شهدت أسواق النفط العالمية موجة هبوط ملحوظة خلال أكتوبر 2025؛ إذ تراجع خام برنت إلى نحو 61 دولارًا للبرميل، وهو أدنى مستوى منذ سنوات، على وقع مخاوف فائض المعروض وتباطؤ الطلب العالمي وتوترات تجارية دولية، وفق تقارير وكالات الطاقة الكبرى.

هذا السياق العالمي كان يُفترض أن يخلق هامشًا يسمح للدول المستوردة بخفض أسعار المشتقات أو على الأقل تثبيتها.
لكن في مصر، قررت لجنة التسعير التلقائي رفع الأسعار للمرة الثانية هذا العام يوم 17 أكتوبر، بنسب تراوحت بين 10.5% و12.9% شملت البنزين والسولار، قبل أن تُعلن تجميدها لمدة عام بعد هذا الرفع.
وهكذا ترسخت فجوة واضحة بين مسار الأسعار عالميًا ومسارها محليًا.
 

اتجاه عالمي نحو التخفيض… ومصر تسير عكسه
في المقابل، تتجه معظم الدول إلى خفض أسعار الوقود استجابةً للهبوط العالمي.
فخلال الأسابيع الأخيرة، أعلنت أو نفذت تخفيضات فعلية كلٌّ من:

الصين، باكستان، سريلانكا، جنوب إفريقيا، ماليزيا، الولايات المتحدة (المتوسط الوطني لكل الولايات)، البرازيل، فيتنام، تايلاند، الأردن.

كما أعلنت تركيا أنها ستخفض أسعار المحروقات الأسبوع المقبل للمرة الثانية في أقل من ستة أشهر.
وفي المغرب، جرى خفض أسعار البنزين ثلاث مرات خلال خمسة أشهر، آخرها الشهر الماضي، مع دراسة خفض جديد في أكتوبر.
أما سوريا فقد خفضت أسعار المحروقات جميعها منذ سبعة أشهر، ولبنان والسودان أقدمتا على خفض مماثل.

أما في أوروبا، فقد لجأت عدة حكومات إلى خفض الضرائب أو الرسوم على الوقود لتخفيف الأعباء عن المواطنين:

  • ألمانيا: قلّلت الحكومة الضريبة المفروضة على الوقود مؤقتًا، مما أدى إلى انخفاض الأسعار في المحطات.
  • هولندا: خفّضت الرسوم على البنزين والديزل منذ أبريل لتخفيف العبء على المستهلكين.
  • إيطاليا: نفّذت تخفيضًا مؤقتًا في ضريبة الوقود في مارس لبعض أنواع المحروقات.
  • بولندا: خفّضت ضريبة القيمة المضافة على الوقود للتخفيف من أثر التضخم.
  • السويد: أعلنت عن خطة دعم تشمل خفض الضريبة على البنزين والديزل مؤقتًا ضمن حزمة لتقليل تكاليف النقل والطاقة.

وفي منطقة الخليج، تدرس السعودية والإمارات وقطر بدء تطبيق تخفيضات في أسعار المحروقات، استنادًا إلى هبوط السعر العالمي.

حتى الكيان المحتل خفّض سعر الوقود مرتين خلال العام الجاري (في مارس وأغسطس)، ويستعد لإقرار خفض جديد هذا الشهر رغم حالة الحرب مع إيران.
 

تفاصيل إضافية: خفض عربي متواصل
في لبنان، تواصلت التخفيضات خلال الأسبوعين الأخيرين؛ إذ خفّضت وزارة الطاقة أسعار البنزين 95 و98 بمقدار 21 ألف ليرة لبنانية، والديزل 17 ألفًا يوم 17 أكتوبر، ضمن سلسلة تراجعات أسبوعية مرتبطة بانخفاض الأسعار الدولية وتبدّل سعر الصرف.

أما المغرب، فمع تحرير التسعير ومراجعات السوق المنتظمة، سُجّلت انخفاضات متتالية في سعر الديزل خلال مارس وأبريل 2025 (بنحو 0.12 إلى 0.16 درهم/لتر)، فيما تُظهر قاعدة البيانات الأسبوعية للأسعار أن سعر البنزين في 13 أكتوبر 2025 بلغ 12.77 درهمًا/لتر، وهو أقل من مستويات سابقة هذا العام، بما يعكس مرونة انتقال أثر الأسعار العالمية محليًا.

جدير بالذكر أن سوريا كانت استثناءً جزئيًا؛ إذ أعلنت الجهات الرسمية في 8 أكتوبر رفعًا جديدًا لأسعار المشتقات، ما يؤكد أن الاتجاه ليس موحدًا في كل الدول العربية، وأن اعتبارات سعر الصرف والإتاحة والدعم تظل عوامل حاكمة.
 

لماذا تختلف مصر؟
يرى خبراء الاقتصاد أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية تفسّر فارق الاتجاه بين مصر وبعض نظرائها:

  1. سعر الصرف وكلفة الاستيراد:
    المشتقات مُسعّرة عالميًا بالدولار، وأي ضعف في العملة المحلية يلتهم أثر الهبوط العالمي.
    لذا قد ترى الحكومة أن تمرير خفضٍ فوري غير ممكن دون الإضرار بتوافر الإمدادات أو بخطط سداد الالتزامات الدولية.
    وتشير تقارير رسمية إلى استمرار التزامات مصرية لتوسيع طاقة التكرير وسداد مستحقات الشركاء.

  2. سياسة التسعير التلقائي:
    تجري اللجنة مراجعات ربع سنوية تعتمد على متوسطات الأسعار العالمية وليس الأسعار اللحظية، مع احتساب تكاليف النقل والضرائب والتكرير.
    لذلك قد تصدر قرارات «رفع ثم تثبيت» حتى مع هبوطٍ حديث، إذا كانت المتوسطات السابقة أعلى.

  3. هوامش الأمان المالي:
    رفع الأسعار ثم تجميدها لعام كامل قد يهدف إلى خلق هامش أمان يمتص الصدمات المستقبلية المحتملة (تقلبات النفط أو الالتزامات التمويلية)، بدل الدخول في دورة متكررة من الخفض والرفع تزيد عدم اليقين.
    وتشير تقارير الطاقة الدولية إلى توقعات بفوائض في المخزون وضغوط سعرية خلال الفصول المقبلة، ما يدعم وجهة نظر من يفضّلون الحذر المالي.

 

سؤال مفتوح: لماذا رفعت الحكومة الأسعار أصلًا؟
الكاتب والباحث السياسي جمال طه طرح تساؤلًا مباشرًا يلخّص الموقف الشعبي الناقد: «لماذا رفعت الحكومة أسعار البنزين والسولار في مصر بينما ينخفض سعر النفط عالميًا؟ السعر العالمي 60 دولارًا، والميزانية اعتمدت على 80 دولارًا.»

سؤالٌ يلمّح إلى أن تمرير أثر الهبوط الدولي إلى المستهلك المصري كان ممكنًا — أو على الأقل كان يمكن تجنّب الرفع الأخير — وهو ما يتناغم مع ما شهدناه في أسواق عربية عديدة سارعت إلى خفض أسعارها انسجامًا مع المؤشرات العالمية.