لم تعد صرخات المصريين همسًا في الغرف المغلقة، بل أصبحت هديرًا في الشوارع يفضح زيف الرواية الرسمية.
فبعد قرار نظام عبد الفتاح السيسي الأخير برفع أسعار الوقود، والذي جاء ليزيد من معاناة شعب يئن تحت وطأة الفقر، خرج صوت سيدة مصرية بسيطة ليعبر عن غضب أمة بأكملها، ويوجه اتهامًا مباشرًا وصريحًا لشخص السيسي نفسه.

جملتها البليغة: "دا موظف تحت رجلينا، إحنا اللي جبناه واحنا اللي هنشيله... ليه يجوّعنا وهو يعيش في قصور؟!"، ليست مجرد شكوى من الغلاء، بل هي لائحة اتهام سياسية وأخلاقية ضد قائد الانقلاب الذي وضع نفسه في برج عاجي، بينما ترك شعبه فريسة للجوع.

 

تأتي هذه الصرخة المدوية في أعقاب قرار حكومة السيسي برفع أسعار المحروقات للمرة الثانية خلال عام 2025، حيث قفز سعر لتر بنزين 92 إلى 19.25 جنيه، والسولار إلى 17.5 جنيه.

هذه الزيادات، التي يقدمها النظام على أنها "إصلاحات اقتصادية" ضرورية، هي في حقيقتها رصاصات تطلق مباشرة على صدر المواطن المطحون.
فكل زيادة يقرها السيسي، تترجم فورًا إلى موجة غلاء تلتهم كل شيء: من أجرة المواصلات إلى أسعار الخبز والخضروات، دافعةً بالملايين إلى ما دون خط الفقر، ومحققةً نبوءة السيدة المؤلمة بأن "الناس تأكل من الزبالة".

إن العبقرية الشعبية في وصف السيدة للسيسي بأنه "موظف" تكمن في أنها تعيد تعريف العلاقة المختلة بينه وبين الشعب. فهي تنزع عنه عباءة "الزعيم الملهم" و "المنقذ" التي حاولت آلته الإعلامية نسجها حوله على مدار سنوات، وتعيده إلى حقيقته: مجرد مسؤول تنفيذي، فشل فشلاً ذريعاً في وظيفته الأساسية، وهي توفير حياة كريمة لمن يفترض أنه يخدمهم. جملة "إحنا اللي هنشيله" ليست دعوة للعنف، بل هي تذكير بمبدأ ديمقراطي أصيل، وهو أن الشعب هو مصدر السلطات، وأن بقاء أي حاكم، مهما بلغت قبضته الأمنية، مرهون في النهاية برضا هذا الشعب أو غضبه.

لكن الجزء الأكثر إدانة في صرختها هو السؤال الذي يضع سياسات السيسي الاقتصادية في مواجهة مباشرة مع أسلوب حياته الباذخ: "ليه يجوّعنا وهو يعيش في قصور؟!". هذا السؤال ليس مجازيًا، بل هو إشارة واضحة إلى الهوة السحيقة بين سياسات التقشف التي يفرضها السيسي على الشعب، ومشاريعه المليارية التي لا تخدم إلا صورته، من عاصمة إدارية جديدة بتكاليف فلكية، إلى أسطول من القصور الرئاسية التي لا تتوقف عن التوسع والتشييد. إنها مفارقة تكشف عن انفصال تام عن الواقع، وتؤكد أن أولويات السيسي لا تمت بصلة لأولويات شعبه. فبينما يطالب المصريين بالصبر والتحمل من أجل "بكرة"، يبني لنفسه "جنة" خاصة من أموالهم وعرقهم.

لقد أصبح واضحًا أن "الإصلاحات" التي يتبناها نظام السيسي ليست سوى عملية إفقار ممنهجة للطبقات الشعبية والوسطى، لتمويل نظام يعيش على القروض والمشاريع الضخمة التي لا تعود بالنفع على المواطن. صرخة هذه السيدة هي صوت الحقيقة التي يحاول السيسي إخفاءها بالقمع والبروباغندا، وهي دليل دامغ على أن شرعيته تتآكل يومًا بعد يوم تحت مطرقة الجوع والغلاء