تشهد محافظة البحيرة خلال الأيام الأخيرة حالة من الغليان المعيشي بعد القرارات الأخيرة بتحريك أسعار الوقود، والتي انعكست بشكل مباشر على الأسواق، وحياة المواطنين اليومية، لتطلّ موجة جديدة من الغلاء وغياب الرقابة، جعلت من "لقمة العيش" عبئًا ثقيلًا على كاهل محدودي الدخل.
ففي الوقت الذي تبرر فيه الحكومة رفع أسعار الوقود بالظروف الاقتصادية العالمية، لم ينتظر التجار والسائقون طويلًا، إذ استغل كثير منهم القرار لرفع الأسعار أو تقليل الأوزان والأحجام، في ظل غياب واضح للرقابة التموينية والمرورية بالمحافظة.
الأسعار تشتعل.. والتجار يبررون
منذ الساعات الأولى لبدء تطبيق الزيادة الجديدة في أسعار الوقود، شهدت الأسواق في مدن وقرى البحيرة زيادات مفاجئة في أسعار السلع الغذائية، وعلى رأسها الأسماك، والخضروات، والخبز السياحي، والفينو.
يقول شحاته صلاح، عامل من مركز حوش عيسى، إن التجار رفعوا الأسعار بنسبة وصلت إلى 25%، مضيفًا: "كيلو البلطى الكبير بقى بـ115 جنيه بعد ما كان بـ90، والبورى وصل لـ170 جنيه، حتى السردين اللي كان بـ65 بقى بـ90 جنيه... ده كان طعام الغلابة واتحول لرفاهية".
أما فايزة سعد، ربة منزل من مركز أبو حمص، فتؤكد أن أسعار الخضروات ارتفعت بشكل كبير وغير مبرر، قائلةً: "الطماطم بـ28 جنيه، والكوسة بـ25، والباذنجان بـ16 جنيه، وإحنا مش قادرين نلحق على مصاريف البيت.. جوزي على المعاش والدخل 3 آلاف جنيه، ده ميكفناش أسبوع".
الخبز السياحي والفينو.. "تثبيت السعر وتقليص الحجم"
وفي محاولة للتحايل على المستهلكين، لجأ بعض أصحاب المخابز إلى تقليل الوزن أو الحجم بدلًا من رفع السعر، وهو ما أثار استياء الأهالي.
يقول علي رمضان، عامل من كفر الدوار: "المخابز قللت الوزن من غير ما تقلل السعر.. الثلاث أرغفة الفينو بقت بـ10 جنيه بدل أربعة، والرغيف بقى صغير كأنه بقسماط، بس الناس مضطرة تشتري عشان الولاد في المدارس".
المواصلات.. الأجرة حسب المزاج
ولم تقتصر تداعيات رفع أسعار الوقود على الأسواق فحسب، بل امتدت إلى مواقف سيارات الأجرة في مراكز المحافظة المختلفة، حيث تحولت الزيادة إلى فوضى في تعريفة الركوب.
يقول هاشم سالم، موظف من دمنهور: "السواقين بيقطعوا المشاوير نصين عشان يضاعفوا الأجرة.. واللي يعترض بيتشتم أو يتضرب. أغلب العربيات متهالكة ومفيش عليها لوحات، وبيسوقها عيال صغيرين من غير رخص".
ويضيف سالم أن غياب الرقابة من الجهات المختصة جعل بعض السائقين يتعاملون مع الركاب وكأنهم في غابة، دون التزام بتسعيرة أو رقابة تردعهم.
المزارعون في مواجهة أزمة الوقود
من ناحيته، عبّر سلامة صبري، مزارع من كفر الدوار، عن استيائه من الارتفاع الحاد في أسعار الوقود، وخاصة السولار اللازم لتشغيل ماكينات الري، موضحًا أن ذلك يهدد استمرارية الزراعة نفسها.
"تكاليف الري زادت جدًا، والأسمدة والمبيدات كمان غليت بحجة النقل. لازم الحكومة تخصص حصة مدعومة من السولار للمزارعين، وإلا الإنتاج هيقل والأسعار هتعلى أكتر."
غياب الرقابة.. حضور المعاناة
أكد المواطنون أن غياب الرقابة التموينية والمرورية فتح الباب أمام جشع البعض، مشيرين إلى أن حملات التفتيش إن وُجدت، فهي "موسمية" ولا تُحدث أي تأثير حقيقي على أرض الواقع.
وتتزايد مطالب الأهالي بضرورة تدخل محافظة البحيرة ووزارة التموين لضبط الأسواق، وتشديد الرقابة على المخابز والمواقف، وتطبيق تعريفة رسمية واضحة تُلزم الجميع بها، حتى لا يبقى المواطن وحده هو من يدفع ثمن القرارات الاقتصادية.
ومع استمرار تصاعد الأسعار وتراخي أجهزة الرقابة، يعيش المواطن البحراوي في دوامة من المعاناة اليومية، بين أجرة المواصلات حسب المزاج، وأسعار السلع التي ترتفع بلا مبرر، لتبقى الصرخة الموحدة على لسان الجميع: "عايزين رقابة.. عايزين عدل.. مش كل مرة المواطن هو اللي يدفع!".