلس النواب السابق، حنفي جبالي إلى الاجتماع مع عدد من قيادات حزب الأغلبية في المجلس وطالبهم بإبعاد هؤلاء الذين تحيط بهم الشبهات عن المشهد النيابي، وعدم ظهورهم في وسائل الإعلام نهائيًا، وعدم عدم ترشحهم لعضوية المجلس في الانتخابات المقبلة، في مقابل استمرار تمتعهم بالحصانة في ما تبقى من الفصل التشريعي.