رغم دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي حيّز التنفيذ، ورغم التزام حماس بتنفيذ المرحلة الأولى من خطة التسوية التي تشمل تسليم جثث أسرى إسرائيليين، لا تزال إسرائيل تواصل خرق التفاهمات، فارضة حصارًا خانقًا على قطاع غزة، وسط مماطلة في تطبيق بنود الاتفاق، وهجمات عسكرية يومية توقع مزيدًا من الضحايا في صفوف المدنيين الفلسطينيين.
 

التزام فلسطيني يقابله تراجع إسرائيلي
كشفت مصادر دبلوماسية وميدانية عن التزام حركة حماس ببنود المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والتي تقضي بتسليم جثث الجنود الإسرائيليين المحتجزة في غزة. ورغم تسليم ثلاث جثث عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وُوجهت الخطوة بتشكيك إسرائيلي في الهوية، وسط استخدام واضح لهذا الغموض كذريعة للاستمرار في خرق الاتفاق.

وقال مصدر عسكري إسرائيلي إن الجيش تسلم ثلاث جثث مجهولة الهوية من قطاع غزة، نُقلت فورًا إلى مختبر الطب الشرعي لتحديد هويتها. وأضاف أن المعلومات الأولية تشير إلى أن الجثث "ربما لا تعود لأسرى إسرائيليين"، ما يعكس نية مبيتة للتنصل من التزامات إسرائيل بموجب الاتفاق، وربما التمهيد لحملة عسكرية جديدة.

وفي المقابل، أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنها قامت بدورها كوسيط إنساني، وسهّلت تسليم الجثث إلى الجانب الإسرائيلي دون الإدلاء بمزيد من التفاصيل، التزامًا منها بمبدأ الحياد.
 

حصار خانق وتقييد لدخول المساعدات
رغم النص الواضح في الاتفاق على إدخال مساعدات إنسانية إلى القطاع المحاصر، تؤكد تقارير أممية ومحلية أن إسرائيل تسمح بدخول عدد محدود جدًا من الشاحنات، لا يفي بالاحتياجات الأساسية لأكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في غزة.

ويُتهم الاحتلال باستخدام هذا التضييق كأداة ضغط سياسي، متجاهلًا الكارثة الإنسانية المتفاقمة. وتشير مصادر في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) إلى أن كمية الإمدادات التي تدخل القطاع لا تتجاوز 30% من المطلوب، ما ينذر بأزمة غذائية وصحية كبيرة في ظل تردي البنية التحتية ونقص الوقود والدواء.
 

خروقات يومية تهدد التهدئة
وفي وقت لا تزال فيه غزة تلملم جراحها، تواصل إسرائيل شنّ غارات متفرقة، مستهدفة ما تقول إنها "مواقع عسكرية" لحماس، بينما يسقط في كل مرة ضحايا مدنيون، بينهم أطفال ونساء.
ويؤكد شهود عيان أن الهجمات تتعمّد ضرب مناطق سكنية، ما يجعل الحديث عن "وقف إطلاق النار" أقرب إلى التهدئة الهشة التي يمكن أن تنهار في أي لحظة.

ويقول محللون إن إسرائيل تتبع سياسة "الضغط المنضبط"، حيث تستخدم ذريعة عدم تسليم جميع الجثث كأداة لمواصلة التصعيد تحت سقف محسوب، دون العودة إلى مواجهة شاملة، لكنها تستمر في فرض معاناة يومية على سكان القطاع.
 

تحركات دولية لمراقبة وقف إطلاق النار
سياسيًا، تتواصل المباحثات الإقليمية والدولية حول إمكانية تشكيل قوة مراقبة دولية للإشراف على تطبيق وقف إطلاق النار. وفي هذا السياق، أجرى رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، دان كين، جولة استطلاعية بمروحية إسرائيلية فوق قطاع غزة، في إطار زيارة رسمية إلى تل أبيب.

وتشير مصادر مطلعة إلى أن كين ناقش مع قادة الجيش الإسرائيلي سبل تثبيت التهدئة وتقييم الأوضاع الميدانية، في ظل مخاوف أميركية من انزلاق الوضع نحو تصعيد جديد يُقوّض جهود الوساطة الدولية.
 

ختاما فرغم الخطوات الإيجابية الأولية التي اتخذتها حركة حماس، فإن السلوك الإسرائيلي يكشف عن نية واضحة للمماطلة والتهرب من الالتزامات، بل واستخدام الملف الإنساني كورقة ضغط سياسية.

وبينما يعاني سكان قطاع غزة من ظروف لا تطاق، تبدو الآمال في تثبيت التهدئة رهينة بجدية المجتمع الدولي في محاسبة من يخرق الاتفاقات ويحول المساعدات إلى أدوات ابتزاز سياسي.
وحتى ذلك الحين، يظل الفلسطينيون في غزة تحت نار الحصار والقصف، في انتظار عدالة لا تأتي.