تتواصل المآسي في السودان، وهذه المرة من مدينة الفاشر التي شهدت واحدة من أكثر الجرائم بشاعة منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، حيث نفّذ أفراد تابعون لقوات الدعم السريع عملية تصفية جماعية لمجموعة من المواطنين العزّل في أحد أحياء المدينة، وفق ما أكدته مصادر محلية وشهود عيان، وتداول ناشطون على مواقع التواصل مقاطع فيديو مروّعة توثّق لحظات إعدام عدد من المدنيين ميدانياً.

وأظهرت المقاطع التي انتشرت على نطاق واسع عبر المنصات السودانية والعربية مشاهد لجثث مدنيين سقطوا برصاص مباشر، وسط حالة من الهلع والدمار في الشوارع. وتحدثت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر عن أن الحادثة تأتي في سياق حملة انتقامية تنفذها قوات الدعم السريع المدعومة من الاحتلال الاماراتي، ضد سكان المدينة، بعد فشلها في تحقيق تقدم حاسم خلال الأيام الماضية.

https://www.facebook.com/reel/121567052394570

 

كارثة إنسانية تفوق الوصف

وأشارت التنسيقية، في بيان سابق لها مطلع أكتوبر الجاري، إلى أن المدينة "تعيش تحت قصف يومي يستهدف المدنيين مباشرةً"، مؤكدة سقوط أكثر من 60 قتيلاً في قصف سابق شُنّ بواسطة طائرات مسيّرة، اتهمت فيه "الدعم السريع" بشنّ الهجوم عمداً.

وأوضح البيان أن "القصف أدى إلى انهيار مبانٍ واحتجاز جثث تحت الأنقاض"، وأن الهجمات الأخيرة تحمل طابعاً انتقامياً "يقترب من الإبادة الجماعية"، في ظل استمرار انقطاع الخدمات الأساسية، ونفاد الغذاء والدواء، وارتفاع معدلات الوفيات اليومية إلى أكثر من 30 شخصاً يومياً بين الأطفال وكبار السن بسبب القصف أو الجوع أو الأمراض.

ودعت التنسيقية المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية إلى التحرك العاجل لحماية المدنيين ووقف ما وصفته بـ"المجزرة الصامتة"، مشيرة إلى أن صمت العالم يشجع على استمرار الجرائم في دارفور.

 

معارك متصاعدة وتقدم ميداني خطير

تزامنت هذه التطورات مع تصاعد غير مسبوق في حدة المعارك داخل وحول مدينة الفاشر، حيث شنّت قوات الدعم السريع فجر الأحد هجوماً واسع النطاق من عدة محاور على مواقع الجيش السوداني في المدينة، وتمكنت – وفق بيان رسمي صادر عنها – من السيطرة على مقرّ الفرقة السادسة مشاة، أحد أهم المواقع الاستراتيجية التابعة للجيش في شمال دارفور.

وقال المتحدث باسم الدعم السريع، الفاتح قرشي، إن "تحرير الفرقة السادسة يمثل محطة مفصلية في مسار المعارك ويؤسس لدولة جديدة يتشارك جميع السودانيين في بنائها على أسس الحرية والعدالة"، مؤكداً أن قواته ستعمل مع ما يُعرف بـ"حكومة التأسيس" الموازية لتأمين المدنيين وتسهيل عودة النازحين.

من جانبه، نفى الجيش السوداني فقدان السيطرة على الفاشر، مؤكداً في بيانات غير رسمية أن "القوات أعادت تموضعها تكتيكياً داخل المدينة" وأنها بدأت "هجوماً معاكساً" لاستعادة المواقع التي دخلتها قوات الدعم السريع، في وقت شهدت فيه المدينة اشتباكات عنيفة وقصفاً مدفعياً مكثفاً استهدف الأحياء السكنية.

 

"الفاشر تحترق" وسط حرب الطائرات المسيّرة

تشهد المدينة، منذ أكثر من أسبوعين، حرب طائرات مسيّرة بين الجيش والدعم السريع، حيث شنّ الطرفان هجمات متبادلة على مواقع استراتيجية.
الجيش السوداني استهدف مناطق سيطرة الدعم في نيالا والجنينة والزرق، فيما ردّت الأخيرة بهجمات "انتحارية" بطائرات مسيّرة استهدفت العاصمة الخرطوم، ومحطة كهرباء في سنجة، وقاعدة كنانة الجوية، ومدينة الدمازين في النيل الأزرق.

وتصف منظمات محلية الوضع في الفاشر بأنه "الأسوأ منذ بداية الحرب"، حيث يعيش عشرات الآلاف من المدنيين في حالة حصار خانق منذ مايو الماضي، مع انقطاع المياه والكهرباء، وغياب المساعدات الإنسانية بسبب القتال المتواصل.

 

تحذيرات أممية: السودان يواجه "أسوأ أزمة نزوح وجوع في العالم"

في السياق ذاته، أطلقت أربع منظمات تابعة للأمم المتحدة – هي المنظمة الدولية للهجرة، ومفوضية شؤون اللاجئين، واليونيسف، وبرنامج الأغذية العالمي – تحذيراً مشتركاً من "الانهيار الكامل للوضع الإنساني" في السودان، مشيرة إلى أن أكثر من 25 مليون سوداني باتوا بحاجة ماسة للمساعدات المنقذة للحياة.

وخلال إحاطة مشتركة في نيويورك، قال مسؤولو الأمم المتحدة إنهم شاهدوا بأعينهم في دارفور والخرطوم وبورتسودان "كارثة بشرية تفوق الوصف"، وأكدوا أن المدنيين يواجهون خطر الموت جوعاً، وأن النساء والأطفال يتحملون العبء الأكبر من ويلات الحرب، داعين إلى وقف فوري لإطلاق النار وضمان وصول المساعدات دون عوائق.

 

مفاوضات هادئة في واشنطن ومحاولات فاشلة للتهدئة

ورغم نفي مجلس السيادة السوداني وجود أي مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع قوات الدعم السريع، كشفت مصادر دبلوماسية عن اجتماعات غير معلنة في العاصمة الأميركية واشنطن بين وفد من الحكومة السودانية ومسؤولين أميركيين، في إطار خريطة الطريق الأميركية لإنهاء الحرب.

وأكدت وزارة الخارجية السودانية أن الوزير محي الدين سالم وصل إلى واشنطن بدعوة رسمية من الإدارة الأميركية "لبحث سبل التعاون الثنائي ودعم مسار السلام"، بينما يرى مراقبون أن المباحثات تأتي وسط ضغوط دولية متزايدة على الطرفين لوقف القتال.

 

حرب بلا نهاية… وشعب يواجه الموت يومياً

منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 إبريل 2023، قُتل نحو 20 ألف شخص – وفق تقديرات أممية – فيما قدّرت دراسة أجرتها جامعات أميركية عدد القتلى الفعلي بنحو 130 ألف شخص، مع نزوح وتشريد أكثر من 15 مليون سوداني داخل البلاد وخارجها.

ويجمع المراقبون على أن ما يجري في دارفور والفاشر على وجه الخصوص يقترب من جرائم حرب وإبادة جماعية، وسط غياب شبه كامل للمساءلة الدولية واستمرار عجز المجتمع الدولي عن التدخل لوقف النزيف.