بينما تتزايد الأعباء الاقتصادية على الدولة، وتُثقل كاهل المواطنين موجات الغلاء المتتالية، خرجت الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس لتعلن عن حصولها على قرض طويل الأجل بقيمة 30 مليار جنيه من بنك CIB، بهدف تطوير الموانئ والمناطق الصناعية والبنية التحتية.

 

الخبر الذي بدا في ظاهره خطوة تنموية، أثار في الحقيقة تساؤلات جوهرية لدى الرأي العام:

 

أين ذهبت إيرادات "تفريعة قناة السويس الجديدة" التي روّج لها النظام كرافعة اقتصادية كبرى؟

 

لماذا تلجأ الهيئة للقروض المحلية بهذا الحجم بعد كل الوعود السابقة؟

 

وهل باتت الدولة تكرر حلقة الاقتراض لسداد مشروعات لم تدرّ العائد المتوقع؟

 

تفريعة قناة السويس: مشروع الأحلام التي لم تتحقق

 

في عام 2015، افتتح قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي "تفريعة قناة السويس الجديدة"، وسط احتفالات رسمية وإعلامية غير مسبوقة. قيل وقتها إنها ستكون "هدية مصر للعالم"، و"الممر المائي الأهم في القرن 21"، بل وُعد المصريون بأن إيرادات قناة السويس ستتضاعف لتصل إلى 13 مليار دولار سنويًا بحلول 2023.

 

لكن بعد مرور ثماني سنوات، تؤكد الأرقام الرسمية أن الإيرادات زادت بنحو طفيف ومتذبذب، ولم تصل إلى الأرقام الموعودة. والأسوأ أن المشروع نفسه لم يؤدِ إلى الطفرة المأمولة في الصناعة أو الاستثمار أو التشغيل.

 

بل على العكس، تتجه الهيئة الآن للاقتراض الداخلي، وهو ما يفتح باب التساؤل: أين ذهبت المليارات التي جُمعت باسم القناة؟ وماذا تحقق فعليًا؟

 

اقتراض لتطوير ما كان يُفترض أنه تم تطويره

 

اللافت أن القرض الجديد يُخصص لتطوير الموانئ والمناطق الصناعية التابعة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس — وهي نفس المناطق التي أنفقت الدولة عليها بالفعل مئات المليارات خلال السنوات الماضية.

 

فما الذي تغيّر؟ ولماذا نحتاج إلى تمويل جديد؟

 

وهل أصبح الاقتراض هو البديل عن العوائد الحقيقية التي كان يُفترض أن تحققها التفريعة الجديدة، التي قيل إنها ستُغني مصر عن المساعدات والقروض؟

 

الشكوك تتزايد بأن ما يحدث هو ترقيع اقتصادي لمشروع لم يُخطط له جيدًا من البداية، اعتمد على الدعاية لا على الجدوى.

 

"قناة السويس الجديدة" أم "المأزق المالي المتجدد"؟

 

في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة، وارتفاع ديون مصر الداخلية والخارجية إلى مستويات غير مسبوقة، يصبح من الصعب تبرير اقتراض جديد بهذا الحجم، دون شفافية حقيقية في الإجابة عن:

 

ما هي العوائد الفعلية لمشروع قناة السويس الجديدة حتى الآن؟

 

كم أنفقنا عليه فعليًا؟ وكم جُمع من شهادات الاستثمار؟

 

ما نصيب المواطن العادي من هذه العوائد؟ وهل أثرت على حياته بشكل إيجابي؟

 

ما الجدوى من ضخ 30 مليارًا جديدة، إذا كان المشروع نفسه لم يحقق الأهداف الأصلية؟

 

الاقتراض المتكرر.. سياسة تغطية لا تنمية

 

النمط بات واضحًا: كلما تعثّر مشروع قومي تم الترويج له على أنه "إنجاز غير مسبوق"، يتم اللجوء إلى قروض جديدة لتغطيته، بدلاً من مراجعة السياسات أو محاسبة من تسببوا في فشل التنفيذ أو التضليل في التوقعات.

 

بهذا المنطق، يتحول المشروع القومي من مصدر دخل مستدام إلى عبء متراكم على الاقتصاد، يُحمّل للمواطنين عبر الضرائب ورفع الأسعار وخفض الدعم.

 

ويقول خبير اقتصادي رفض ذكر اسمه: "لو كانت تفريعة قناة السويس تحقق أرباحًا حقيقية، لما احتاجت الهيئة لقرض محلي ضخم بهذا الشكل. هذا يعكس إما عجزًا في الإيرادات، أو سوء إدارة للموارد، أو فشلًا في تحقيق العائد المرجو."

 

في كل هذه المنظومة، يظل المواطن المصري آخر من يعلم، رغم أنه أول من يدفع الثمن.

 

فلا أحد يشرح له حقيقة ما جرى في مشروع القناة، ولا لماذا لم تنخفض الأسعار رغم زيادة الإيرادات المعلنة، ولا لماذا تقترض الدولة من البنوك المحلية بمليارات الجنيهات، في وقت تتحدث فيه عن "التحوّل إلى اقتصاد إنتاجي".

 

قناة السويس ليست مجرد ممر مائي

 

كانت قناة السويس، على مدار عقود، رمزًا للسيادة الوطنية والاستقلال الاقتصادي. لكن تحت الإدارة الحالية، تحولت إلى شعار استثماري مشوّش، لا يُستخدم إلا للدعاية، ولا يُراجع إلا عند الفشل.

 

وإذا كانت الدولة تُقنع الناس بأن "الموانئ ستدر ذهبًا"، فإن أبسط حقوق المواطن هو أن يعرف: أين ذهبت كل المليارات السابقة؟ ولماذا لا يرى عوائدها في حياته؟

 

وإلى أن تُقدَّم الإجابة، سيبقى شعار "قناة السويس الجديدة" بلا قيمة، ما دام يتحوّل مع الوقت إلى خزان جديد للديون، بدلًا من كونه مصدرًا للتنمية الحقيقية.