أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعيين مارك سافايا مبعوثًا خاصًا له في العراق، وذلك قبل أقل من عشرين يومًا على موعد الانتخابات البرلمانية المرتقبة في البلاد، في لحظة تتقاطع فيها الحسابات الانتخابية الأمريكية مع تحولات المشهد العراقي المعقد.
القرار أثار تساؤلات عميقة حول أهداف واشنطن المقبلة في العراق، لا سيّما وأن تعيين المبعوث الجديد جاء في ظل استعداد الولايات المتحدة للانسحاب العسكري الكامل من البلاد بحلول سبتمبر 2026، وتحول العلاقة بين بغداد وواشنطن إلى شراكة أمنية ثنائية بدلاً من الوجود العسكري المباشر، وسط مخاوف أمريكية من تمدّد النفوذ الإيراني وملء طهران للفراغ المحتمل.
مبعوث بطابع اقتصادي.. و"دبلوماسية نفوذ ناعم"
يرى مراقبون أن مارك سافايا لا يمثل فقط الذراع السياسية لترامب في العراق، بل يحمل أيضًا ملفًا اقتصاديًا ضخمًا، يعكس تحولًا في أسلوب واشنطن من النفوذ العسكري إلى ما يصفه الخبراء بـ"الدبلوماسية الاقتصادية".
ويقول الدكتور فيصل غازي السكوتي، رئيس "المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية"، إن "المبعوث الأمريكي الجديد قد يفتح الباب أمام استثمارات عالمية كبرى في العراق، عبر أدوات اقتصادية وتجارية وتنموية بدلًا من القوة العسكرية أو العقوبات".
ويضيف أن واشنطن تسعى لاستخدام الاستثمار والبنى التحتية والشراكات مع القطاع الخاص والمجتمع المدني كأدوات تأثير جديدة في المنطقة، مشيرًا إلى أن العراق يمتلك فرصًا اقتصادية ضخمة من خلال عوائده النفطية، وحاجته إلى إعادة إعمار وتحديث خدماته العامة، واستثمار كفاءاته المحلية والاغترابية.
إلا أن السكوتي يحذر من أن هذا التوجه سيواجه بيئة سياسية وأمنية معقدة، نظرًا لانتشار الجماعات المسلحة، وتغلغل الفساد، والنفوذ الإيراني العميق داخل مؤسسات الدولة، مؤكدًا أن "أي مبادرة اقتصادية أمريكية لن تنجح ما لم تترافق مع إصلاحات سياسية وأمنية حقيقية".
بغداد ترحب... ومؤشرات على "علاقات خاصة" سابقة
في المقابل، رحب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بتعيين سافايا، واعتبره خطوة مهمة "خاصة وأنه من أصول عراقية"، في إشارة إلى إمكانية تسهيل التواصل والتفاهم بين الجانبين.
وأظهرت صور متداولة لقاءات سابقة بين سافايا والسوداني، يرجح أنها كانت في إطار زيارات غير معلنة تتعلق بملفات حساسة، من بينها التوسط للإفراج عن الباحثة الروسية–الإسرائيلية إليزابيث تسوركوف التي اختطفتها مليشيا "كتائب حزب الله" العراقية.
من جانبه، اعتبر النائب مختار الموسوي، عضو الإطار التنسيقي الحاكم، أن "العراق يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالولايات المتحدة اقتصاديًا، كون عائدات النفط العراقية تودع في البنك الفدرالي الأمريكي"، مؤكدًا أن تعيين مبعوث خاص يعكس "اهتمام الإدارة الأمريكية باستقرار العراق والمنطقة".
مهام متعددة... والهدف الأكبر "تحجيم إيران"
وفي قراءة أخرى، يرى المحلل السياسي غالب الدعمي أن تعيين سافايا يأتي في سياق مشابه لتجربة المبعوث الأمريكي إلى لبنان باراك توماس، لكن مع اختلاف بيئة الصراع وتعقيد المشهد العراقي.
ويقول الدعمي إن "المطلوب من سافايا هو الضغط على الحكومة العراقية لتقليص نفوذ الفصائل المسلحة، وإضعاف الحشد الشعبي كمؤسسة موازية للدولة، دون الذهاب بالضرورة إلى حلها الكامل".
ويشير إلى أن مهمة المبعوث لا تقتصر على الجانب الأمني، بل تمتد إلى ملفات الاستثمار والطاقة وإعادة الإعمار، حيث تؤكد واشنطن أن استمرار النفوذ الإيراني يشكل عقبة أمام تدفق الاستثمارات الأمريكية والغربية إلى العراق.
ويخلص الدعمي إلى أن جوهر المهمة يتمثل في تقويض النفوذ الإيراني، وإعادة توجيه العراق نحو محور سياسي واقتصادي أكثر قربًا من واشنطن.
عراق ما بعد الحرب.. ومهام تسبق "المواجهة الكبرى"
أما الخبير السياسي بهاء خليل فيرى أن التحركات الأمريكية تأتي ضمن استراتيجية أوسع لإخلاء المنطقة من المليشيات المسلحة، تمهيدًا لمواجهة محتملة بين إيران وإسرائيل.
ويقول خليل إن "تعيين مبعوث خاص للعراق في هذا التوقيت يعني أن واشنطن تسعى إلى تجفيف منابع النفوذ الإيراني في العراق قبل اندلاع أي مواجهة إقليمية، خاصة بعد انتهاء الحرب في غزة وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا".
ويضيف أن اختيار مارك سافايا تحديدًا يعود إلى قربه من الحكومة العراقية ومعرفته الدقيقة بطبيعة التوازنات السنية–الشيعية في البلاد، إضافة إلى دوره السابق في الوساطة بقضايا شائكة.
ويرى خليل أن ترامب يسعى إلى منع وصول القوى المسلحة المدعومة من إيران إلى البرلمان أو الحكومة المقبلة، مشيرًا إلى أن المبعوث الأمريكي سيضغط لتطبيق قانون الأحزاب (الفقرة 23) التي تمنع مشاركة الفصائل المسلحة في الانتخابات.
ترامب بين "السلام" و"المكاسب النفطية"
تقول مصادر سياسية في واشنطن إن عودة ترامب إلى الانخراط المباشر في الملف العراقي تأتي ضمن رؤيته الجديدة للشرق الأوسط، القائمة على "الاستقرار مقابل الاستثمار"، وأن العراق يمثل في نظره منجم نفط واستقرار محتمل إذا ما تم تحجيم النفوذ الإيراني داخله.
ويشير مراقبون إلى أن ترامب، الذي كان يسعى سابقًا للحصول على جائزة نوبل للسلام عبر إنهاء الحروب الطويلة في المنطقة، يريد الآن عراقًا "مستقرًا وقويًا"، ولكن بهوية اقتصادية أمريكية واضحة وبتوازن سياسي يضمن عدم انزلاقه نحو محور طهران.

