تتجه حكومة الانقلاب، وفق مصادر داخل وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، إلى بدء رفع أسعار الكهرباء اعتبارًا من فاتورة أكتوبر 2025، بنسب تتراوح بين 15% و25% للشرائح الأولى، وتصل حتى 45% للشرائح الأعلى استهلاكًا، بدعوى ارتفاع كلفة الإنتاج واعتماد أكبر على الغاز المُستورد.
يأتي ذلك وسط رسائل حكومية سابقة نفت أي زيادات قبل نهاية العام، ما يفاقم حالة الارتباك لدى المستهلكين.
إنكار علني واستعدادات داخلية
كرّر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير الكهرباء والطاقة المتجددة الدكتور محمود عصمت خلال الأسابيع الماضية الحديث عن عدم وجود زيادات “حتى نهاية العام”.
في المقابل، تفيد تقديرات داخل الوزارة بأن تحريك التعريفة بات مطروحًا على الطاولة، مع سيناريو يبدأ بموجات جزئية تطال شرائح بعينها ثم يتوسع لاحقًا.
هذا التضارب بين الخطاب العلني والتجهيزات الفنية يضع ملايين الأسر والمنشآت الصغيرة أمام مفاجآت محتملة في فواتير الخريف.
حجج الكلفة والعجز
يعزو وزير الكهرباء الدكتور محمود عصمت الحاجة إلى الرفع لـ“عجزٍ مالي” ناتج عن كلفة تشغيل مرتفعة ونقصٍ في إنتاج الغاز والزيت الخام محليًا، ما يضطر القطاع لاستيراد جزء من الاحتياجات بالعملة الصعبة.
ووفق المعطيات الحكومية، تجاوزت فاتورة إنتاج الطاقة حاجز 25 مليار جنيه شهريًا، مع أولوية لضمان استمرارية الإمداد وتخفيف الأعباء عن الخزانة.
غير أن تفاصيل عقود الوقود، وحجم الفاقد الفني والتجاري في الشبكة، وجدولة الديون البينية مع قطاع البترول، تبقى خارج الإفصاح العلني الشامل حتى الآن.
البرلمان: تقليص الدعم والتحوّل إلى النقدي
يؤكد رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب الدكتور فخري الفقي أن التوجّه العام يقوم على تقليص دعم الطاقة تدريجيًا والانتقال إلى الدعم النقدي المباشر للفئات الأَولى بالرعاية.
وبحسب الفقي، تستهدف الحكومة خفض مخصصات دعم الكهرباء إلى نحو 75 مليار جنيه في موازنة 2025/2026، على أن يُعاد توجيه الموارد نحو أدوات تعويض نقدية أكثر “كفاءة” من الدعم السلعي التقليدي.
أثر مباشر على المعيشة والأسعار
عمليًا، من شأن أي تحريك للتعريفة أن يضيف عبئًا جديدًا على الطبقة الوسطى ومحدودي الدخل، خصوصًا مع موجة الغلاء وتآكل الدخول.
فالزيادات المتوقعة بين 15% و45% لن تمس “الاستهلاك الكمالي” فقط؛ بل سترفع كلفة الاحتياجات الأساسية داخل المنازل والورش والمحالّ الصغيرة، ما يُرجّح انتقال الزيادة إلى أسعار السلع والخدمات وتعميق الحلقة التضخمية.
كما تتزايد شكاوى مواطنين من “زيادات غير مُعلنة” في فواتير الأشهر الماضية، ويرون أن تثبيت شريحة أو اثنتين لا يكفي ما لم تُحمَ كمية معيشيّة أساسية من الكهرباء بسعر اجتماعي فعلي.
خبراء: الحماية الاجتماعية أولًا وكفاءة المنظومة قبل الفاتورة
يرى خبير الطاقة الدكتور جمال القليوبي أن أي تحريكٍ للأسعار ينبغي أن يسبقه برنامج حماية اجتماعية مُحكم للفئات الهشة، يشمل حدًا معيشيًا من الكيلوواط/ساعة بسعر رمزي لا يُمس، وجدولة ميسّرة لمتأخرات غير القادرين، إضافة إلى مراجعة عبء ضريبة القيمة المضافة على الاستهلاك المنزلي الأدنى.
ويشير القليوبي إلى أن تقليص الفاقد الفني والتجاري وربط مكافآت الإدارات بأهداف خفضٍ سنوية معلنة، مع إعادة التفاوض على ديون القطاع وتسريع إدماج المتجدّدات بعقود محلية المحتوى، يمكن أن يوفر جزءًا ملموسًا من فجوة التمويل قبل اللجوء لرفع الفواتير.
سيناريوهات مقبلة
بحسب المعطيات المطروحة، تقف الحكومة أمام خيارين رئيسيين:
- تثبيت فعلي حتى مطلع 2026 مع تمويل إضافي للدعم ونشر كشف تفصيلي للكلفة
- أو تحريك تدريجي مبكّر يطال شرائح محددة، على أن يقترن بتوسيع قنوات التعويض النقدي وإعلان معايير الاستحقاق وآلية الفهرسة للتضخم بوضوح.
وأخيرا فالطاقة أصبحت عبء معيشي مكلف يفرض على المصريين تحمل تكلفة سياسات التحرير المالي دون حماية اجتماعية واضحة.
مع كل موجة زيادة، يتصاعد الغضب الشعبي ويزداد فقدان الثقة في قدرة الحكومة على تحقيق العدالة الاجتماعية، بينما يطالب الخبراء بوقف سياسات رفع الأسعار، ومراجعة عميقة لخطط الدعم وتطبيق حلول تحمي ملايين المواطنين من الدخول في دوامة الفقر والطرد من منظومة الحياة الكريمة